ﻴﺒﻴ ﺔ ﻠﺼﻟﺍ ﺏﻭﺮﳊﺍ ﺙﺍﺪﺣﺃ ﻦﻣ ﺔﻠﺷﺎﻔﻟﺍ ﻁﺎﻧ ﺭﺃ ﻲﺒﻴﻠﺼﻟﺍ ﺓﺮﻣﺎﻐﻣ ـ ﺯﺎ ـ ﺠ ﳊﺍ ﻭﺰﻐﻟ ١ ﻡ

Transcription

1 من ا حداث الحروب الصليبية مغامرة الصليبي ا رناط الفاشلة لغزو الحجاز ٥٧٨ ه / ١١٨٢ م د.عمر يحي محمد ا ستاذ مساعد - قسم التاريخ - كلية الا داب والعلوم الا نسانية جامعة الملك عبدالعزيز

2 من ا حداث الحروب الصليبية مغامرة الصليبي ا رناط الفاشلة لغزو الحجاز ٥٧٨ ه / ١١٨٢ م د.عمر يحي محمد مقدمة تولد عن ا علان وقيام الحملات الصليبية التي قام بها الغرب الا وروبي في القرن الحادى عشر الميلادي / الخامس الهجري على الشرق الا سلامي حوادث عديدة رافقت هذه الحملة وشكلت جانبا من جوانبها المثيرة وا حداثها الكثيرة بعض الحوادث تركز في المنطقة التي قصدها الصليبييون بحملاتهم وهي فلسطين وبلاد الشام وبعضها تجاوز ا لى مناطق ا خرى مجاورة او بعيدة. ومن هذه الحوادث المغامرة التي قام بها ا حد فرسان الحملة الصليبية الثانية والذي ا صبح ا ميرا على مدينة ا نطاكية ثم الكرك والذي دفعه طمعه وصلفه وخبثه ا لى ا ن يتجرا على القيام بهذه المغامرة وكان قمتها التخطيط لغزو الحجاز ومهاجمة مكة المكرمة والمدينة المنورة. ا ن هذا البحث يتناول مغامرة رينو دي شاتيون والذي يسميه العرب "ا رناط" لغزو الحجاز ا بتداء من شخصيته القلقة والمقلقة والتخطيط الذي ا تبعه والنتاي ج التي ا نتهت ا ليها هذه المغامرة والنتاي ج التي ترتبت عليها في المعسكرين الا سلامي والصليبي. ٢

3 ا ستطاع الصليبيون (١) عقب ا نتصاراتهم في الحملة الصليبية الا ولى مستغلين الظروف التي كانت تحيط بالعالم الا سلامي وحالة الضعف التي (٢) ا لمت بالدولة العباسية وصراعها مع الدولة الفاطمية وتراجع القوة الري يسية في المنطقة وهي قوة السلاجقه (٣) ا ستطاعوا تشكيل مركز ا ستقرار لهم في الشرق الا سلامي من خلال ا قامة ممكلة بيت المقدس وثلاث ا مارات ا خرى هي : ا مارة الرها ا مارة ولكن رغم الا ندفاع (٤) ا نطاكية وا مارة طرابلس. الصليبي وتمكنهم من خلال الحملة الصليبية الا ولى من تحقيق ا نتصارات هامة وجوهرية على الا رض الا سلامية ا لا ا نه لم يمض سوى خمسين عاما حتى تغيرت الا وضاع في المنطقة فقد تراجعت جبهة الصليبيين وا خذت في الا نهيار وا حتدمت الصراعات بين ا مراي ها في الوقت الذي سرت فيه روح جديدة في الجبهة الا سلامية حققت عدة نجاحات منها ا ستعادة الرها ومناطق ا خرى هامة. هذه التطورات ا ستدعت قيام حملة صليبية جديدة ليتنادى الغرب المسيحي من خلال بابويته ا لى الدعوة الى حملة جديدة ا علن عنها البابا يوجين الثالث III) (Eugen في مجمع فزلاى سنة ١١٤٩ م لويس السابع (٥) ( ٥٤٠ ه). ومالبث كبار ملوك ا وروبا ا ن لبوا دعوة البابا فسارع ملك فرنسا Conrad (٦) VII) (Louis وا مبراطور ا لمانيا كونراد الثالث ) (٧) (III ا لى ا علان ا نضمامها للحملة الصليبية وتبعهما كبار الا مراء والقادة والباحثين عن فرص جديدة في الشرق الا سلامي. با سم وا ول مايلاحظ على الحملة الجديدة هو مشاركة الملوك ولذا سميت (حملة الملوك) حيث ا ن ملوك ا وروبا في هذة الفترة كانوا على وفاق ٣

4 مع البابوية بعكس الحملة الصليبية الا ولى فقد كانوا على خلاف معها فلم (٨) يشارك ا ي ملك منهم وا نما ا قتصرت الحملة على الا مراء. ولكن الحملة الصليبية الثانية فشلت فشلا ذريعا ولم تحقق ا يا من الا هداف التي جاءت لتحقيقها بسبب الخلافات التي سادت بين قادتها (الملوك) وبسبب سوء التخطيط الذي ا ستندت عليه ولا ن المسلمين توفر لهم في هذه الفترة زعامة ا ستطاعت ا ن تتصدى للحملة الجديدة (٩) عماد الدين زنكي. ورغم ا ن الحملة فشلت وعاد زعماو ها ا لى ا وروبا هي نور الدين ا بن (١٠) ا لا ا ن الكثير من رجالها والذين التحقوا بها تخلفوا في فلسطين وبدا وا يشاركون في ا حداثها والصراعات السياسية التي سادت بين قادتها وكان من هو لاء جوسلين الثالث دي كورتناي (Courtenay) وجيرارد ريدفورت ) Gerard Renaud de ) ا لا ا ن ا هم هذه الشخصيات كان رينو دي شاتيون (ridfort (١١) (chatillon والذي تسمية المصادر الا سلامية ب "ا رناط". من هو ا رناط برزت شخصية رينو دي شاتيون ا و ا رناط كما ا طلقت عليه المصادر الا سلامية على مسرح الا حداث في بلاد الشام وفلسطين في ا عقاب الحملة الصليبية الثانية وقبيل مقدم الحملة الصليبية الثالثة ففي خضم الصراع بين المسلمين والصليبيين وفي الصراع بين الا مراء الصليبيين ا نفسهم برزت هذه الشخصية الغريبة القلقة والمقلقة فقد كان صليبيا مغامرا قدم من مدينة شاتيون (Chatillon) (١٢) بفرنسا بدافع الطمع وباحثا عن المجد ٤

5 والمغامرة التي سيطرت على كثيرين ممن شاركوا في الحملات الصليبية من ا مراء وا فصال وا قطاعى ا وروبا. منذ بداية وصوله ا لى المنطقة برزت شخصية ا رناط كشخصية غريبه وعجيبه ا تسمت بالمكر والخبث والتهور وذات قدرة على التا ثير على معظم الشخصيات الحاكمة تنزع ا لى السيطرة ولم يسلم من ضغوطه وممارساته ملوك بيت المقدس الخمسة (١٣) الذين عاصرهم. وكثيرا ما ا ختلفت سياسات هو لاء وخططهم مع تصرفاته وطموحاته وا ثار ا مامهم العديد من المشاكل والا ضطرابات والضغوط. ومن تتبع مواقف وتصرفات ا رناط نجد ا نه طغى على شخصيتة وتصرفاته القسوة والتصلب والتنكر للعهود والمواثيق وكان قرصانا خطيرا (١٤) وقاطعا للطرق سفاكا للدماء كلما كان ذلك محققا لمصلحته وطموحاته كما ا نه ا متلك من صفات المكر والدهاء والذكاء ماساعده في تحقيق كثير من طموحاته ومكنه من السيطرة على الا خرين.ذلك الطموح الذي كان يصل (١٥) ا حيانا ا لى درجة التهور والتورط وهو طموح لم يجعله من طراز الفرسان الذين مجدتهم العصور الوسطى الا وروبية وكانوا حريصين على (١٦) التمسك بمبادي الشرف والفروسية وا نما قذف به ا لى زاوية ا خرى من ا لخسة. نظرة المو رخين ا لى شخصية ا رناط ولعل المو رخون الغربيون هم ا كثر من ا ستطاع تحديد معالم شخصية ا رناط بدقة فالمو رخ المعاصر وليم الصورى يصفه بالا مير الطاغيه ٥

6 والشرس وصاحب التصرفات الطاي شه ويصف كثيرا من تصرفاته بالمشينة وانه لم يكن يتورع عن مهاجمة الا ديرة وا غتصاب الراهبات العذارى الصغيرات ا غتصابا مخجلا كما يذكر انه كان كثيرا مايشذ عن ا جماع الا مراء ويثير المشاكل (١٧) الخطايا. ويشير المو رخ ا ن بينهم وانه كان مطبوعا على الا ندفاع في بلدوين ا لى ا نحطاط رينو دي شاتيون خلقيا (١٨) وطيشه سياسيا وا نه كان فارسا خطرا لايمكن ضبطه.فيما يرى جروسيه ا مارة ا نطاكية حصلت على محارب قوي وفارس صليبي قام بدور هام وبارز في محاربة المسلمين ببلاد الشام ولكن للا سف كان مغامرا خطيرا ا تصف كثيرا من تصرفاته بالطيش والتهور وعدم مراعاة العهود والجهل با حكام السياسة وا صولها مما سبب متاعب لاحد لها (١٩) للصليبيين بالشام. ويصفه المو رخ الا وربي كنج بقوله "رينو دي شاتيون نموذج للفارس اللص في عصره ا تصف بالجشع وعدم الوفاء والغدر والوحشية والتعصب الا عمى" (٢٠). ويشبهه المو رخ هارولد لامب بالذي ب فيذكر ا ن قلعة ذي با دعاه العرب الكرك كانت تو ى (٢١) ا رناط وتصفه كارين ا رمسترونج با نه ا حد الصقور الذين شهدتهم الحروب الصليبية وا نه التجسيد الحي للمتطرفين الدينيين.(٢٢) الذين تشهدهم دولة ا سراي يل حالي ا فا بن الا ثير الفرنج ولاتختلف نظرة المو رخين العرب عن تلك التي رسمها الغربيون له يقول عنه "كان البرنس ا رناط صاحب الكرك من ا عظم وا خبثهم وا شدهم عداوة للمسلمين وا عظمهم ضررا عليهم (٢٣) كما يصفه ا بو شامه با نه " كان ا غدر الفرنجيه وا خبثها وا فحصها عن الردى ٦

7 (٢٤) والرداءة وا نقضها للمواثيق المحكمة والا يمان المبرمة وا نكثها وا حنثها " بروز ا رناط على مسرح الا حداث في بلاد الشام ا تاحت الا حداث والصراعات التي شهدتها المنطقة في ا عقاب فشل الحملة الصليبية الثانية لا رناط وغيره من المغامرين البروز والظهور على مسرح الا حداث وقد تقلب ا رناط في ولاءاته بين عدد من الزعماء والا مراء وكان خلال ذلك يبحث لنفسه عن دور مميز وكانت قمة هذا البروز حين بدا يخطط للزواج من الا رملة الحسناء كونستانس Constans ا رملة ريموند دي بواتيه والوصية على عرش ا بنها الصغير بوهيموند الثالث على (٢٥) ا نطاكية. فبعد وفاة ريموند دي بواتيه ا مير ا نطاكية ا خذت الضغوط تتزايد على كونستانس من بلدوين الثالث ملك بيت المقدس للا قتران بزوج يستطيع الحفاظ على الا مارة الهامة للصليبيين وليستطيع تسيير ا مورها والتصدي لمحاولات السلاجقة ا ستعادة الا مارة ولكن كونستانس كانت تتمنع لا ن ذلك كان يعني ضياع سلطانها ونفوذها وحرمانها من السيطرة على الا مارة الهامة وفضلت ا ن تضل قابضة على زمام الا مور في ا نطاكية ورفضت الزواج من مرشح الملك بلدوين ايميري دي ليموج Emery بطريق الا مارة كما ا نها رفضت الزواج من ا حد الا مراء البيزنطيين وهو حنا روجر شقيق زوجة الا مبراطور البيزنطي مانويل كومنين والذي ا قترحه الا مبراطور البيزنطي والذي حضر ا لى (٢٦) ا نطاكية لهذا الغرض. ٧

8 ولكن كونستانس - خروجا من هذه الضغوط - با علان زواجها من رينو دي شاتيون فاجا ت الجميع (ا رناط) ذلك المغامر الصليبي الطاي ش (٢٧) الذي لم يكن ا حد يتوقع ا ختياره زوجا لها. ولم يجد ملك بيت المقدس مفرا من الموافقة على هذا الزواج والذي ا جريت مراسمه سنة ١١٥٣ م/ ٥٤٨ ه بعد ا لحاح شديد من رينو دي شاتيون وكونستانس ايمرى دي وكان ا ول مافعله (٢٨). ا رناط - تا كيدا لطيشه وقسوته- ا ن القى القبض على ليموج - بطريق الا مارة وا نزل به ا شد العذاب لا نه سبق وتجرا على التقدم بطلب الزواج من كونستانس حيث ربط البطريق على جذع شجرة بعد ا ن وضع على را سه مقدارا من العسل ثم تركه في حرارة الشمس المحرقه يتا لم من لذعات الذباب والحشرات ولم ينقذه سوى ملك بيت المقدس الذي ارسل ا لى (٢٩) ا رناط يطالب با طلاق سراحه. مغامرات ا رناط في المنطقة بعد ا ن شعر ا رناط ا نه ا صبح بموجب هذا الزواج ا ميرا على واحدة من ا هم الا مارات الصليبية في بلاد الشام وهي ا مارة ا نطاكية بدا يتحرك لتوسيع داي رة نفوذه خارج ا مارته فقام ببعض التحركات على حساب القوى المحلية ولكن معظمها كان فاشلا وكان من هذه التحركات قيامه سنة ١١٥٧ م ( ٥٥٢ ه) في ا عقاب الزلزال الكبير الذي ضرب المنطقة بالتوجه (٣٠) نحو مدينة شيزر فشل بسبب مقاومة ا هلها ولخلاف حكمها - بعد الا ستيلاء عليها - ومهاجمتها بغرض الا ستيلاء عليها ولكن هذا الهجوم الصليبيين ونزاعهم حول الى من يو ول فقد كان ملك بيت المقدس بلدوين الثاني ٨

9 عزوفا منه عن ا رناط يرى ا ن يحكمها ديتري خ Dietrich زوج ا خته سيبل Sybil وا دى هذا التنافس الى فشلهم في ا قتحامها وا ن لم تسلم من نهبهم (٣١) وقتلهم للعديد من سكانها. وكانت مغامرته الا كبر والا خطر هي قيامه سنة بالتحالف مع ثورورس الثاني ١١٥٦ م ( ٥٥١ ه) (٣٢) Thourus II ا حد ا مراء الا رمن. وا تفاقهما على مهاجمة جزيرة قبرص والتي كانت تابعة للا مبراطورية البيزنطية وكان الا مبراطور البيزنطي مانويل كومنين ( ١١٨٠-١١٤٣ م/ ٥٣٨-٥٧٦ ه) بعد ا ن ضج من تحركات ثورورس الثاني في ا رمينيا ومهاجمته للا ملاك البيزنطيه ورغبة في الحد من نفوذه وا عتداءاته على السيادة البيزنطية قد كتب لثورورس وقد وقد ا ستجاب الى رينو دي شاتيون "ا رناط" يطالبه بالتصدي (٣٣) وعده بمكافا ة كبيرة ا ذا نجح في هذه المهمة. ا رناط لطلب الا مبراطور البيزنطي وجهز جيشا سار به (٣٤) ا لى قليقيا حيث ا ستطاع هزيمة ثورورس وقمعه ودمر جيشه بالكامل. وا خذ ا رناط ينتظر المكافا ة التي وعده بها الا مبراطور البيزنطي ولكن يبدو ا ن الا مبراطور قد تا خر في الوفاء بوعده لا رناط ولشدة قلقه فقد ا ستاء من هذا التا خير والتجاهل من الا مبراطور وقرر ا ن ينتقم (٣٥) منه. قرر ا رناط ا ن يتحالف مع الغريم الذي ذهب لمقاتلته وسبق ا ن هزمه حيث عقد ا تفاقا مع ثورورس الثاني لمهاجمة جزيرة قبرص وهي ا حدى الولايات التابعة للا مبراطورية البيزنطية وا حدى نقاط ا رتكازها في البحر المتوسط وكانت تتمتع بثراء لابا س به وقام الحليفان بمهاجمتها وهزيمة ٩

10 قوات الحماية بها وا خذا يطوفان في ا نحاء الجزيرة ينهبان ويسلبان ويحرقان المدن والقلاع ويذكر وليم الصوري ا نهما لم يتورعا عن مهاجمة الكناي س والا ديرة وقاموا بتقطيع ا يدي وا رجل بعض القساوسه ورجال الاكليروس وبتروا ا نوف وا ذان البعض الا خر ولم تنج الراهبات و (٣٦) العذارى من ا ساءاتهم. ويضيف وليم الصوري في وصف هذا الهجوم المشترك : "لقد ا ستولى رينو دي شاتيون على كميات كبيرة من الذهب والفضة والا ثواب والملابس الفاخرة ومع ذلك فا ن تلك الخسارة لاتعتبر شيي ا (٣٧) ا ذا قورنت بالعنف الذي سلكه ضد العفه والطهارة. وبعد عدة ا يام من الا عمال الحربية في جزيرة قبرص وماتخللها من النهب والسلب والقتل والبطش شحنت السفن التابعة لا رناط والتي كانت ترسو على شاطي البحر بكميات كبيرة من الثروات والغناي م من شتى الا نواع ا ستعدادا للا بحار بها نحو (٣٨) ا نطاكية. وا ثار هذا التصرف العدواني من ق بل ا رناط وثورورس الثاني كلا من الا مبراطور البيزنطي مانويل كومنين وبلدوين الثالث ملك بيت المقدس وقد حاول ملك بيت المقدس ا ن ينا ي بنفسه عن هذا التصرف الذي ا قدم عليه ا رناط وسارع ا لى بعث سفارة ا لى القسطنطينية في صيف سنة ١١٥٧ م/ ٥٥٢ ه تقدم توضيحات عن موقف ملك بيت المقدس من هذه التصرفات وتعرض زواج الملك بلدوين من الا ميرة ثيودورا Theodora ا بنة ا خت الا مبراطور البيزنطي وهو ماتم فعلا في سبتمبر من ذلك (٣٩) العام ولا يستبعد ا ن تكون السفارة قد ناقشت ا يضا سبل الا نتقام من تصرف ا رناط وثورورس الثاني. ١٠

11 وجاء رد فعل الا مبراطور سريعا ففي صيف سنة ١١٥٨ م/ ٥٥٢ ه خرج الا مبراطور على را س جيش كبير لغزو ا رمينيا وا ستردادها من ثورورس ومعاقبه ا رناط. وما ا ن علم ثورورس بمقدم جيش الا مبراطور بهذا العدد الكبير من الرجال والعتاد حتى قرر الفرار الى الجبال العالية وفتحت قليقيا ا مام جيش الا مبراطور البيزنطي حيث سقطت المدينة والقلعة تلو الا خرى ثم ا تخذ من (٤٠) مدينة المصيصه مقرا له ومنها ا رسل ا لى (٤١) يطلب مثوله ا مامه ليحاسبه على مافعله في قبرص. ا رناط في ا نطاكية وفزع ا رناط من دعوة الا مبراطور وحاول الا ستنجاد ببلدوين والذي لم يكن ا قل غضبا وا ستياءا من الا مبراطور البيزنطي ولذلك رفض ا ن يقدم له ا ي دعم. وا خيرا لم يجد ا رناط ا ستجابه لرا ي مستشاريه وا صدقاي ه المقربين (٤٢) سوى الا نصياع لدعوة الا مبراطور والمثول بين يديه. وتسهب المراجع التاريخية في وصف حالة ا رناط عند مثوله ا مام الا مبراطور فتذكر ا ن ا رناط كان حاسر الرا س حافى القدمين وكان يرتدي ثوبا قصيرا حتى مرفقيه وممتد حول رقبته وعندما وجد نفسه ا مام الا مبراطور وجها لوجه ا رتمى على الا رض وا خذ يزحف حتى وصل ا لى قدمي الا مبراطور ثم ا نحنى ورفع سيفه الى ا على ليناوله الا مبراطور من مقبضه وطلب منه العفو والغفران في ذلة وخضوع ودرجة كبيرة من (٤٣) المهانة والا ذلال. ١١

12 وا نتهى ذلك المشهد المخزى بعفو الا مبراطور عن ١٢ ا رناط بعد ا ن وافق على عدة شروط منها: ا ن يعترف ا رناط بسيادة الا مبراطورية البيزنطية على ا مارة ا نطاكية وا ن يتعهد بتسليمها وتسليم قلعتها فورا ا ذا طلب منه ذلك وا ن يقدم فرقة من محاربي ا نطاكية للعمل في الجيش البيزنطي وا ن يقوم بعزل بطريق (٤٤) ا نطاكية الكاثوليكي ويعين بطريرقا ارثودوكسيا. وبعد ا ن تعهد بتنفيذ هذه الشروط سمح له بالعودة ا لى ا نطاكية ولاشك ا ن هذا الموقف المهين لا رناط وهذه التعهدات قد ا شعرت الفرنج الذين حضروا هذا اللقاء بالحرج والضيق وشعروا بالخزي والعار من تصرفات (٤٥) ا رناط. ولكن هذا الموقف وهذه التعهدات التي ا ملاها الا مبراطور البيزنطي وهو في موقف القوة وتقبلها يكتب لها ا ن تنفذ ليس بسبب ا ن ا رناط خاضعا وهو في موقف الضعف لم ا رناط سرعان ما وقع في ا سر المسلمين ولكن لا ن كل التعهدات التي كان يبادر اللاتين الى بذلها للا مبراطور البيزنطي في ا وقات الضعف سرعان ماتتبدل وتحمل محلها المواقف المضاده بسبب العداء المستحكم بين الصليبية الا ولى بل الا مبراطور البيزنطي مانويل كومنين وبين الصليبيين والبيزنطيين منذ الحملة ومنذ وقت مبكر وما ا شبه هذا الموقف بين ا رناط مع ذلك الذي حدث بين الا مبراطور الكسيوس كومنين وبين بوهيموند الا ول ا ول الا مراء الصليبيين على يشفع (٤٦) ا نطاكية. ولكن الغريب ا ن بلدوين الثالث ملك بيت المقدس الذي رفض ا ن لا رناط لدى الا مبراطور البيزنطي قام عند زيارته للا مبراطور في المصيصه بعرض شفاعته لثورورس الا رمني ا مير قليقيا ا ذ ا لح على

13 الا مبراطور في العفو عنه وا خيرا قبل الا مبراطور ذلك بشرط ا ن يحافظ (٤٧) ثورورس على تبعيته للا مبراطورية البيزنطية. فهل كان ملك بيت المقدس يشعر ا ن تصرفات ا رناط في قبرص وهو اللاتيني مثله قد اشعرته هو شخصيا بالسخط والمذله والحرج ا مام المسيحين وا مام الا مبراطور البيزنطي! ام ا ن بلدوين الثالث كان يعاني من المشاكل التي كان يخلقها ا رناط بسبب تصرفاته وحنقه وخاصة ا ن زواجه من وريثة ا نطاكية وبالتالي بروزه وا مارته لا نطاكية كانت ضد رغبته! ام ا ن الرعونه التي كان يتصرف بها ا رناط ومايمكن ا ن تجره مستقبلا كانت وراء رفض ملك بيت المقدس التوسط له! لعل كل ذلك وغيره من الا سباب كانت وراء رفض بلدوين التوسط لا رناط عند الا مبراطور البيزنطي ولكنه عندما را ى عفو الا مبراطور عن ا رناط لم يبخل بشفاعته لثورورس لدى الا مبراطور. ويبدو ا ن الا مبراطور البيزنطي مانويل كومنين ا راد ا ن يظهر ويو كد للملا الصليبي سيادته على لها في ا بريل سنة ا مارة ا نطاكية فقد قرر ا ن يقوم بزيارة رسمية ١١٥٩ م/ ٥٥٤ ه حيث دخلها في موكب ضخم وشكل مهيب وسط الزينات والشعارات والبيارق المرفوعه في كل مكان ووسط الا بواق والا ناشيد والطبول والهتافات الصادرة من جيشه ومن الجماهير المحتشدة ولمزيد من التا كيد على هذه السيادة سار رينو دي شاتيون (ا رناط) ا مير ا نطاكية ممسكا بخطام فرس الا مبراطور وبجواره بقيه الا مراء (٤٨) اللاتين كما لحق بهم ملك بيت المقدس. ١٣

14 وا ستمرت زيارة الا مبراطور البيزنطي لا نطاكية ثمانية ا يام وسط مظاهر الفخامة والا بهة البيزنطية (٤٩) ا نطاكية وشعبها. والتبجيل والاحترام والحفاوة من ا مراء ا سر ا رناط وا يداعه قلعة حلب عاد ا رناط الى تحركاته ومغامراته فقام في ١١٦٠ م/ ٥٥٥ ه بمهاجمة عدد من المراعي في الجزيرة الفراتية حيث ا راد الا ستيلاء على قطعان الماشية والا غنام التي كانت تملا المنطقة وبدون ا ي مقاومة تمكن ا رناط من الا ستيلاء على هذه الا غنام وسلبها وفي طريق عودته بمسروقاته ا لى ا مارته فاجا ه مجد الدين ا بوبكر ا بن الدايه حاكم حلب ودارت معركة حاميه بين الطرفين ه زم فيها الفرنج ولاذ عدد كبير منهم بالفرار ا لا ا ن ا رناط والذي رفض ا ن يتخفف من ا سلابه مما ا ثقل حركته وجعلته يقع في ا سر جنود حلب الذين قيدوه بالسلاسل وقادوه الى سجن حلب مع بقيه الاسرى في منظر يصفه (٥٠) وليم الصوري با نه كان فاضحا. والغريب ا نه خلال فترة ا سره الطويلة لم تبذل ا ي محاولة لجمع ا ي مبلغ من المال لافتداي ه - كما جرت العاده - وا خراجه من السجن بل ا ن بلدوين الثالث وا هل ا نطاكية والا مبراطور البيزنطي لم يقوموا با ي جهد في هذا السبيل وقضى في ا سرة مدة يقدرها البعض بخمسة عشر عاما (٥١) والبعض الا خر بسبعة عشر عاما متواصله. ولايوجد تفسير لبقاي ه هذه الفترة الطويلة في الاسر دون ا ن يبذل الصليبيون ا و البيزنطيون ا و ا صدقاي ه وحلفاي ه من الا مراء اللاتين ا ي محاولة ١٤

15 لا طلاق سراحه ا لا ا نه كان مكروها من الجميع وبالذات من المعسكر الصليبي وبالا خص من ا صحاب الحكم وسكان ا نطاكية وكان في بقاي ه في الا سر لدى المسلمين فاي دة للبعض ومصلحة وراحة للبعض الا خر. الا وضاع في وكل الذي قام به بلدوين الثالث ملك بيت المقدس للمحافظة على ا نطاكية في ا عقاب ا سر ا رناط ا ن ا ستجاب لا لتماسات بارونات (٥٢) ا نطاكية الذين لجا وا ا ليه وعمل على المحافظة على حقوق بهيموند الثالث في الحكم الى ا ن يبلغ سن الرشد - وكان حينها في السادسة عشرة من عمره وقرر ا ن يعيد البطريق ا يمرى الذي سبق ا ن لقى الا مرين من ا رناط ا لى ا نطاكية ليساند بوهيموند غضب كونستانس والا مبراطور البيزنطي معا. الثالث في الحكم وكان هذا القرار محل ويبدو ا ن الا مبراطور البيزنطي مانويل كومنين ا راد ا ن يدعم مطالب كونستانس بحل عملي فقرر سنة ١١٦١ م / ٥٥٦ ه الزواج من ماريا ا بنة (٥٣) كونستانس ولكن الدعم لم يجد التا ييد من بارونات ا نطاكية فقاموا سنة ١١٦٣ م/ ٥٥٨ ه بطرد كونستانس من ا نطاكية وتنصيب ا بنها بوهيموند (٥٤) الثالث حاكما عليهم. ا رناط يعود للظهور ا ميرا على الكرك ا ستفاد ا رناط من التطورات التي كانت حاصلة في المعسكر الا سلامي ففى ا عقاب وفاة نور الدين محمود بن زنكي سنة ٥٧٠ ه/ ١١٧٤ م وا ختلاف ورثته على توزيع دولته الواسعه تراجع الخطر الا كبر على الصليبيين وشهدت المنطقة عدة صراعات بين هو لاء الورثة من ا مراء ١٥

16 البيت النوري وا ستفاد الصليبيون من هذا التنازع وبدا وا يعملون على توسيع ممتلكاتهم على حساب الا مراء المتنازعين فدخلوا في حروب مع بعضهم وعقدوا ا تفاقيات مع البعض الا خر. (٥٥) على جانب ا خر كان هناك صلاح الدين الا يوبي في مصر يرقب الا وضاع في بلاد الشام ويخطط للا ستفادة منها في توسيع دولته وتحقيق الوحدة الا سلامية مجددا حتى يستطيع تكوين جبهة واحدة بين الشام ومصر للتصدي للمخططات الصليبية. وا ستجاب صلاح الدين الا يوبي للدعوة التي وصلته من شمس الدين بن عبدالملك بن المقدم - وكان ا حد الرجال المهمين في دمشق - والذي را ى في دعوة صلاح الدين لتسليمه دمشق الحل الا خير بعد ا ن فشل في ا قناع سيف الدين غازي - صاحب الموصل - من النهوض الى دمشق (٥٦) وتسلمها. وخرج صلاح الدين ا لى دمشق يرافقه سبعماي ه فارس فوصلها سنة ٥٧٠ ه/ ١١٧٤ م دون ا ن يصطدم بالصليبيين وملكها -كما يقول المو رخون (٥٧) - دون مدافع وبلا ضربه ولاطعنه. ومن هناك بدا صلاح الدين في التوسع وا لتقى في عدة جولات مع الا مراء المناوي ين له من الزنكيين الذين حاولوا الا ستعانه بالصليبيين ودخل بعضهم في (٥٨) تحالفات معهم ضد صلاح الدين. والا ن نعود ا لى ا ستفادة ا رناط - الذي كان يقبع ا سيرا في قلعة حلب - من هذه الا حداث فعند محاصرة صلاح الدين لقلعة حلب سنة (٥٩) ٥٧١ ه/ ١١٧٦ م قام حاكمها سعد الدين كمشتكين بطلب المساعدة من ١٦

17 - لنجدته وا نقذ الصليبيين حيث بادر ريموند الثالث (٦٠) حلب من الوقوع في يد صلاح الدين. - صاحب طرابلس ولكي يعبر كمشتكين عن تقديره وا متنانه للمساعدة الصليبية وا عترافه بالجميل قام في ا عقاب ذلك با طلاق سرح عدد من الا سرى وكان من بينهم ا مير ا نطاكية الا سير رينو دي شاتيون وسارع ا رناط بعد خروجه من السجن ا لى (٦١) "ا رناط". ا نطاكية مركز ا مارته السابقة يحدوه الا مل لا ستعادة ا مارته ونفوذه ولكنه وجد ا ن الامور قد تغيرت بها فزوجته كونستانس قد توفيت وا بنها بوهيموند الثالث صغيرا - الذي كان - قد ا صبح حاكمها ووجد نفسه غير مرحب به في ا نطاكية ولا مكان له في قصر حكمها ولا لدى حاكمها الجديد. وبحكم روحه القلقه وطموحه الذي لاينتهي وجد ا ن ا فضل مكان يتجه ا ليه في هذا الوقت هو بيت المقدس والتي كانت تمر بظروف من التنازع والصراع من ا جل الوصاية والحكم وبحكم نزعته القلقه وجد نفسه في خضم الصراع بعد ا ن تلقفه رجال البلاط وا صبح زعيما للحزب المتطرف والذي يتشكل في معظمه من ا ولي ك الفرنج الذين جاو وا من ا جل مكاسبهم الخاصة وسبيلهم كان التطرف في التصرفات والا فعال من ا جل (٦٢) تحقيق مصالح ضيقه ومكاسب خاصة. وشعر الملك بلدوين الثالث بخطورة بقاء ا رناط في بيت المقدس فا خذ يتدبر السبيل لا بعاده وجاءته الفرصة حين طلب ا رناط دعمه في الزواج من اتينيت دي ميلي Etiennette de milly وريثة الاردن وصاحبة حصن الكرك والشوبك حيث تم الزواج في سنة ١١٧٧ م/ ٥٧٢ ه (٦٣). وبموجب ١٧

18 هذا الزواج ا سندت ا ليه (٦٤) ا مارة الكرك.ومن هناك سيستعيد ا رناط نشاطه ومغامراته التي ا شتهر بها وسيبدا هجماته على جيرانه سواء من المسلمين ا و المسيحين وسيصبح من جديد مصدر قلق وا ضرار للجميع. ومنذ الا يام الا ولى للتواجد الصليبي في فلسطين وبلاد الشام شكلت ا مارة الكرك ومعها حصن الشوبك ا همية كبيرة للوجود الصليبي سواء في النواحي الا قتصادية ا و العسكرية فقد كانت ا مارة الكرك خط الدفاع الا ول والسد المنيع الذي يحمي الجبهة الصليبية من الجهة الشرقية والجنوبية كما كان لها ا همية ا ستراتيجية وموقع "حاكم" بين الشام ومصر والحجاز وكانت تتحكم ا يضا بطرق القوافل التجارية وتتحصل على رسوم وضراي ب كثيرة كما ا نها توفر لها المحاصيل الكثيرة والغلات الوفيرة. وكان المسلمون يشعرون بالا همية والخطورة التي تشكلها ا مارة الكرك الصليبية ولذلك تعددت المحاولات التي بذلت لمهاجمتها وا ستخلاصها من يد الصليبيين وبدا ت هذه المحاولات مبكرا منذ عام نور الدين محمود وا ستمرت حتى عام (٦٥) الدين الا يوبي. كان ٥٦٥ ه/ ١١٧٠ م في عهد ٥٨٣ ه/ ١١٨٧ م في عهد صلاح على الجانب الا خر كان حصن الكرك بموقعه المتميز وا مكانياته العسكرية الحصينه حافزا لا رناط لا ن ينشط في مغامراته وا ن يذهب بعيدا في التخطيط والا قدام عليها والتوسع فيها بشكل ربما فاق ذلك الذي يتيحه له الوضع في ا نطاكية كما ا ن موقعه الجديد في الكرك ا تاح له مزيدا من التا ثير والتوجيه لقرارات الصليبيين ومواقفهم وتحركاتهم. ١٨

19 وكل ذلك شكل ضغطا على المسليمن وتهديدا وعرقلة لمشروع صلاح الدين الا يوبي لتحصين الوحدة الا سلامية والتصدي للوجود الصليبي في بلاد الشام وفلسطين وتهديدا للتواصل مع مصر وللقوافل المتنقله بين الجزا ين بل وجعل ا رناط يتطلع ا لى توسيع النفوذ والتواجد الصليبي الى البحر الا حمر وتهديد مدنه وتجارته. مشروع ا رناط لغزو الحجاز بعد ا ن تعددت الضربات التي كالها صلاح الدين الا يوبي لا رناط في حصنى الكرك والشوبك فكر ا رناط ا ن يصيب المسلمين في مقتل وا ن يحقق مشروعا كبيرا طالما حلم به ورا ى ا ن ذلك المشروع يحقق له عدة نتاي ج عسكرية وا ستراتيجية وا قتصادية وكان هذا المشروع يتلخص في توسيع داي رة الصراع بين الصليبيين والمسلمين ليشمل منطقة البحر الا حمر ومن هناك مهاجمته ا قدس بقعتين لدى المسلمين وهما الحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقد فطن القادة والمو رخون المسلمون ا لى الا هداف الحقيقية لهذا المشروع الصليبي حيث ا ورد المو رخان ا بو شامة وا بن واصل رسالة للقاضي الفاضل يتحدث فيها عن ا هداف ذلك الغزو وا ن الفرنج ا رادوا من وراي ه تحقيق هدفين خطيرين ا ولهما قطع طريق الحجاج ا لى مكة وضرب العالم الا سلامي في قلبه وطعن المسلمين في قبلتهم وثانيهما : ا ن الصليبيين كانوا يزمعون الا ستيلاء على عدن في جنوب البحر الا حمر لا خذ تجار اليمن واكارم عدن وبذلك يتمكنون - بفضل السيطرة على ١٩

20 ا يلة في الشمال وعدن في الجنوب (٦٦) ا عداي هم وا حتكار تجارة الشرق والمحيط الهندي. - من ا غلاق البحر الا حمر في وجه بينما حدد المو رخون الغربيون ا ن هدف هذا المشروع كان التحكم في (٦٧) حركة المرور الدولية بين ا سيا ومصر عن طريق باب المندب فيما ذهب البعض الا خر منهم الى التقليل من ا هداف هذا الغزو وا نها تتمثل في النهب (٦٨) فقط وفي الضغط على صلاح الدين ليخفف من غاراته على مدن بلاد الشام وفلسطين وحرمانه من الا موال الطاي له التي تدرها تجارة البحر الا حمر مع ا وروبا وهي التي تعينه على مواصلة نضاله ضد كما ا ن بعض هو لاء ا نطوت عليه محاولة المو رخين لم (٦٩) الصليبيين. يغفلوا الا شارة ا لى هدف خطير ا رناط وهو هدم الكعبة المشرفة ومسجد الرسول (٧٠) صلى االله عليه وسلم ثم الا ستيلاء على جثمانه الشريف ونقله الى ا مارة الكرك حيث يرى ا بن جبير ا ن ا رناط كان يهدف الى عدم السماح (٧١) للمسلمين بزيارته ا لا بعد دفع مبلغ كبير يفرضه هو بنفسه. وا يا كانت الا هداف التي خطط ا و هدف لها البحر الا حمر وصولا ا لى منطقة الحجاز فا ن هذه ا رناط من وراء حملته في العملية شكلت خطورة كبيرة على المسلمين وعلى الوجود الا سلامي وعلى الصراع بين المعسكرين الا سلامي والصليبي وكذلك ا عطت نموذجا حيا على مغامرات ا رناط وجرا ته التي لم يسبقه ا ليها ا حد من الصليبيين. كانت الخطوة الا ولى ٥٧٧ ه/ ١١٨١ م بالتحرك على را س (٧٢) الكرك لحملة ا رناط هي قيامه في شتاء سنة جيش كبير نحو جنوب حصن وكان ا ختياره لفصل الشتاء حتى يحمي قواته من حرارة ٢٠

21 الصيف ا لا ا ن الحملة فشلت فشلا ذريعا بسبب طول المسافة وتعرقل الا مدادات والمو ن عن جنده والا هم من ذلك تنبه المسلمين الى هذا التحرك فتصدوا له مبكرا حيث قام عز الدين فروخ شاه ناي ب صلاح الدين على دمشق بتحرك سريع فقصد ا رناط بذلك عاد مسرعا ا مارة الكرك وبدا محاصرتها وعندما علم ا ليها قبل ا ن تقع في ايدي المسلمين وهكذا فشلت الحملة وكل ماحققته هو مهاجمة ا حدى القوافل التجاريه بالقرب من (٧٣) تيماء. ا لا ا ن هذه الحملة ا تاحت له التعرف على طبيعة البلاد التي مر بها والمصاعب التي يمكن ا ن تواجهه. وا تبع ذلك بتحرك ا خر حيث قام بمهاجمة المناطق المجاورة للكرك وكان يهدف ا لى الا ستيلاء على مدينه (٧٤) ا يلة والتي سبق ا ن ا ستعادها صلاح الدين الا يوبي ولكن حاميتها ا ستبسلت في الدفاع عنها فلم يستطيع (٧٥) ا ن ينال منها. ا تاحت له هذه التحركات الا ستكشافيه ا ن يستكمل مخططه ويوفر له جميع عوامل النجاح كما تصور وتطورت لديه فكرة المهاجمة عن طريق البحر بعد ا ن فشلت محاولته البريه وجهز ا رناط كميات كبيرة من الا خشاب والتي ا مدته بها غابات الكرك كما ا ستدعى ا مهر الصناع من مختلف مدن الشام التي تحت سيطرة الصليبيين وبدا و في صناعة مراكب منفصله وقام بتجربه ا جزاء منها في البحر الميت ليتا كد من سلامتها ثم (٧٦) ا عاد فصلها مرة ا خرى وحملها على الجمال التي استا جرها من العرب المجاورين حيث نقلت ا لى خليج العقبه وا عاد الصناع تركيبها وا عدادها (٧٧) للا بحار. ٢١

22 وتذكر المراجع ا ن عدد الجنود الذين ا ستقلوا هذه السفن والتي كانت تسمى ب "الغربان" بلغوا ا كثر من ٥٧٨ ه/ ١١٨٢ م وكان هدفهم ا يلة والتي تمكنوا من (٧٨) ١٥٠٠ مقاتل. حيث ابحروا في خريف (٧٩) الا ستيلاء عليها ثم قاموا بمهاجمة جزيرة فرعون والتي تعتبر مفتاح خليج العقبه ولكنهم فشلوا في تحقيق هدفهم بسبب البسالة والمقاومه التي ا بداها ا هلها ولا ن ا رناط كان لايريد ا ضاعة وقته في محاصرتها قرر ا ن يترك سفينتين لمحاصرتها ومناوشه ا هلها ومنع المياة والمو ن عنهم حتى ومن من جيشه برا ا يلة قرر (٨٠) يستسلموا. ا رناط ا ن يطور خطته العسكريه وا مر ا ن تسير فرقه وبمحاذاة الساحل وتكون وجهتها مدينة تبوك للتصدي لا ي قوة ا سلامية تا تي من البر وتحاول قطع طريقه. ومن هناك وا ستباقا لا ي تحرك ا سلامي قرر ا ن يتوغل في البحر الا حمر بعد ا ن ا نحرف الى الساحل المصري فواصل ا بحاره جنوبا دون ا ن يتعرض لا ي مقاومه حتى وصل ا لى شواطي ميناء عيذاب (٨١) وقام جيشه هناك با حداث محرقه للسفن الراسيه على الشاطي حيث ا ستولوا على (٨٢) تسعة عشر مركبا وقاموا بنهبها وا شعلوا فيها النيران. وقاموا بعمليه قرصنة رهيبة حيث ا ستولوا على مركب كان يقل حجاجا قاصدين جده كما (٨٣) ا ستولوا على عدد من السفن القادمه من الهند واليمن. وا ثارت هذه الا حداث الرعب لدى سكان مدينة عيذاب والذين لم يسبق لهم رو ية ا مثال هذه السفن الفرنجيه وا مثال هو لاء القوم ا و (٨٤) المحاربين. وا زداد رعبهم وخوفهم عندما نزل ا رناط بقواته ا لى البر وبدا ٢٢

23 في نهب الدور وقتل الرجال ونهب المو ن وا حدث هناك مذبحه لم تسلم منها (٨٥) قوافل الحجاج ا و ا بناء المدينة. ومن عيذاب قرر ا رناط في جرا ة عجيبه ا ن يتوجه ا لى الساحل الشرقي للبحر الا حمر وفي طريق ا نتقاله للساحل الشرقي لم تسلم السفن التجارية من ا عتداءته ونهبه وا خيرا وصلوا ا لى رابغ على ساحل البحر الا حمر ومنها ا نتقلوا ا لى الحوراء حيث قرر (٨٦) ينتقل بجزء منهم لمهاجمة المدينة المنورة. ا رناط ا ن يبقى بعض جنوده فيها وا ن قضيتان هامتان : الا عراب وعيون صلاح الدين وقبل ا ن نواصل تتبع مغامرة ا رناط والنتاي ج التي ا نتهت ا ليها نجد لزاما ا ن نتوقف لمناقشة قضيتين هامتين برزتا خلال هذا الدور من المغامرة وكان لهما دور هما في تطور الا حداث وتصاعدها على هذه الوتيرة. النقطة الا ولى هي المساعدات المحليه التي تلقاها ا رناط من البدو والقراصنة المحليون والتي ا عانته على المضى في مغامرته وتحقيق النجاح في هذا الدور فيذكر المو رخون ا ن ا رناط قد ا ستفاد كثيرا من هذا الدعم المحلي ومن بعض الخيانات التي قدمها البدو منذ البداية فمثلا هناك ا جماع على ا ن الجمال التي حصل عليها ب ا رناط قام بنقل سفنه من الكرك ا لى خليج العقبه على ظهور (٨٧) "الكراء" من البدو القاطنين هناك ويصف (٨٨) ا حد المو رخين هو لاء با نهم كانوا ا صدقاء متنكرين ٢٣! فتنكرهم يدل على ا نهم كانوا من غير جنس الصليبيين ولايريدون ا ن يتعرف ا حد على

24 شخصياتهم! وهناك من يو كد ا ن هو لاء البدو قد لعبوا هذا الدور مقابل رشوة كبيرة قدمها (٨٩) ا رناط لهم. وبطبيعة الحال فالا مر قد لايبدو مستغربا كثيرا فا مثال هو لاء الخونه الذين يعينون الا عداء مقابل ا موال ورشى يتواجدون داي ما في كل الحروب وفي كل ا نحاء العالم وفي كل مراحل التاريخ سواء ا ولي ك الذين يو جرون جهودهم ا و يعطون ولاءهم وحفلت حقبة الحروب الصليبية بالكثير من هو لاء وا حيانا يكونون من الناس العاديين المغامرين ا و الخارجين عن القانون والراغبين في الكسب السريع وا حيانا يكونون زعامات معروفه معادية لهذا النظام ا و ذاك ولها مصالح مالية ا و سياسية لتقديم العون لهو لاء الا عداء. كما ا ن ا رناط حظى ببعض المساعدة من القراصنة المحليين فقد قام بعض هو لاء من القراصنه بالعمل ا دلاء له في البحر ودلوه على سفن المسلمين وكانوا في مقدمة سفنه بعد ا ن غادر جزيرة فرعون متوجها ا لى مدينة عيذاب فالصليبيون لم يكن لهم سابق معرفه بمواني البحر الا حمر (٩٠) وا نما هو لاء القراصنة هم الذين كانوا يسيرون هذه السفن وكانوا معهم على كادلاء مواني الحجاز لا ستكمال الغزوة. و صدري ويذكر المو رخ ا بو شامه ا ن هو لاء الخونه كانوا من الا عراب حكمه عليهم بترديده "من الا عراب من (٩١) هو ا شد كفرا ونفاقا ". وليس الا عراب فقط الذين لعبوا ا دوارا مثل هذه وكما قلنا فا ن حقبة الحروب الصليبية وجولاتها المتعددة شهدت الكثير من ا مثال هو لاء الذين ٢٤

25 عملوا مع الصليبيين مدفوعين با طماعهم ا و وراء مصالح يحققها لهم التعاون مع العدو. والنقطة الثانية التي تستحق الوقوف والمناقشة هي : ا ين كان صلاح الدين وا ين كان وكلاءه وحكامه على هذه الا قاليم التي شهدت بداية الغزوة ا و كانت ضحية لها! وا ين كانت عيونه وجواسيسه الذين يفترض ا ن ينشطوا في ا وقات الحروب وا وقات الا زمات! وبالذات ا مام ا رناط الذي كان يثير القلاقل ا مام المسلمين! وا ين كان ا سطوله الحربي سواء على الشاطي المصري ا و الحجازي! ولا شك ا ن هناك ثغرات عديدة ا ستفاد منها ا رناط في تحقيق عنصر المفاجا ة والمبادا ة.فصلاح الدين كان مشغولا في تلك الفترة بالصراعات المحتدمة في حلب والموصل ومنهمكا في هذا الصراع في محاولة منه لتوحيد الجبهة الا سلامية وهو ا نشغال ا حسن ا رناط ا ستغلاله ا حسن ا ستغلال حيث مضى في مشروعه بسرية وتكتم مختارا ا فضل الا وقات وحتى دون ا ن ي علم بقية القيادات الصليبية بهذا المشروع! كما ا ن تركيز صلاح الدين في الا سطول البحري كان منصبا على البحر المتوسط فلم يكن لديه ا ي قطع بحرية في البحر الا حمر ولم يسبق ا ن عرفت شواطي ه ا و مياهه ا ي تواجد للصليبيين. تبقى نقطة الجواسيس ا و العيون الذين كان يجب ا ن يبثهم صلاح الدين في مختلف المناطق الصليبية وبالذات المناطق المثيرة للقلق مثل المنطقة التي كان يسيطر عليها ا رناط في الشوبك وحصن الكرك! ٢٥

26 لقد عرفت الحروب مع الصليبيين شا نها شا ن كل الحروب العيون والجواسيس وكان صلاح الدين يستخدمهم في مراقبة نشاط الصليبيين وكانوا يدخلون ا لى القلاع والمعسكرات الصليبية متنكرين بزى باي عين ا و عابرين وكان العديد منهم من النصارى العرب بل والنصارى اللاتين بل ومن داخل بلاطات الا مراء والبارونات (٩٢) الصليبيين. ولكن يبدو ا نه في هذه الفترة لم يتم الا ستفادة منهم بشكل عملى ا ما لا نهم لم يتوفروا في هذه المنطقة ا و ا ن يكون ا رناط قد ا ستطاع شراء سكوتهم ا و ا ن يكون ا ستطاع ا ن يخفى ا مره وا حسن التكتم حتى ا نه لم يكن ممكنا كشف ا مر هذه (٩٣) المغامرة ا لا بعد فترة طويلة بقدرها المو رخون المسلمون با ربعة ا شهر بينما يقدرها ا حد المو رخين (٩٤) قرابة العام. الغربيين - في مبالغة واضحة - با نها ا ستغرقت الرد الا سلامي على مغامرة ا رناط عندما وصلت ا خبار مغامرة ا رناط ا لى صلاح الدين وقد ا صبح ا مرها مكشوفا بوصولها ا لى الساحل الحجازي وتهديدها المباشر للحجاج (٩٥) الذين كانوا في طريقهم ا لى مكة المكرمة لا داء فريضة الحج لذلك العام بادر صلاح الدين من مقر ا قامته في دمشق ا لى ا تخاذ الخطوات اللازمه للتصدى لهذه المغامرة الخطيرة ولم تثر ا خبار هذه المغامرة صلاح الدين وحده وا نما تجاوبت معها مختلف القوى الا سلامية حتى ا ن ا تابكة حلب والموصل الذين كانوا في صراع مع صلاح الدين وفي تحالفات مع (٩٦) الصليبيين ضده ا وقفوا هذه الصلات وا نحازوا ا لى موقف صلاح الدين. ٢٦

27 سارع صلاح الدين في الكتابة ا لى ا خيه العادل ٢٧ -ناي به في مصر - وهو كان الا قرب ا لى الا حداث والمتصرف في مركز دولة صلاح الدين لا تخاذ الا جراءات اللازمه للتصدى لا رناط وبادر العادل ا لى تكليف القاي د (٩٧) حسام الدين لو لو قاي د ا سطول صلاح الدين في مصر لا عداد الا سطول للتصدى لهذه المغامرة الصليبية ولا ن المعلومات كانت قليله عنها وعن المدى الذي وصلته والزمن الذى قطعته فكان لابد من تتبع تحركاتها منذ البداية وهنا يظهر ا نه لم يكن هناك ا سطول جاهز ا و في مستوى التصدى لهذه المغامرة في سواحل البحر الا حمر لذلك فقد قام قاي د الا سطول با عداده في خليج السويس به ا لى و وصلته ا مدادات من الا سكندرية والقاهرة ثم الا نتقال ا يلة (ايلات) وهي نفس المنطقة التي ا بتدا ت منها محاولة ا رناط وهناك تم ا ستعادة ا يلة من الصليبيين في سهولة تامه لا ن ا رناط لم يترك بها (٩٨) سوى بعض جنوده. ويذكر المو رخون هنا ا ن قوام هذا الا سطول والجيش الذى رافقه كان في ا غلبه من المقاتلين المغاربة ويقدمون تبريرات لذلك منها ا ن المغاربة ا كتسبوا مهارة في ركوب البحار من خلال عملهم في بحر الروم (البحر المتوسط) وكانت الدوله الفاطمية التي على ا نقاضها قامت الدولة الا يوبية (٩٩) تعتمد على هو لاء البحارة ا عتمادا كبيرا وا نه كان للمغاربة وضعهم المتميز في مختلف ا جهزة الدولة ومنها الا سطول البحري بشقيه العسكري والتجاري وهو ما ا ستمر في دولة صلاح الدين الا يوبي بل وفي بعض (١٠٠) الا حيان تم التوسع فيه. وكلها تبريرات تبدو معقوله ومقبوله ا لا ا ن الا هم من ذلك ا ن مغامرة ا رناط قد ا ستفزت جميع المسلمين ومنهم المغاربة وهذا لاينفى ا ن ا خرين

28 من جنود صلاح الدين قد شاركوا في حملته للتصدى لا رناط منهم من ا هل (١٠١) الشام ومصر والترك وغيرهم. في ا يلة تم توجيه ضربه قويه للصليبيين الذين كانوا يعسكرون في جزيرة فرعون فا حرقت مراكبهم وقتل وا سر عدد كبير منهم وا ستعيدت (١٠٢) المدينة وبدا القاي د حسام الدين لو لو يتتبع ا خبار الصليبيين فعلم ا نهم ساروا ا لى عيذاب فسارع ا ليها على عجل ا لا ا نه لم يعثر على ا حد منهم ولكنه عثر على ا ثار تخريبهم وتدميرهم للمدينة ونهبهم لسكانها وقاصديها (١٠٣) من حجاج بيت االله الحرام. ومن هناك عدل مساره متتبعا اثر الصليبيين ا لى الساحل الحجازي للحاق با سطولهم الذي كان قد ا ثار الرعب والنهب على الشاطي الحجازي والذي وصلت بعض سفنه ا لى مدينة رابغ وت رك القسم الا كبر منها في الحوراء وكان عدد من التجار والحجاج قد تعرضوا للا سر والنهب من الصليبيين. المقاتلين قرر (١٠٤) ا رناط ا ن يصاحبه عدد من فرسان الداوية وقرابة ٣٠٠ من الصليبيين وبرفقتهم بعض المرشدين من الا عراب التوجه الى (١٠٥) المدينة المنورة وترك بقية جيشه في الحوراء وراب غ. وفي ذلك الوقت وصل الا سطول الا سلامي ا لى ساحل الحوراء وقام بالا صطدام بالسفن الصليبية وا عمل فيها الحرق والقتل وفر عدد من الحراس الصليبيين ا لى الجبال والشعاب المجاورة فعمل المسلمون على مطاردتهم مستعينين (١٠٦) بالخيول التي حصلوا عليها من ا هل المنطقة وعلى مدى خمسة ا يام ا ستمرت المطاردة وحصدت عددا كبيرا من الا سرى والقتلى (١٠٧) الصليبيين. ٢٨

29 لقد ا ستفاد المقاتلون الا سلاميون ولاشك من ٢٩ التقسيم الذي تم في الجيش الصليبي ومغادرة قيادته وعدد من فرسانه له وتركه على الساحل والتوجه ا لى الداخل وا ستطاعوا مباغتة هذا الجزء بعد ا ن كانوا مطمي نين الى عدم وجود تحرك ا سلامي يتصدى لهم وشعورهم بالزهو من الا نتصارات التي ا ستطاعوا تحقيقها في المحطات السابقة. ا ن مغادرة ا رناط ومعه عدد من مقاتليه وفرسانه قد ا فقد الجيش الصليبي لقيادة قوية تستطيع تدبر الا مور كما ا ن ا نشغال هذا الجيش بتتبع التجار والسكان المسلمين ونهبهم قد حقق مع المباغثه التي قام بها ا سطول حسام الدين لو لو ا نتصارا سريعا وحاسما ا فقد الصليبيين ا طمي نانهم السابق وا دى ا لى حرق سفنهم التي كانت راسيه على الشاطي وا سر وقتل الكثير منهم. وبادر حسام الدين لو لو - قاي د الا سطول الا سلامي - بعد ا ن علم ا ن ا رناط قد ا صطحب مجموعه من مقاتليه قاصدين المدينة المنورة لتنفيذ هدفهم الخبيث بادر الى ملاحقتهم ومهاجمتهم في الصحراء وعلم ا رناط وهو يغذ السير ا لى المدينة المنورة بما حل ببقية جيشه وملاحقته من قبل المسلمين مما ا ربك مجموعته وجعله يتخبط في ا تخاذ قراره ولجا رجاله الى الشعاب والجبال يختبي ون بها وتمكن حسام الدين لو لو من ا دراكهم وا خذ في مطاردتهم في تلك المرتفعات والجبال وقد ا ستغرقت عملية المطاردة وقتا طويلا مما ا تاح الفرصة لا رناط - بما عرف عنه من دهاء ومكر (١٠٨) - من الا فلات منها والفرار ا لى الشمال ووقع عدد كبير من قواته بين ا سير وقتيل وقدر عدد الا سرى ب (١٧٠) (١٠٩) ا سيرا. ويبدو ا ن ا رناط منذ البداية ا تخذ قراره بالفرار وترك مجموعته تقع في ايدي المسلمين فلم يبادر باللجوء الى الجبال والمرتفعات - كما فعلت

30 مجموعته - ولكنه فر ا لى الشمال دون ا ن يعلم به ا حد وهو مالم يدركه حسام الدين لو لو والذي ا عتقد ا نه كان محتميا في الجبال وامضى وقتا طويلا في البحث عنه فيما كان هو يغذ السير ا لى تبوك ومعه مجموعة قليله من رجاله حيث وصلها منهكا طريدا وا لتقى هناك مجموعته التي كانت تعسكر بجوار تبوك وا صطحبها عاي دا ا لى الكرك يجر ا ذيال الفشل الذريع والخسران المبين ولكنه ا ستطاع النجاة بنفسه مما ا ضاع الفرصة للا مساك (١١٠) به وا سره والا نتقام منه لفعلته الشنيعه. تبرز هنا نقطة ا خرى ا ثارت جدلا لدى المو رخين فكثير منهم ومنهم المقريزي وا بن واصل - ذكروا ا ن - ا رناط وصل ا لى مسيرة يوم واحد من المدينة المنورة! وهذا كلام يبدو مبالغا فيه وليس من هدف له سوى التهويل من تحركات ا رناط فالمو رخ ا بو شامه يذكر ا نه بمجرد وصول المسلمين ا لى الحوراء ورا هم الصليبيون فا نهم فروا جميعا ا لى الجبال والشعاب المجاورة خوفا من القتل ا و الوقوع في الا سر ولا يتصور ا ن الفرنج وهم في هذه الحالة من الخوف والرعب يمكنهم ا ن يواصلوا سيرهم ا لى المدينة المنورة لينفذوا ماقدموا من ا جله! وحتى ا ن فكروا في ذلك فا ن الادلاء من البدو الذين كانوا يرافقونهم خافوا من بطش حسام الدين لو لو فتركوا الفرنج وحدهم وعادوا مدبرين ثم وجد الفرنج ا نفسهم فرادى في منطقة جبلية وعرة لايعرفون لهم طريقا ا و سبيلا وبالرغم من ذلك فا ن المسلمين لم ينتهوا منهم ويكملوا تطويقهم ا لا بعد خمسة ا يام! والحوراء كما نعلم كانت بعيدة عن امامهم سوى مسيرة يوم واحد! المدينة المنورة فكيف يكون ليس ٣٠

31 على الجانب الا خر ذكر بعض المو رخين ا ن ا لى ميناء ينبع ولو ا فترضنا ذلك فا ن ينبع تبعد الصليبيين وصلوا عن المدينة المنورة بسفنهم ٢٥٠ كيلومترا ا لى الغرب وهذا البعد هو الذي يحسم الموقف ويذكر ياقوت (١١١) الحموى ا ن ميناء ينبع يبعد عن المدينة المنورة مسافة سبع مراحل وهذه السبع مراحل تقدر بمسيرة سبعة ايام وليست يوما واحدا على ا عتبار ا ن مسيرة اليوم الواحد تقدر ب - ٣٠ ٤٠ كيلومترا كما قدرها الا قدمون وكما قلنا فا ن هناك مبالغة في تقدير ا قترابهم من المدينة وليس من مبرر لها سوى تشنيعهم وا ستهوالهم لهذه المغامرة الصليبية التي كادت تنجح ولم يفصلها سوى مسيرة يوم واحد كما يزعمون!! في حملة مصير الا سرى والفارين من حملة ا رناط سبق ا ن ا وردنا ا ن المو رخين ذكروا ا ن عدد المقاتلين الذين شاركوا ا رناط تجاوزو ا ١٥٠٠ مقاتل ولم يستطع ا رناط الفرار ا لا بعدد قليل من رجاله الذين رافقوه ا لى تبوك ولذلك فا نه لاشك ا ن عدد القتلى كان كبيرا وكذلك عدد الا سرى ولقد ا ختلف مصير هو لاء الا سرى ويذكر المو رخون كذلك ا ن حسام الدين لو لو ا رسل ا ثنين من هو لاء الا سرى مكبلين (١١٢) بالا غلال لينحروا في منى ا مام الحجاج المسلمين وليكون ذلك عبرة لغيرهم من موسم الحج. الصليبيين وا علانا عن ا نتصار المسلمين على الصليبيين في وا صطحب حسام الدين لو لو بقية الا سرى في طريق عودته ا لى مصر والذي فضل ا ن يكون في نفس الطريق الذي جاء عبره الصليبيون فقد ٣١

32 ا نتقل ا لى عيذاب ومنها ا لى قوص وصولا ا لى القاهرة وهناك تم ا ستقباله ا ستقبالا يليق بهذا الا نتصار الكبير وبناء على ا وامر صلاح الدين تم توزيع الا سرى على شتى ا قاليم مصر ليلقوا نفس مصير الا سيرين السابقين وكان ا مره "ضرب رقابهم وقطع ا سبابهم بحيث لايبقى منهم عين تطرف ولا ا حد (١١٣) يخبر طريق ذلك البحر ا و يعرف". ويروى ا بن جبير في الا سكندرية في محرم سنة -وكان شاهد عيان لهذه الا حداث ٥٧٨ ه مايو ١١٨٣ م ٣٢ - في رحلته مار ا ه "حيث ا حتشد الناس في جمع عظيم لرو ية ا سرى الروم (يقصد الصليبيين) الذين ا دخلوا الى البلد راكبين على الجمال ووجوههم ا لى ا ذنابها وحولهم الطبول والا بواق حيث (١١٤) قطعت رقابهم ا نتقاما منهم لما اقدموا عليه". فهذا كان مصير الا سرى الذين ا ستطاع حسام الدين لو لو ان يلقى القبض عليهم وا ن يسوقهم ا مامه مكبلين ولكن ماهو مصير ا ولي ك الذين نتوقع ا نهم ا ستطاعوا الا ختباء في الجبال والمرتفعات والشعاب ا و قبض عليهم البدو والا عراب وا حتفظوا بهم ا و كانوا بعيدين عن قوات حسام الدين لو لو ولم يكونوا في مجال مطاردته ا و ا ستطاعوا النجاة من تلك المطاردة! ذلك ماتسكت عنه المصادر التاريخيه!! ولكن هناك رحالة ودراسات ا نثربولوجيه تعطي مو شرات قد تدل على مصير ا ولي ك الفارين ولا تخلوا من قيمة فهم يذكرون ا ن هناك جماعات بشريه قد تواجدت وتعايشت مع سكان شمال وشمال غرب الجزيرة العربية تقترب كثيرا في مواصفاتها الجسمانية وسحنتها الشكليه ا لى تلك المواصفات الا وروبيه ا و الا فرنجيه ويطلق عليهم السكان المحليون في بعض المناطق تسمية شعبيه تميزهم عن في ات السكان الا خرى وترتبط بهم وت عرف بهم هي ال "صلبه"

33 ومفردها "صلبى" والكلمة كما يبدو من تركيبها مشتقه من كلمة "الصليبيون" وتا تي على طريقة البدو في عند النسبة. ويذكر الرحاله محمد ا سد في كتابه الشهير نطق العديد من الكلمات والمسميات (١١٥) "الطريق ا لى مكة" انه في ا حدى جولاته في الجزيرة العربية تفاجا باحد هو لاء في الصحراء وعندما (١١٦) سا له من يكون قال ا نه صلبى ثم يقدم تعريفا لهو لاء الصلبه وا صلهم والا قوال التي تتردد عن موطنهم الا صلى ويربطهم بالحروب الصليبية وعلاقاتهم با هل المنطقة والا عمال التي كانوا يجيدونها ويعتمد عليهم السكان (١١٧) فيها ويذكر جانبا مهما عن سحناتهم ومواصفاتهم الجسمانيه ولون ا عينهم وبشرتهم وكيف انها ا قرب ماتكون ا لى الفرنج منها ا لى ا بناء (١١٨) المنطقة وشعوبها. ومن حديثه مع هذا الرجل صلبى - الذي عرف نفسه با نه - يذكر ا ن ا سلافه وا جداده جاو وا من الشمال ولكنه لايعرف في اي زمن ا و تاريخ!! فهل هذه الجماعات ا ي ال والملتجو ن ا لى الجبال والوهاد "صلبه" هم من بقايا الا سرى والفارون والمرتفعات والذين لم يتمكن قاي د صلاح الدين من العثور عليهم والا مساك بهم! ا و من ا خفاهم الا عراب لديهم هم من بقايا هذه المغامرة التي قام بها ا رناط! قد يكون الا مر كذلك!! وقد يكون هو لاء ال "صلبه" ليسوا من مخلفات هذه الغزوة فقط وا نما قد يكونوا جاءوا من مجموع الصليبيين الذين وقعوا في الا سر في العديد من الجولات والمعارك التي دارت بين الصليبيين والمسلمين في عدة انحاء خلال فترات الصراع الطويلة ومن ثم تم نقلهم ٣٣

34 ا لى ا ماكن ا خرى قد تكون بعيدة عن مناطق تواجدهم الا ولى في بلاد الشام وفلسطين - ومنهم هو لاء الذين رافقوا ا رناط - خاصة وا ن محمد ا سد يذكر ا ن مو رخى العرب القدماء يقولون ا نهم متحدرون من الصليبيين الذين وقعوا اسرى صلاح الدين وج ي (١١٩) بعد. بهم ا لى الجزيرة العربية حيث ا عتنقوا الا سلام فيما ا و قد يكونوا من ا ولي ك الذين تخلفوا بعد جلاء الصليبيين من المنطقة وا نتهاء تواجدهم وسيطرتهم عليها وخلال سنوات عديدة عاشوا بين القباي ل العربية وذابوا فيها وبالذات تلك التي كانت تمارس الترحال والتنقل بين مختلف ا نحاء الجزيرة وبلاد الشام مثل الرولة والعقيلات وا صبحوا جزءا من هذه القباي ل ا و تابعين لها ومحسوبين عليها بحكم وا رتباطهم بالخدمة والعمل لديها! الدين لو لو والذي يدفع ا لتحاقهم بها الى هذا الا عتقاد ا ن عدد الا سرى الذين عاد بهم حسام ا لى مصر مقارنة بعدد الذين شاركوا في المغامرة منذ خروجها من الكرك يبدو كبيرا فعدد الذين شاركوا منذ البداية كانوا يزيدون على ١٥٠٠ مقاتل بينما الا سرى الذين عاد بهم لم يتجاوزوا - ١٧٠ كما يقول المو رخون المعاصرون - فا ين ذهب الباقون! ا ن الا ستعانة بمزيد من الدراسات الانثروبولوجية والسكانية ومشاهدات الرحالة قد تلقى شيي ا من الا ضواء عن هذا الا مر وتكشف مزيدا من المعلومات عن مصير الذين شاركوا في مغامرة ا رناط في البحر الا حمر والساحل الحجازي ومصير الصليبيين الذين ذابو في السكان المحليين في شمال الجزيرة العربية ا و بلاد الشام وفلسطين. ٣٤

35 نتاي ج مغامرة ا رناط على المسلمين والصليبيين لقد كان لمغامرة ا رناط في ا رتياد البحر الا حمر ومهاجمته مدن الساحل المصري والحجازي ومن ثم التهديد بغزو المدينة المنورة ومكة المكرمة ا ي قلب العالم الا سلامي والا ستيلاء على جثمان الرسول صلى االله عليه وسلم ومن ثم فشله ا ثارا ونتاي ج خطيرة على الصراع بين المسلمين والصليبيين وعلى ا يقاع هذا الصراع وعلى موقف القوتين المتصارعتين. فعلى الجانب الصليبي لو نجح هذا المشروع - لاقدر ا الله - فا نه كان سيقلب موازين القوة في المنطقة وسيفقد المسلمين ا عز مايملكون وسيضيف للصليبيين ا نتصارا كبيرا ومدويا ربما كان غير من واقعهم ووجودهم في المنطقة ولكن فشله الكبير والذريع ا دى ا لى نكسة كبيرة للصليبيين كما ا دى ا لى تصدع صفوفهم وعجل كما ا ن هذا الفشل كشف (١٢٠) بنهايتهم. ا رناط ا مام الصليبيين ومقدار طيشه ومغامرته وعدم محافظته على مصالح الصليبيين ولا مراعاته لا وضاعهم السياسية والعسكرية ساعة قيامه بهذه المغامرة. وكذلك توريطهم في عدم المحافظة على معاهدات السلام التي كانت معقودة في هذه الفترة بين الطرفين والتي كان المستفيد الا كبر منها (١٢١) الصليبيون الذين كانت ا وضاعهم السياسية في ا سوا حالاتها ومراحلها. كما ا ن هذه النتيجه التي ا نتهت بها المغامرة ا وضحت مقدار الضعف الذي كانت تمر به ممكلة بيت المقدس وكان ا كثر العارفين بهذا الضعف ا رناط نفسه الذي تمرد على ا وامر ملكها الذي كرر مطالبته لا رناط بالتعقل وعدم ٣٥

36 ا ستفزاز المسلمين ولكنه لم يستجب لذلك وكان عصيانه وبالا عليه وعلى (١٢٢) الصليبيين. اما على الجانب الا سلامي فقد كان لهذه النهاية لمغامرة ا رناط ا ثار كبيرة فهي قد وحدت بين صفوف المسلمين وا لهبت حماستهم وعجلت بتحقيق وحدتهم وجعلت المناوي ين لصلاح الدين يخجلون من تصرفاتهم (١٢٣) بالتحالف مع الفرنج وا شعرتهم بالخجل فقام صاحبا الموصل وحلب بالتفاهم مع صلاح الدين وقطعوا ا تصالاتهم بالفرنج. كما ا ن هذه النهاية ساهمت في ا زدياد مكانة صلاح الدين لدى المسلمين وا لتفافهم حوله وذاعت شهرته في جميع ا نحاء العالم الا سلامي وا صبح الزعيم الا كبر المعقودة عليه الا مال في ا ستعادة الا رض العربية وتحقيق الا مال الا سلامية. كما ا نها حسنت موقف المسلمين العسكري ورفعت معنوياتهم الحربية وا ظهرت حقيقة الصليبيين وحقيقة ا طماعهم فا زدادت الكراهية لهم وكان عاملا مهما في ا حجام ا ي قوة ا سلامية عن التعاون (١٢٤) معهم. كما ا ن هذا الفشل الذي ا نتهت ا ليه مغامرة ا رناط تحول ا لى بطولة للا سطول المصري كما انه نبه صلاح الدين ا لى ضرورة تركيز الهجمات على حصن الكرك وعلى ضرورة بقاء ا يلة وجزيرة فرعون في ا يدي المسلمين لما في ذلك من خطورة ا ذا عادت ا لى المكاسب المادية ا ن شجعهم هذا الا نتصار على مهاجمة السفن (١٢٥) الصليبيين. ومن الصليبية في البحر المتوسط والظفر بمراكب تحمل ا خشابا منجورة ومعها نجارون لا عدادها وبناي ها فا سر النجارون وكانوا يزيدون على سبعين كما ا نتفع ٣٦

37 (١٢٦) المسلمون بالا خشاب في تقوية ا سطولهم. على ا ن الا هم من كل ذلك ا ن فشل هذه المغامرة قد ا وقف التطلعات الصليبية الى موانى البحر الا حمر فلم تتكرر محاولاتهم في الا قتراب من شواطي ه ا و الا بحار بين مواني ه ونهب وسلب مرتاديه من تجار وحجاج. ولكن ماهي العوامل التي ساعدت على وصول المغامرة ا لى هذه النهاية الفاشلة! في الواقع ا ن مشروعا خطيرا مثل هذا المشروع الذي ا قدم عليه ا رناط بضخامته وخطورة ا هدافه كان محكوما عليه بالفشل منذ البداية وذلك بالنظر ا لى الا وضاع السيي ه التي كانت تعيشها ممكلة بيت المقدس والصراعات التي ا لمت بها وببقية الا مارات الصليبية طوال الربع الا خير من القرن الثاني عشر الميلادي - السادس الهجري. فقد ساءت ا حوالها الداخلية وخاصة في الفترة التي بدا ت بوصاية ريموند الثالث - ا مير طرابلس - على عرش بلدوين الرابع ملك بيت المقدس المريض وما صاحب تلك الوصاية من صراعات بين البارونات والا مراء (١٢٧) وما ا دى ا ليه من زيادة في الضعف والشقاق. وبالتالي فلم يكن هناك قوة يعتمد عليها ا رناط ا و ا جماعا يحمي ظهره ويدعم مغامرته. فا رناط ا ختار توقيتا سيي ا لمغامرته ولم يحالفه التوفيق في ا ختيار الوقت المناسب لتنفيذ هذا المشروع الخطير فربما كان من الممكن التفكير في ذلك المشروع وتوقع النجاح لو ا ن ذلك تم في عهد ملوك بيت المقدس الا قوياء ا مثال الملك بلدوين الثالث ا و الملك فولك عندما كان زمام القوة والتفوق الحربي في بلاد الشام وفلسطين في ي د الصليبيين وهو الوقت الذي شهد فيه العالم الا سلامي ضعفا شديدا ولم تكن الوحدة الا سلامية التي هدف ٣٧

38 (١٢٨) ا ليها صلاح الدين قد ا كتملت بعد. ففي السنة التي شرع فيها ا رناط بتنفيذ مغامرته على بلاد الحجاز ( ٥٧٨ ه/ ١١٨٢ م) ا صبحت كفة المسلمين هي الا رجح وجبهتهم التي (١٢٩) شملت الشام ومصر هي الا قوى وفي هذه الفترة بالذات نشطت همة صلاح الدين لتحقيق الوحدة الا سلامية التي يستطيع بها ضرب الوجود الصليبي فبذل جهودا مكثفه ومتواصله للوصول ا لى هذا الغرض وخاض عددا من الحروب والمواجهات والاتفاقيات التي مكنته من تحقيق هذه الوحدة في الوقت الذي شهدت جبهة الصليبيين تفككا كان له ا ثره الكبير في زيادة الا ضطرابات في معسكرهم. لذلك فا ن محاولة ا رناط الذي لم يلق ا هتماما للا وضاع العسكرية كانت ا قرب ا لى الطيش والا رتجالية والمغامرة منها ا لى الواقع وهذا مايو كد عليه الصليبيون ا نفسهم ومو رخوهم قبل المو رخين المسلمين. ا تبعهما غير ا ن الجدير بالذكر ا ن عنصرى المفاجا ة والسرية التامة اللتين ا رناط في بداية المغامرة وفي الجزء الا كبر منها قد شكلا ا رباكا خطيرا ليس في الا ماكن التي حلت بها قواته فقط وا نما في ارجاء العالم الا سلامي وشكلت تهديدا خطيرا ورغم ا ن رد الفعل الا سلامي كان في بداية الا مر متا خرا وربما ضعيفا ا لا ا نه مالبث ا ن تم تدارك ذلك بالتحرك القوي والفعال بعد ا ن ا وشك فقد ا قترب كثيرا من المكان الذي كان يسعى ا ليه ا رناط ا ن يحقق جانبا كبيرا من مشروعه لتنفيذ جريمته لولا ا ن ا عيته مشاق الطريق وصعوبته وقسوة المناخ في المناطق التي مر بها كذلك قلة الجنود الذين ا ستخدمهم لتنفيذ مشروعة وتناقص هذا العدد كلما تقدم ثم ا جتهاد الجيش الا سلامي في تعقبه ورجاله على الساحل والداخل ٣٨

39 الحجازي ليتحصر همه في نهاية الا مر في البحث عن طريقة للنجاة بحياته وليس لا نقاذ مغامرته. مصير ا رناط لقد ا ستطاع ا رناط بالدهاء والمكر الذي عرف بهما وهو الا مر الذي جعل ا بن الا ثير يطلق عليه با نه شيطان من شياطين الفرنج ومردتهم ٣٩ (١٣٠) وا خبثهم ا ن ينجو من مطاردة حسام الدين لو لو ولشدة ا ذاه للمسلمين وجرا ته عليهم وعلى مقدساتهم فا ن صلاح الدين قد ا قسم على ا ن يقتله (١٣١) بنفسه ا ذا وقع في يده. والواقع ا ن ا رناط بما (١٣٢) للا تفاقيات وهي من الصفات التي ا شتهر بها عرف عنه من مكر وخداع وطمع وخرق لم يرتدع لهزيمته وا خذت تحدثه نفسه مرارا بمهاجمة القوافل التجارية وقوافل الحجاج رغم توقيع هدنة وا تفاقية بين (١٣٣) الصليبيين وصلاح الدين. ففي ا واخر سنة ٥٨٠ ه/ ١١٨٦ م ا نقض فجا ة على قافلة ا سلامية متجهة من القاهرة ا لى دمشق ويبدو ان تلك القافلة بما حملته من نفاي س وثروات ا سالت لعاب "الفارس اللص" (١٣٥) بمهاجمتها وا سر رجالها ونهب ا موالها. (١٣٤) فلم يبال بالعهود والمواثيق.وقام وا رسل صلاح الدين ا لى ا رناط مقبحا لا عماله ومذكرا له بالعهود والا تفاقيات وهدده ولكن ا رناط رفض ا طلاق سراح الا سرى وبلغ من جرا ته ا ن ا جاب رسل صلاح الدين في صورة ا ستفزازية بقوله لمحمد : قولوا (١٣٦) يخلصكم وحاول صلاح الدين كما هي عادته بالتذرع بالحلم ا ن

40 يلجا ا لى ملك بيت المقدس الضعيف جاى لوز جنان ولكن ا رناط كرر اعراضه وا صر على عدم تنفيذ الا وامر التي ا صدرها ا ليه ملك بيت المقدس لا عادة ماا ستولى عليه من ويبدو ا ن ا رناط ا ختار (١٣٧) القافلة الا سلامية. - مرة ا خرى الدين وا ستفزازه فقد كان الا نشقاق قاي ما بين - الوقت السيء لا ستثارة صلاح الصليبيين وكان هناك ا عتراض على تولى لوز جنان عرش بيت المقدس من ا مير طرابلس وا مير ا نطاكية بل ا ن هذين الا ميرين ا نشقا على (١٣٨) وجددوا المعاهدات معه. الصليبيين وا تصلوا بصلاح الدين وسرعان ماتسارعت الا حداث ففي الوقت الذي عصفت الخلافات بالصليبيين ا ستكمل صلاح الدين ا ستعداداته وتجهيزاته وبدا في عام ٥٨٣ ه/ ١١٨٧ م هجماته على الصليبيين وكانت ا ولى الا نتصارات في (١٣٩) صفوريه ثم تلاها الا نتصار الكبير والحاسم في حطين بجوار بحيرة (١٤٠) طبريه. في حطين حلت الهزيمة بالصليبيين وتساقط جيشهم بين قتيل و ا سير وكان من بين الا سرى الملك جاى لوز جنان ملك بيت المقدس وا رناط وجيراردى مقدم الداوية وغيرهم من ا كابر وفي خيمة صلاح الدين كتبت الصفحة الا خيرة في حياة (١٤١) الصليبيين. ا رناط المغامر الصليبي الجريء الذي لم يسلم من ا ذاه وتهوره كلا المعسكرين حيث يذكر المو رخون ا ن صلاح الدين ا ستعرض الا سرى وا جلس ا لى جانبه (١٤٢) الملك لوز جنان وقد ا هلكه العطش وقدم له ا ناءا به ماء مثلوج فشرب منه وا عطى ماتبقى لا رناط فشرب وعندي ذ غضب صلاح الدين ٤٠

41 وقال: ا ن هذا الملعون لم يشرب الماء با ذني ا رناط وذكره (١٤٣) بسيفه وا طاح برا سه فيناله ا مانى ثم ا لتفت ا لى بجراي مه وخياناته وقرعه بذنوبه وعدد عليه غدراته ثم ا مسك ولم يسلم ا يضا ا سرى الداوية والا سبثاريه من غضبة صلاح الدين حيث ا مر لكل من يحضر واحدا منهم (١٤٤) بضرب ا عناقهم مما يدل على ا ستياي ه البالغ منهم وحنقه عليهم. بمكافا ة ثم ا مر وهكذا بر صلاح الدين بقسمه الذي ا قسمه بحق ا رناط وهو ا ن يقتله بيده جزاء جراي مه بالمسلمين ومغامراته ضد مقدساتهم وبمقتل ا رناط ا نفتح الطريق ا لى بيت المقدس التى بقيت زهاء قرن في ا سر وا لى حصن (١٤٥) الصليبيين الشوبك والكرك وبقى البحر الا حمر بحيرة عربية بعيدة عن طموحات وتطلعات الصليبيين ومغامراتهم طوال فترة الحروب الصليبية. ٤١

42 الهوامش ١- وصلت الحملة الصليبية الا ولى ا لى المنطقة في ا عقاب مو تمر كليرمونت الذي دعا ا ليه البابا ا وربان الثاني في مدينة كليرمونت الفرنسيه سنة ١٠٩٥ م/ ٤٨٩ ه وقد جاءت مدفوعه بعدة ا هداف وا غراض لمزيد من التفاصيل عن الحملة الصليبية الا ولى وا هدافها وا غراضها وا حداثها والعلاقات التي سادت بين ا مراي هاوالمشاركين فيها ا نظر : د.عمر يحي محمد الحملة الصليبية الا ولى : بيزنطيا وغربيا وا سلاميا مكتبة دار جدة جدة ١٤٢٦ ه. ٢- كان الصراع بين الدولتين العباسية والفاطمية احد العوامل الري يسية لنجاح الصليبيين في حملتهم والا دهى ا ن الفاطميين لم يفطنوا في البداية ا لى ا هداف الصليبيين بل وحاولوا التحالف معهم لمزيد من التفاصيل عن هذه المرحلة ا نظر ابن الا ثير الكامل في التاريخ طبعة دار الفكر بيروت ١٣٩٨ ه ١٩٧٨ م ج ٨ ص ١٨٩ وكذلك ستيفن رانسيمان الحملات الصليبية ترجمة نور الدين خليل الطبعة الثانية مكتبة الشروق القاهرة ١٩٩٤ م ج ١ ص ٤١٤.وكذلك : فهمى توفيق مقبل الفاطميون والصليبيون الدار الجامعية بيروت ١٩٧٩ م. ٣- السلاجقه ويسمون هنا بسلاجقة الروم هم القوى الا ولى التي ا صطدم بها الصليبيون ودخلو معهم في جولات صراع عديدة قبل ا ن تنهار قوتهم ويفتح الطريق ا مام الصليبيين للوصول ا لى بيت المقدس لمزيد من التفاصيل عن السلاجقة ا نظر : عبدالمنعم محمد حسنين دولة السلاجقة مكتبة الا نجلو المصرية القاهرة ١٩٧٥ م وكذلك عمر يحي الحملة الصليبية مرجع سابق الفصل الخاص بالصراع بين البيزنطيين والسلاجقة. ٤- سقطت الرها بيد الصليبيين سنة ٤٩٢ ه/ ١٠٩٨ م وحكمها من ا مراء الحملة الصليبية الا ولى بلدوين وسقطت بعدها انطاكية خيانة وحكمها بوهيموند وسقطت طرابلس سنة ٥٠٣ ه/ ١١٠٤ م وحكمها ريموند الصنجيلى وكونوا بها ا مارات صليبيه ا ما بيت ٤٢