إشادات بالكتاب من القراء

Transcription

1

2 إشادات بالكتاب من القراء ا ستفدت كثيرا من هذا الكتاب. شكرا على جهودكم لنرش الوعي والتعل م وزرع املحبة بني النفوس. أ عيد شكري الحار. أحمد شكرا كثيرا. نحن نحتاج ذلك بشدة يف هذا الزمن الذي أصبح كله خطايا. فيصل أنا بحاجة لهذا النوع من األفكار لعالج الضغوطات الحياتية ومساعدة أفكارنا على اإلبداع.... وتطبيقها وتحسلني سلوكنا ومعامالتنا وإبداعنا. حنان مرحبا!.... طبعا أنا أريد أن أشكركم جزيل الشكر على هذا املوضوع الجميل الرائع. وأنا أريد أن أتخل ص من أفكاري الوسخة وأريد أن يتم خاليص وأكر س نفيس للمسيح. برصاحة أنا أريد أن أكون راهبا وأخدم يسوع املسيح من كل قلبي. وشكرا جزيلال. Jack Clemerson كتاب فكرته رائعة و مفيدة لكل إنسان. وأنا كنت بادور عليه من غر ما أعرفه. عمر

3 أنا حبيت فكرة الكتاب جدا والله رائع. مشكور عى هذا العمل. يا ليت كل املواضيع هكذا. سارة محمد I think a book like this is important for the people of today, cause all of us facing lot ungood things every moment. Hadi Gadim أنا من السودان وحقيقة ال أجد تعبيرا مناسب أكتبه تعجز حرويف عن التعبير لكم ألف شكر ووفقكم الله وسدد خطاكم. فائز عوض إنه كتاب يحمل املواضيع التي يجب نرشها يف هذا الزمن ألن الرصاع مع النفس من أكرب الجهاد. وكل املواضيع مشرة إىل خطى سليمة. بارك الله فيكم. كنتم رائعني بامتياز والفضيلة لكم من الله تعاىل. هبة اهلل الدكتور عبد اهلل البياتي

4 التحر ر من األفكار األثيمة FREEDOM FROM SINFUL THOUGHTS بقلم المرشد االجتماعي هاينريش آرنولد Heinrich Arnold المقدمة بقلم جون مايكل تالبوت John Michael Talbot دار المحراث للنشر PLOUGH PUBLISHING HOUSE

5 يرجى مشاركة هذا الكتاب مع أصدقائكم. وال تترددوا في إرساله في البريد اإللكتروني أو طبع الكتاب كليا أو جزئيا لكن الرجاء عدم إجراء أي تغيير بأية طريقة كانت. وإذا رغبتم في عمل نسخ متعددة منه لتوزيعه على نطاق واسع أو إلعادة استنساخ أجزاء منه كرسائل إخبارية أو دورية فيرجى مراعاة القيود التالية : ال يجوز إعادة نشره لمكاسب مادية. يجب إدراج عبارة االئتمان التالية:»حقوق الطبع والنشر لدار المحراث للنشر - Plough Publishing House سنة 2007 م. تم استخدامه بعد اإلذن.» هذا الكتاب»التحر ر من األفكار األثيمة«عن نسخته اإلنكليزية ThoughtsFreedom from Sinful هو من منشورات دار المحراث للنشر Plough Publishing House في عناوينها التالية: Robertsbridge, England Walden, New York Elsmore, Australia صورة الغالف: Jim Smithson/Corbis طبعة جديدة لسنة 2017 م الترقيم الدولي للكتاب )ردمك(: ISBN: جميع الحقوق محفوظة Copyright 2007 by Plough Publishing House Walden, NY, USA

6 إن ع ط ش أح د م ن ك م ف ل ي أ ت إل و ي ش ب. و م ن آم ن ب س ت ف ي ض م ن أعامق ه أن هار ماء ح ي. يسوع النارصي

7 محتويات الكتاب كلمة إلى القارئ بقلم يوهان كريستوف آرنولد 9 المقدمة بقلم جون مايكل تالبوت 13 التحر ر من األفكار األثيمة بقلم هاينريش آرنولد الروحي 19 1 الصراع 2 التجربة 25 دة 31 3 الخطيئة الم تعم البشرية 37 4 اإلرادة 42 5 قوة اإليحاء الخارجي 47 6 قوة اإليحاء الذاتي 54 7 الوقوع أسير األفكار األفكار 59 8 قمع بالمسيح 64 9 اإليمان

8 هلل 70 1 االستسالم 10 بالخطايا 76 1 االعتراف 11 1 الصالة االنفصال 13 وتصفية الذهن 97 1 التوبة 14 والوالدة الثانية 1 الشفاء الروحية التنقية 16 1 الصليب تكريس 18 الحياة لملكوت اهلل 134 من سيرة الكاتب 143 نبذة عن جماعة برودرهوف

9 كلمة إلى القارئ بقلم يوهان كريستوف آرنولد من مرور أربعة وعرشين عاما عى نرش على الرغم أول كتاب لوالدي»التحر ر من األفكار األثيمة«إال إين ما زلت أتذكر تلك املناسبة بصورة جيدة وكأنها حدثت باألمس. فقد عمل والدي يف إعداد الكتاب ألشهر عديدة وبالرغم من أن الكتاب صغير إال أن الكثير من املحبة والجهد والتفكير انصب عليه. وكنت يف ذلك الوقت قد عملت معه يف خدمة رعية الكنيسة ملدة سنتني لكن وط د مرشوع إنجاز هذا الكتاب عالقتنا بأسلوب رائع. كان يبدو دامئا أن هناك شيئا يشغل اهتامم والدي بشكل متميز أال وهو: مهمة الخدمة الرعوية لتقديم املشورة والتقوية الروحية وتشجيع أفراد مجتمع الكنيسة من الذين كانوا يخوضون رصاعات روحية أو مير ون بأوقات عصيبة. لذلك رأى والدي أن كتاب 9

10 التحر ر من األفكار األثيمة 10»التحر ر من األفكار األثيمة«هو رضورة البد منها ألنه كان قد شهد كيف تأخذ الرصاعات الروحية الكثر من الناس إىل إحباط أو يأس ال نهاية لهام فأراد أن يقاسم اآلخرين قناعته بأنه يوجد مخرج من هذا املأزق. وقد القى هذا الكتاب صدى عجيبا من قبل القراء حتى من قبل طبعه فقد كانت له الكثر من الخطب حول موضوع الرصاع يف سبيل الحصول عى قلب طاهر نقي ومل يكن له آنذاك سوى نسخة غير مطبوعة من مسودة الكتاب. غير أن ردود القراء كانت شيئا غير متوقع فصارت الرسائل تتدفق من كل حدب وصوب ورسعان ما تبني أن هذا املوضوع رمبا ال يكون موضوعا مستحب ا يتناوله الناس أثناء حديثهم إال أنه كان بالتأكيد واحدا من الهموم الواسعة االنتشار لديهم والذي يشغل بالهم كثيرا وموجود ليس يف صفوف املؤمنلني الجدد أو املؤمنلني الشباب فحسب بل أيضا لدى املسيحيني الناضجلني امللتزمني. وفور نلرش الكتاب فإذا بالرسائل تنهال علينا. فأخذ الكثير من الناس الذين ال نعرفهم والكثير من نزالء السجون يكتبون الرسائل ويخلربون والدي بأن هذا الكتاب أحدث نقطة تحول يف حياتهم وشج عهم على املضي قدما يف الحياة وأعطاهم أملال جديدا. وقد أك د أكرث

11 التحر ر من األفكار األثيمة 11 من شخص عى أن قراءة هذا الكتاب أنقذهم من اقرتاف االنتحار. وملا تم نلرش الكتاب مل يحدث ضجة إعالمية أو ما شابه ذلك لكن من ناحية أخرى كانت الطلبات تسير جيدا ومبعدل ثابت. لقد تويف والدي يف عام 1982 م غر أننا عرثنا يف السنني التي تلت وفاته على عدد كبر من املواد غر املنشورة مثل أرشطة مسجلة ومدونات أصلية ومالحظات ورؤوس أقلالم وأكداس كبرة من الرسائل. لهذا متت إضافة الكثر من هذه املواد إىل النسخة األصلية من الكتاب وحصلنا على الكتاب الحايل الذي بني أيديكم اآلن. وقد ظلت رسالة الكتاب باقية مل تتغير ومفادها أن والدي أرص عى أن السيد املسيح قادر عى أن يري حنا من شدائد الرصاعات الروحية وأن ينعم علينا بالشفاء من جراحات اللرش والتحر ر من قيود الخطيئة. ويحتوي كتاب»التحر ر من األفكار األثيمة«عى ح ك م مهمة وتحليل موضوعي ثاقب عن أهم الرصاعات الروحية املوجودة عى الصعيد العاملي لدى جميع الناس ومكتوبة بأسلوب مبسط يفهمه عامة الناس. وعالوة عى ذلك فهو يحتوي بلني طياته عى وعود لحياة جديدة ألولئك القر اء الذين أد ى قلقهم عى الذات وخطاياهم املقرتفة بالرس

12 التحر ر من األفكار األثيمة 12 ومشاعر الذنب أو الخوف إىل حجب صلواتهم من الوصول إىل الله وأدى أيضا إىل إعاقة محبتهم لله ومحبتهم ألخيهم اإلنسان بقلوب متحررة وغر منقسمة عى نفسها. ويف هذا العامل الذي غالبا ما يبدو مظلام ومكفهرا ويبعث عى اليأس يحمل هذا الكتاب رسالة فرح وأمل. أحد رعاة وقساوسة جماعة برودرهوف المسيحية Bruderhof إقليم ريفتون في نيويورك Rifton, New York أغسطس/آب 1997 م الكلمة بقلم يوهان كريستوف أرنولد Johann Christoph Arnold

13 المقدمة بقلم جون مايكل تالبوت بكثير من الح ك م يزخر التراث المسيحي والنصائح فيام يخص التعامل مع موضوع األفكار واملشاعر. وكتاب هايرنيش آرنولد «التحر ر من األفكار األثيمة» هو خير مثال عى ذلك. فبأسلوبه الذي ال يختلف كثرا عن أسلوب القديس أوغسطينوس St. Augustine يف الغرب وأسلوب اآلباء الرهبان يف اللرشق فأن هايرنيش آرنولد يجعلنا نتواجه وجها لوجه مع حقيقة املعارك التي يخوضها اإلنسان مع التجارب والخطايا انطالقا من تقاليده الكنسية وتجاربه يف مجتمعات برودرهوف The Bruderhof التي تعيش حياة مسيحية مشلرتكة على مثال الكنيسة الرسولية. والحكمة التي يقدمها إلينا صادقة وواقعية لكنها مشبعة بإميان خال من املساومة وبيقني تام بقدرة الروح القدس 13

14 التحر ر من األفكار األثيمة 14 يف تجديد النفوس وتغيير الحياة. وبالنسبة إلينا نحن البلرش فأن ترصفاتنا تعكس تفكرنا أي مبعنى أن نوعية شخصيتنا تتوقف عى نوعية تفكرنا. ولهذا السبب يجب علينا أن ال نقلل أبدا من شأن نوعية األفكار التي ندخلها يف أذهاننا. ألن أرواح الرش تستخدم األفكار الرشيرة املوجودة يف ذهن اإلنسان كوسيلة لتشن حربا على روحه. ولهذا السبب حذرنا األسقف ماكسيموس bishop Maximus الذي عاش يف القرن امليلالدي الخامس فقال: إن بناء تخي الت فكرية رشيرة واقرتاف الخطيئة يف الفكر أسهل من تجسيدها كأفعال رشيرة. غر أن الصعوبة من ناحية أخرى هي أن اللرصاع الالزم إلزالة تلك التخيلالت الهائجة من الفكر أصعب كثيرا من الرصاع اللالزم إلزالتها من األفعال. وقال يسوع املسيح: ف م ن ال ق ل ب ت ن ب ع األ ف ك ار الرش ير ة. )متى 19(. 15: وقال يسوع املسيح أيضا:

15 التحر ر من األفكار األثيمة 15 ف ح ي ث ي ك ون ك ن ز ك ه ن اك أ ي ضا ي ك ون ق ل ب ك. )متى.)21 :6 لكن يوجد عدد كبر منا نحن البرش باإلضافة إىل بعض منا من الذين ند عي بأننا مسيحيون يكون كنزنا هو أفكارنا الخاصة التي تدور يف بالنا أو تخيالتنا الفكرية. فنحن ال نريد اقلرتاف اإلثم لكننا من ناحية أخرى ال نريد أيضا أن نتخلى عن ما منلكه من تخيالت. فحياتنا الفكرية بالذات هي املكان الذي تجري فيه املعارك واملكان الذي ينترص فيه الرصاع أو يتقهقر سواء كان الرصاع يف سبيل الخر أو الرش. وقد أدرك ذلك القديس بولس الرسول فكتب قائال: و ال ت ت ك ي ف وا م ع ه ذ ا ال ع ال م ب ل ت غ ير وا ب ت ج د يد الذ ه ن ل ت م ي ز وا م ا ه ي إ ر اد ة الله الص ال ح ة ال م ق ب ول ة ال ك ام ل ة. )رومة 2( 12: ففي نظر القديس بولس الرسول فأن عملية تغيير أفعالنا تبدأ بتغيير أفكارنا أي مبعنى أن التحرر من األفكار األثيمة هو خطوة مهمة جدا ولها دور كبر عى طريق التحرر الشامل لحياتنا الذي نحصل عليه بفضل السيد املسيح. واهتلامم الكاتب هايرنيش آرنولد مبوضوع األفكار

16 التحر ر من األفكار األثيمة 16 األثيمة يجب أن ي نظر إليه يف إطار هذا املفهوم العظيم لعملية التغير )أي تغير اإلنسان وتحو له من حياة الرش إىل حياة القداسة(. واهتاممه بهذا املوضوع ليس مسألة انشغال وانهلامك مهووس بكيفية الوصول إىل درجة الكلامل. ذلك أننا كلنا نصارع صورا وأفكارا غر مرغوب فيها يف بالنا. لكن وكام يؤكد لنا الكاتب هايرنيش آرنولد أن األفكار امل غرية التي تخالجنا ليست أثيمة بحد ذاتها. ألن املهم هو ما سنفعله بهذه األفكار. وقال القديس يعقوب الرسول يف اإلنجيل: ف إ ذ ا م ا ح ب ل ت الش ه و ة و ل د ت ال خ ط يئ ة. )يعقوب )15 :1 لذلك فالسؤال هو: أنقبل باألفكار الرشيرة التي تأتينا ونرحب بها ونعيش فيها ومن ثم نقوم بتنميتها أم نتعامل معها وكأننا يف معركة ونجاهد يف سبيل التغلب عليها بقوة املسيح ليس هناك سوى السيد املسيح من هو قادر عى إزالة لعنة الخطيئة. وهو وحده يضفي معنى عى الرصاع الروحي ألنه الغاية والهدف لجهادنا. ولهذا السبب كتب القديس أغسطينوس )وهو من آباء الكنيسة يف القرن امليلالدي الخامس( قائال:

17 التحر ر من األفكار األثيمة 17 لرننم هل ل ويا ولنسب ح الرب هنا على األرض.... حتى لو كان ذلك يف وسط رصاع التجارب التي نتعر ض لها والهموم التي تنتابنا.... ال لنستمتع مبتاع الدنيا بل لنخف ف عنا أحاملنا. فمن خالل متجيدنا لله حتى لو كنا يف وسط رصاع التجارب فسوف نكفل تحر رنا من أعباء االغتامم الذي يف داخلنا. ويف النهاية فأن رصاعنا رصاع مفرح. ألننا لدينا اليقني بأن جلربوت محبة الله أعظم بكثر من قلوبنا وأذهاننا حتى لو فشلنا مرة ألننا سوف نفشل بالتأكيد يف بعض املرات. وعلالوة على ذلك فيمكن أن يكون لدينا ثقة مطلقة بالله كلام يحثنا عليه الكاتب هايرنيش آرنولد يف قوله التايل: يجب علينا التحل مبثل هذه الثقة املطلقة بالله أي مبعنى ثقة قوية ال تللني بحيث حتى لو مل نشعر بأي يشء أو مل نلمس أي نتيجة لحد اآلن فسوف نسل م رغم ذلك أنفسنا له كلي ا ومن دون أي تحفظات وبكل ما نحن عليه وبكل ما عندنا.... فسوف ينعم الله علينا عندئذ باملغفرة والتطهر وسلالم القلب وسوف تخلق هذه النعم فينا محبة ال ميكن وصفها.

18 التحر ر من األفكار األثيمة 18 وت عتلرب عملية التحر ر من األفكار األثيمة نعمة إلهية عظيمة وهي نعمة تهبها محبة الله ولعل كل قارئ يلمس هذه النعمة اإللهية عندما يتأم ل يف حكمة هذا الكتاب. فبدونها ترانا نتخب ط يف اإلحباط واالضطراب الروحي. لكن معها ننتلرص كل االنتصار. وهو مؤسس جماعة مسيحية رهبانية وعلمانية مختلطة وأسمها»إخوة وأخوات المحبة Brothers and Sisters of Charity» حيث تتألف من الرهبان والراهبات والعزاب والعائالت في مدينة يوريكا سبرينجس في والية أركنساس األمريكية Eureka Springs, Arkansas المقدمة بقلم جون مايكل تالبوت John Michael Talbot

19 1 الصراع الروحي مشكلة تهم كل مؤمن من وقت األفكار األثيمة آلخر. فإذا تعذب الرجل أو املرأة بصورة متكررة من بالء املشاعر أو الصور غير املرغوب فيها فسوف تغدو هذه التجربة عبئا ثقيال عى الشخص. فاألفكار عموما ت سل ط ضغطا عى الشخص ليك تجعله يجسدها عى أرض الواقع لكنها تصبح لعنة إن كانت فكرة رشيرة. وأنا أعرف الكثر من الناس الذين كانوا يضطربون روحيا من جراء شهوة أو فكرة رشيرة تنتابهم إال أنهم كانوا يفضلون املوت على اقرتافها وتجسيدها عى أرض الواقع وبرغم ذلك كان يبدو أن مثل هذا التصميم مل يكن مبقدوره أن يجن بهم الرصاع الروحي فرتاهم وكأنهم مالحقلني من ق بل الفكرة. وقد تكون هذه األفكار عند البعض أفكار حسد أو ح م ل ضغينة يف الصدر عى شخص ما أو مشاعر شكوك وعدم ثقة بأحد األشخاص لكن قد 19

20 التحر ر من األفكار األثيمة 20 تكون عند البعض اآلخر أفكار الخيال الجنيس وقد تكون عند غرهم مشاعر حقد وكراهية أو تجديف عى الله أو حتى أفكار قتل. وال أظن أن هناك من هو قادر عى تفسير ما يجري يف قلبه أو قلبها تفسيرا كاملال ودقيقا. فالله وحده عامل بحالة نفس كل إنسان لكننا من ناحية أخرى نعلم علم اليقلني وفقا لإلنجيل بأنه: م ن ال ق ل ب ت ن ب ع األ ف ك ار الرش ير ة. )متى 19( 15: ويقول اإلنجيل أيضا: ط وب أل ن ق ي اء ال ق ل ب )متى 8( 5: وت عتلرب هذه الكللامت البسيطة للرب يسوع أساسا لفهم هذا الكتاب. لقد رأيت من خالل خدمتي الرعوية يف تقديم املشورة ألبناء مجتمع كنيستي أن الكثر من الرجال والنساء كانوا يخشون االعلرتاف بأنهم يصارعون األفكار غير املرغوبة فيها. فكانوا يظنون أنهم الوحيدون الذين قد ابتلوا بهذا األمر. إال أننا نحن البرش لدينا كلنا بالحقيقة طبيعة رشيرة

21 التحر ر من األفكار األثيمة 21 بدرجة أو بأخرى. ففي حياتنا قد نستسلم كلنا من وقت آلخر للشيطان الذي هو ليس فكرة نظرية بل قوة رشيرة حقيقية يهاجم كل شخص يف أشد نقاط ضعفه أو ضعفها. ومبجرد أن يحظى الشيطان مبكان يف قلوبنا فسوف يؤدي اللرش املتجذ ر هناك إىل كلامت رشيرة والتي سوف تؤدي بدورها إىل أفعال رشيرة. وقد ترعرعت أنا شخصيا يف أملانيا يف العرشينيات وقد سمعت ترصيحات بغيضة بحق اليهود السيام من دار االسلرتاحة الذي كان يقابل منزل أهلي هناك. وقد تجاهل معظم سكان القرية الخطورة الكامنة يف ظاهرة معاداة السامية )أو معاداة اليهود ( لكن احتج والدي عليها احتجاجا عنيفا وقال: رمبا يقتلرص األمر اآلن عى كالم رشير لكنه سوف يؤدي الحقا إىل أفعال رشيرة. وسوف يقوم الناس فعلال يف يوم من األيام بتطبيق ما يقولونه. وهذا ما حصل بالفعل. وتنتاب بعض الناس أفكار رشيرة بصفة مستمرة بحيث تراهم يعيشون يف حالة ال ميكننا أن نطلق عليها سوى كلمة»عذاب.«لكن ينبغي أيضا أن يثق هؤالء الناس

22 التحر ر من األفكار األثيمة 22 بأن الله قادر عى أن يرى ما يف أعامق قلب اإلنسان. ثم أن الله يعلم بالتأكيد بأنه عى الرغم من اضطراب مخيلتنا إال أن الفؤاد ال يبغي أفكارا رشيرة ثقيلة األعباء. ولو كنا ما نزال غير متأكدين من ذلك بالرغم مام جاء أعاله فيمكننا أن نستمد التعزية من كالم الالهويت والفيلسوف األملاين ايكهارت ))) Eckhart فقد كتب: لو أردت أن تتأج ج حياتك مبحبة الله فيجب أن تشتاق إىل الله. ولو مل تحس لحد اآلن بهذا االشتياق فيجب أن تشتاق إىل ذاك االشتياق. من الواضح أن أي اشتياق لدى اإلنسان إىل الحياة الرشيفة العفيفة هو عالمة عى بداية عمل الله يف قلب اإلنسان حتى لو كان هذا االشتياق يف أوله أو مل تكن معامله واضحة بعد. هناك طبعا فرق شاسع بني االستمتاع عمدا باألفكار الرشيرة وبلني الجهاد ضدها. وقد قدمت املشورة إىل أشخاص كانوا يشعرون بأن األفكار أو الشهوات غير املرغوب فيها كانت تالحقهم بشدة بحيث قالوا يل أنهم عى استعداد ألن يسروا الكرة األرضية كلها إذا استطاعوا ))) ا يكهارت Eckhardt أو مايسلرت ايكهارت Meister Eckhardt الهويت وفيلسوف أملاين من اآلباء الروحانيني من القرن امليلالدي الثالث علرش وكانت له الكثر من الكتابات املفيدة بشأن العالقة مع الله.

23 التحر ر من األفكار األثيمة 23 ذلك ملجرد أن يتحرروا منها. وهم على استعداد ألن يقدموا كل يشء يف سبيل الحصول عى سلالم الفكر وعى قلب عفيف نظيف. أن مثل هذا التصميم جيد لكن من الضروري أن ندرك يف الوقت نفسه أننا ال ميكننا تحرير نفوسنا بقوتنا البرشية. ألن اللرصاع بني الخر واللرش ليس رصاعا محصورا»يف الذهن «لكنه معركة عى صعيد الكون بني الروح القدس وبني الخطيئة التي وصفها القديس بولس الرسول كاآليت يف هذه اآلية اإلنجيلية: و لك ن ن ي أ ر ى يف أ ع ض ائ ن ام وسا آخ ر ي ح ار ب الرش يع ة ال ت ي ي ر يد ه ا ع ق لي و ي ج ع ل ن ي أ س يرا ل ن ام وس ال خ ط يئ ة ال ك ائ ن يف أ ع ض ائ.)رومة 23:7 (. ويتطلب الفوز بهذه املعركة اإلميان بالرب يسوع املسيح الذي وعدنا بالنرصة عندما قال لنا: ف إ ن ه ح ي ث ام اج ت م ع اث ن ان أ و ثث ال ث ة ب اس م ي ف أ ن ا أ ك ون يف و س ط ه م. )متى 20( 18: وال يؤمن الكثير من املسيحيني بواقع وحقيقة هذه املعركة دع عنك واقع اللرش. فلن ينفعهم هذا الكتاب

24 التحر ر من األفكار األثيمة 24 شيئا. إال أن هذا الكتاب مفيد للذين قد عرفوا الخطيئة واقرتفوها وتلوثوا بها ويسعون جاهدين للتحرر من أعبائها ويشتاقون إىل ع ف ة ونقاوة القلب. أما بالنسبة إىل موضوع هذا الكتاب»األفكار األثيمة«فهو ليس موضوعا مرغوبا فيه أو مسايرا للحياة املعارصة لكني رأيت خالل سنوات عديدة آالفا من الناس يصارعون األفكار األثيمة. ولو متك ن هذا الكتاب من إرشاد مجرد واحد منهم إىل التحرر الذي يهبه الصليب ألمكننا القول أنه قد وف بالهدف املرجو منه.

25 2 التجربة حدود التجربة ))) وتبدأ الخطيئة بطبيعة أين تنتهي الحال لو كنا نتعذ ب من جراء األفكار الرشيرة التي تنتابنا أو كان الشيطان يحاول إغوائنا بها ملا احت س بت هذه العملية ا قرتاف خطيئة من جانبنا. ونرب مثاال عى ذلك فلو أحسسنا باندفاع للرد بغضب عى من أخطأ بحقنا لكن تشد دت عزميتنا بعد ذلك عى مسامحته فلم نقرتف خطيئة هنا. لكن لو رفضنا مسامحته ومل نرغب يف نسيان األذى الذي لحق بنا بل تشبثنا به وأضمرنا له ضغينة يف صدرنا القرتفنا خطيئة. وعى الغرار نفسه فلو تهي جنا بسبب فكرة شهوانية لكن رفضناها فلم نقلرتف خطيئة يف هذه الحالة. لكن يختلف الحال كثيرا إذا تابعنا تلك الفكرة مبحض إرادتنا ))) التجربة هي إغواء إبليس ومحاوالت شياطينه لإليقاع ببني البرش يف الخطيئة ليك يقرتفوا الذنوب فعلي ا سواء كانت يف الفكر أو يف الفعل. 25

26 التحر ر من األفكار األثيمة 26 واشلرتينا مجلة إباحية خليعة عى سبيل املثال. فالسؤال دامئا هو: ماذا نفعل عندما تأتينا التجارب لقد كتب مرة امل صل ح الكنليس الراهب مارتن لوثر Martin Luther يف القرن امليلالدي السادس علرش أن: األفكار الرشيرة تأتينا مثل العصافير التي تطير وتحوم فوق رؤوسنا. فليس يف يدنا أية حيلة حيال ذلك. لكن لو سمحنا لها بأن تبني أعشاشها عى رؤوسنا لتحملنا عندئذ مسؤولية إيوائها. وبالنسبة إىل التجارب فلال ميكن تفاديها أبدا ولن ترتكنا بسلالم أبدا حتى أننا يجب أن ال نتوقع هذا األمر عى اإلطلالق ألن الشيطان لن يرتكنا بسلالم أبدا. وقد حاول الشيطان اإليقاع حتى بيسوع املسيح. فقد جاء امل ج ر ب إبليس الذي كان بالتأكيد متنكرا بغر هيئته إىل الربية حيث كان السيد املسيح قد صام أربعني يوما منقطعا عن شتى أنواع األكل والرشب وأخذ إبليس يتكلم مع السيد املسيح مستعينا بآيات من الكتاب املقدس يف محاولة إلغوائه واإليقاع به لكن مل يعرفه يسوع املسيح إال بعد التجربة الثالثة فقال يسوع له:

27 التحر ر من األفكار األثيمة 27 إ بت ع د عن ي يا ش يطان! ألن الك تاب يقول : للر ب إله ك ت سج د وإي اه وحد ه ت عب د! )متى 10( 4: فلام رأى إبليس أن السيد املسيح عرفه تركه فجاء بعض املالئكة يخدمون السيد املسيح ويقدمون له الطعام. )راجع متى 1 11( 4: لقد بدت يل سابقا يف إحدى املرات فكرة ت عر ض يسوع املسيح إىل التجربة مثل أي إنسان عادي وكأنها تجديف عى الله. لكن بالحقيقة ال مجال للشك أبدا: فقد كان يسوع املسيح إنسانا بالرغم من أنه مل يقرتف الخطايا مطلقا ألنه كان معصوما منها. واستيعاب هذا املوضوع له أهمية بالغة لحياتنا الروحية من جهة لكن له دور كبر أيضا يف كيفية معاملتنا للناس اآلخرين الذين يخوضون رصاعات روحية رشسة مثلام نتعلمه من اإلنجيل: إ ذ ن مب ا أ ن ه ؤ ال ء األ و ال د م ت ش ار ك ون يف أ ج س ام ب رش ي ة م ن ل ح م و د م اش لرت ك ال م س يح أ ي ضا يف الل ح م و الد م ب ات خ اذ ه ج س لام ب رش ي ا. و ه ك ذ ا مت ك ن أ ن مي وت ل ي ق ضي ع لى م ن ل ه س ل ط ة ال م و ت أ ي إ ب ل يس و ي ح ر ر م ن ك ان ال خ و ف م ن ال م و ت ي س ت ع ب د ه م ط و ال ح ي ات ه م. ن ع م ك ان ت غ اي ت ه أ ن ي ن ق ذ ال ال م ال ئ ك ة ب ل ن س ل إ ب ر اه يم. و ل ذ ل ك ك ان

28 التحر ر من األفكار األثيمة 28 ال ب د أ ن ي ش ب ه إ خ و ت ه م ن ج م يع الن و اح ي ل ي ك ون ه و ر ئ يس ال ك ه ن ة الر ح يم و األ م لني ال ذ ي ي ق وم ب ع م ل ه أ م ام الله ن ي اب ة ع ن الش ع ب ف ي ك ف ر ع ن خ ط اي اه م. و مب ا أ ن ه ه و ن ف س ه ق د ت أ ل م و ت ع ر ض ل لت ج ار ب ف ه و ق اد ر أ ن ي ع لني ال ذ ين ي ت ع ر ض ون ل لت ج ار ب. )عربانيلني )18 14 :2 وكان يهدف كاتب الرسالة اإلنجيلية إىل أن تكون هذه النقطة واضحة للقارئ بحيث أنه ذكرها ثانية يف الفصل الرابع عدد 15 كاآليت: ذ ل ك أل ن ر ئ يس ال ك ه ن ة ال ذ ي ل ن ا ل ي س ع اج زا ع ن ت ف ه م ض ع ف ات ن ا ب ل إ ن ه ق د ت ع ر ض ل لت ج ار ب ال ت ي ن ت ع ر ض ن ح ن ل ه ا إ ال أ ن ه ب لال خ ط ي ة. )عربانيلني )15 :4 أن يسوع املسيح مل يخطئ مطلقا حتى عند أرشس معركة خاضها يف حياته عند بستان يدعى جثسيامين الذي يقع رشق أورشليم قرب سفح جبل الزيتون حيث كان بالتأكيد يصارع قوى الظلمة التي هي أكرب من قدرتنا لنتصورها التي جاءته بجيوش كاملة من األرواح الرشيرة التي كانت تقاتل يف سبيل الفوز بقلبه واستاملته لكنه مل ينحرف مطلقا عن محبته ألبيه السلاموي. فقد ظل مطيعا

29 التحر ر من األفكار األثيمة 29 ووفيا له. وبالنسبة إلينا نحن البلرش فسوف يظل اللرصاع الروحي ضد الظلمة موجودا يف قلوبنا ما دمنا على قيد الحياة. وهذه هي الحقيقة املريرة التي تعني أننا ال يسعنا أبدا التغلب على الرش املحدق بنا ومضايقاته بقوانا البرشية. واملسألة ليست مجرد مسألة أفكار ومشاعر وصور فحسب بل أرواح محار بة وقد دعاها القديس بولس الرسول يف اإلنجيل بأنها:»أصحاب الر ئاس ة والس لطان والس ياد ة «يف هذه اآلية: فن حن ال ن حار ب أعداء م ن ل حم ود م ب ل أصحاب الر ئاس ة والس لطان والس ياد ة عى هذا العال م عال م الظ لالم واألرواح الرش ير ة يف األجواء الس لامو ي ة. )أفسس )12 :6 وسوف نحتاج إىل الصالة من أجل أن يسرتنا الله مرة بعد أخرى وحينام تأتينا التجارب بالرغم من صلواتنا فينبغي أن نسأل الله لرينا حال ومخرجا من كل واحدة منها. ومع ذلك فلال داعي ألن تخور عزميتنا ونفقد األمل ونقع يف اليأس مثلام يشهد لنا اإلنجيل: ل م ي ص ب ك م م ن الت ج ار ب إ ال م ا ه و ب رش ي. و ل ك ن الله

30 التحر ر من األفكار األثيمة 30 أ م لني و ج د ير ب الث ق ة ف لال ي د ع ك م ت ج ر ب ون ف و ق م ا ت ط يق ون ب ل ي د ب ر ل ك م م ع الت ج ر ب ة س ب يل ال خ ر وج م ن ه ا ل ت ط يق وا اح ت ام ل ه ا. )1 كورنثوس 13( 10: لن يتعلني على أي منا خوض مثل تلك املعركة الرشسة والعصيبة التي قاتل فيها يسوع املسيح يف سبيلنا عى الصليب. فقد أخذ على عاتقه يف تلك املعركة العبء الكامل لحالنا البلرشي ومن ضمنه التجربة يف سبيل تحريرنا بالفداء املجاين الذي قد مه لبني البرش. فالتجربة ليست خطيئة.

31 3 الخطيئة الم تعم دة املرء بسبب األفكار والصور غير عندما يتعذب املرغوب فيها فهو أمر يختلف متاما عن السعي من أجلها عمدا. فالناس الذين يشاهدون عمدا أفالم العنف أو يقرؤون املجالت واملواقع اإلباحية الخليعة من أجل املتعة التي متنحها لهم هذه األمور فهم ببساطة ال يصارعون التجربة وإغواء إبليس بل إنهم يقرتفون الخطيئة بالحقيقة. وأنا أفرتض بأن القارئ ال يبتغي تلك األمور التي يعلم بأنها رشيرة! فعندما نستمتع بفكرة رشيرة مبحض إرادتنا فإننا نعبث بقوى الظلمة التي رمبا ال ندرك مدى قوتها. فمن السهل على الناس )وهو أمر مألوف( أن ال يهتموا بهذه الفكرة وأن يقولوا:»إننا ال نؤذي بها أحدا أليس كذلك «أو أن يقولوا:»إنها مجرد يف الفكر....» إال أن القول اإلنكليزي املأثور:»األفكار عمالقة«)أي أن 31

32 التحر ر من األفكار األثيمة 32 األفكار ذات تأثير جسيم( مل يأت من فراغ. فبصورة عامة تسعى األفكار جاهدة من أجل أن تتجس د فعلي ا على أرض الواقع باألفعال أما لو كانت أفكارا رشيرة فسوف تؤدي إىل أعلامل رشيرة. كلام كتب القديس يعقوب الرسول يف اإلنجيل: و ل ك ن اإل ن س ان ي س ق ط يف الت ج ر ب ة ح لني ي ن د ف ع م خ د وعا و ر اء ش ه و ت ه. ف إ ذ ا م ا ح ب ل ت الش ه و ة و ل د ت ال خ ط يئ ة. و م ت ى ن ض ج ت ال خ ط يئ ة أ ن ت ج ت ال م و ت. )يعقوب )15 14 :1 واألعلامل الفظيعة املرو عة مثل اإلبادة الجامعية التي ت رتكب بحق الناس ال تحدث بني ليلة وضحاها إنها مثرة اللرش الذي بدأ يعمل سلفا يف الذهن. فقد سبق مجازر اليهود عى سبيل املثال قرون طويلة من التحامل الظامل واالفلرتاء على اليهود دع عنك حملالت التقتيل والذبح املنظمة التي كانوا يتعرضون لها بني فلرتة وأخرى وأيضا االضطهاد بشتى أنواعه. ))) أما أعامل الشغب التي اجتاحت املدن األمريكية الكبرة يف الستينيات فهي األخرى كانت نتيجة لرتاكم الكثير من األحقاد العنرصية املكبوتة عى ))) وهذا ما حصل عند اعتداء اليهود على الفلسطينيني أيضا وعند اعتداء اإلسلالميني املتطرفني عى املسيحيني واألقليات األخرى السيام ما اقرتفه وما زال يقرتفه داعش أو تنظيم الدولة اإلسالمية يف مناطق عديدة من العامل.

33 التحر ر من األفكار األثيمة 33 مدار مئات السنني. وقد أظهرت دراسات متعاقبة كثرة أن هناك صلة وثيقة بني جرائم العنف الجنيس واألفالم التي يعلرتف مقرتفوها بأنهم شاهدوها قبيل تنفيذهم لهذه الجرائم. وإن مثل هذه الجرائم التي تسمى جرائم م قل لدة Copycat Crimes )وهي جرائم ت قلرتف اقتداء مبا يرونه يف األفلالم أو الروايات( تبلني لنا بشكل صارخ وأسطع من نور الشمس أن األعامل املشينة لها جذور يف القلب والفكر. وعندما كنت شابا كنت أعرف أشخاصا أملانيني من بلدي كانوا غر مؤذين إىل درجة كبيرة قبل قيام النازية ناس»عاديون«ذوو خ لق»حسن«لكنهم وقعوا الحقا يف براثن روح رشيرة فساقتهم تلك الروح النازية الرشيرة إىل طريق الرش. وبالرغم من أن الكثرين ماتوا بسبب احتجاجهم عى ذلك الرش إال أن الغالبية العظمى من الناس سلموا أنفسهم إليها بكامل رغبتهم سواء كان ذلك عن طريق االشلرتاك الفعال باملجازر الجامعية بحق اليهود أو عن طريق دعم هتلر بأساليب أخرى حتى لو كان مجرد عن طريق الالمباالة الصامتة. فلم تكن املسألة مجرد سيطرة حفنة من الرجال عى كامل البلد أملانيا فحسب بل قامت املاليلني من الناس بتسليم نفوسها بكامل رغبتها إىل قوى الظالم الشيطانية )املتمثلة بالنظام النازي(.

34 التحر ر من األفكار األثيمة 34 بطبيعة الحال غالبا ما تحصل الخطيئة املتعمدة عى الصعيد الشخيص بدرجة كبرة. وأكرث ما يقلقني كقسيس هو موضوع التنجيم أو معرفة أرسار ما وراء الطبيعة الذي صادفته كثرا أثناء تقدميي لخدمة املشورة. فعادة ما ي نظر إىل التنجيم على أنه مجرد أحد العلوم الذي يحتاج إىل دراسة. وملا كانوا يفرتضون التنجيم أنه رضب غير مضر من الروحانيات مثللام يفرتضونه عن مامرسة الخرافات مثل ارتداء الخواتم الطبية أو وقوع واهتزاز الطاولة أثناء تحضر األرواح أو التحدث مع املوىت فيمكن لهذه املامرسات أن تربط الشخص بقوى شيطانية حتى لو دخلها الشخص دخوال بريئا. وأنا أؤمن إميانا راسخا بوجوب رفضنا لهذه األشياء رفضا تاما. فهذه األشياء ال متت بصلة إىل اإلميان الطفويل البسيط بيسوع. أنا أعلم بوجود ناس يدرسون اللرش وآخرين يحاولون اكتشاف جذوره باإلضافة إىل محاوالتهم لكشف النقاب عن أرسار الشيطان. وقد يكون هذا األمر مفهوما لكن هل هو أمر يوافق مشيئة الله وثم يبدو يل يف مجتمعات بالدنا أن هناك الكثر من الرجال والنساء من الذين قد ثق لوا كواهلهم مبا يعرفونه عن جرائم القتل والزىن والخطايا األخرى. ويعبث اآلخرون مبحض إرادتهم مع الرش تحت شعار

35 التحر ر من األفكار األثيمة 35 تجريب األمر. ويحاول هؤالء الناس بالحقيقة أن يفهموا حجج اللرش وذرائعه ويد عون بأنهم يرفضون قبول الظلمة لكنهم من خالل اللهو به تراهم واقعني يف براثنه وقعة غر مسبوقة وأكرث ملام يتصورون. فلام دمنا نسمح لنفوسنا بإبقاء منفذ صغير يدعم ترددنا وعدم إمياننا القطعي وما دمنا نعطي للرش حتى ولو سيادة قليلة وجزئية عى قلوبنا وال نقاطعه كليا فلن نتحرر أبدا تحررا كامال وسوف يستمر إبليس يف فرض سلطانه علينا. وال أتكلم هنا عن موضوع التنجيم فقط بل عن كل ما يعاكس الله: مثل الغرة والحقد والشهوة والرغبة يف التسلط عى اآلخرين وجميع الخطايا األخرى. وما دمنا نرسق عمدا جزءا من قلوبنا حتى لو كان صغرا ونحجبه عن تدخل الله يف حياتنا فإننا نعزل أنفسنا بذلك عن الرحمة التي يقدمها الله إلينا من خالل يسوع املسيح. ويجب بطبيعة الحال معاملة النفوس املنقسمة على ذاتها أو امللرتددة أو املرتابة معاملة رؤوفة كام يفعل ذلك يسوع نفسه حيث أنه»ق ص ب ة م ر ض وض ة ال ي ك لرس و ف ت يل ة م د خ ن ة ال ي ط ف يء «)راجع متى 20( 12: لكن من ناحية أخرى فمن الواضح بحسب اعتقادي أن يسوع املسيح يف النهاية ال ميكنه أن يتسامح مع كل ما ي حز ن الروح القدس. فالرب يسوع املسيح كان وما

36 التحر ر من األفكار األثيمة 36 يزال منترصا على إبليس وشياطينه انتصارا كامال وهو يطلب منا أن نخدم من كل قلوبنا حتى لو كنا يف حرب ضارية مع الشياطني.

37 4 اإلرادة البشرية إلزالة اللرش املخي م على رؤيتنا ماذا بوسعنا عمله الروحية يف رصاعنا ضد التجربة وإغواء إبليس ذلك اللرش الذي يعمينا عن رؤية ما هو حق وما هو باطل وكيف ميكننا الرتكيز على محبة الله التي ننشدها نحن نعلم أن من يفوز يف حلبة املالكمة أو يف الشارع قد يكون من هو صاحب اإلرادة القوية واملتعنتة واملتصلبة لكن يف رصاع قلب اإلنسان رمبا ال تلعب قوة اإلرادة أي دور يف نتيجة املعركة. فمن املستحيل قهر الطبيعة األثيمة ألي شخص بقوة اإلرادة وحدها ألن اإلرادة ليست متحررة بصورة كاملة مطلقا فهي منحرفة ألنها متأثرة باتجاهات مختلفة من جراء مشاعر متضاربة ومن جراء قوى أخرى تعمل فيها وتؤثر عليها. ففي الرصاع الروحي تغدو اإلرادة البرشية»مشلولة«إىل درجة كبيرة كلام يصفها الفالسفة األملان 37

38 التحر ر من األفكار األثيمة 38 فمحاولة تسخر اإلرادة البرشية يف ذلك الرصاع ال جدوى منها بتاتا. ويف الحقيقة والواقع فقد تؤدي اإلرادة إىل الرتسيخ الذهني لذاك اللرش امل علني الذي نكافح للتغلب عليه حتى أن اإلرادة بحد ذاتها تعمل على توجيه ذاك الرش بالذات ليغدو واقعا ملموسا. ونقرأ عن هذا املوضوع بحسب ما جاء عن األخص ائ يف علم االجتامع السويرسي الفرنيس تشارلز بودوان :Charles Baudouin عندما تفرض فكرة ما نفسها عى ذهن اإلنسان لليك يقبلها.... فإن جميع الجهود الواعية التي يبذلها ذلك الشخص للتصدي لها ال تحقق النتيجة املرجوة منها يف التحر ر من تلك الفكرة بل حتى أن هذه الجهود سوف تنقلب بالحقيقة وتسير بعكس االتجاه وتزيد من ح د ة إرصار الفكرة.... وتكون النتيجة أن الفكرة املهيمنة على ذهن الشخص تتقو ى. ويف اإلنجيل كتب القديس بولس الرسول الذي كان عاملا بهذه املشكلة فقال: و ل ست أعل م ما ال ذي ي ح د ث يل أل ين ال أفع ل ما أ ر يد ه ب ل أفع ل األشياء ال ت ي أ بغ ض ها! ف إن ك نت ال أ ر يد أن أفع ل ما أفع ل ه ف إين أ واف ق الرش يع ة

39 التحر ر من األفكار األثيمة 39 ع لى أن ها صال ح ة. ل ك ن ي ل ست أنا م ن ي فع ل ه ذ ه األ م ور ف يام ب ع د ب ل الخ ط ي ة الس اك ن ة يف. )رومة 7: )17 15 رمبا يكون من املفيد هنا أن منيز بلني اإلرادة واالشتياق الجوهري العميق لقلوبنا الذي هو: الضمر. ففي الوقت الذي تتحرك اإلرادة ضد التجربة يف محاولة للتصدي للتخيالت الفكرية والشهوات يشير الضمير )الذي كانت طائفة الصحابيلني املسيحية األولية Quakers تسميه بالنور الداخل( يشر الضمر علينا بنقاوة القلب الحقيقية. فالضمر هو مرشد يف صميم أعامق نفس اإلنسان حيث يسكن السيد املسيح نفسه. وعندما يسيطر الضمير فيمكن التغلب عندئذ على أقوى تجربة وأرش ها. وعندما نتأم ل الحرب التي تشنها هاتلني»اإلرادتني«على األفكار األثيمة )أي اإلرادة والضمير اللتلني كلتيهام تكرهان الرشور( فهناك سؤال يظهر تلقائيا: من أين يأيت إذن كل هذا اللرش غير املرغوب فيه وما هو مصدره والجواب الوحيد هو أننا يجب أن نقر ونعرتف بأنه يأيت من قلوبنا. )وال أعني هنا إين أنكر تعرضنا يف الغالب إىل مداهمة اللرش بل أريد أن أحذ ر من أن املغاالة بدور إبليس قد يكون أمرا غر صائب. ألنه يف النهاية يجب أن يتحم ل كل منا مسؤولية أفكاره وأفعاله.( فلو

40 التحر ر من األفكار األثيمة 40 أدركنا ذلك ملا صعب علينا فهم سبب عجزنا عن التغلب على األفكار الرشيرة بواسطة قوة إرادتنا البرشية فقط فلذلك سوف نقر ونعرتف بكل تواضع بأنه ليس مبقدورنا تنظيف وتطهير قلوبنا بقوانا البرشية وبأننا بحاجة إىل معونة الرب. ونقول مرة ثانية أنه لو حاولنا التغلب ومحاربة الرش الذي يف داخلنا باالستعانة بقوة إرادتنا البرشية لوحدها فسوف يهزمنا اللرش ونخرس املعركة بالتأكيد. ولنستمع إىل ما يقوله األخص ائ يف علم االجتلامع الفرنليس أميل كوي Emil Coué الذي هو زميل تشارلز بودوان:»لو كانت اإلرادة يف حرب مع امل خ ي لة ))) لرج حت كف ة القتال لصالح امل خ ي لة دامئا.«لكن مبجرد أن ننصت لالشتياق الخالص والعميق للقلب الذي يرصخ ويستنجد بيسوع فسوف يرتاجع الرش الذي يف داخلنا ولو وثقنا يف مشيئة الله السامية وصلينا هذه الصالة التالية:»يا يسوع لتكن مشيئتك ال مشيئتي: فنقاوتك أعظم من نجاستي وكرمك سيتغلب على طمعي وحبك سينترص على كراهيتي «لتالشت تدريجيا كل هذه األفكار األثيمة بأجمعها. ))) امل خ ي لة هي القدرة الفطرية يف العقل البرشي لخلق أفكار أو صور عن عوامل غير واقعية دون مداخالت مبارشة من الحواس مثل الرؤية أو السمع.

41 التحر ر من األفكار األثيمة 41 فالبد لنا من أن نؤمن: بأن يسوع ويف حقا لنا حتى لو كنا غر أوفياء له وبأنه ليس مجرد م خل ص إلهي بعيد عنا يصلنا من األعايل لكنه أيضا إنسان مات عى الصليب»بالضعف البرشي«ويعيش اآلن»بقدرة الله «كام كتب القديس بولس الرسول يف اإلنجيل: ف م ع أ ن ه ق د ص ل ب يف ض ع ف ف ه و اآلن ح ي ب ق د ر ة الله. و ن ح ن أ ي ضا ض ع ف اء ف يه و لك ن ن ا ب ت رص ف ن ا م ع ك م س ن ك ون أ ح ي اء م ع ه ب ق د ر ة الله. ل ذ ل ك ام ت ح ن وا أ ن ف س ك م ل رت و ا ه ل أ ن ت م يف اإل مي ان. اخ ت رب وا أ ن ف س ك م. أ ل س ت م ت ع ر ف ون أ ن ف س ك م أ ن ي س وع ال م س يح ف يك م إ ال إ ذ ا ت ب لني أ ن ك م ف اش ل ون غ ير أ ين أ ر ج و أ ن ه س ي ت ب ني ل ك م أ ن ن ا ن ح ن ل س ن ا ف اش ل ني. و ن ص لي إ ىل الله أ ال ت ف ع ل وا أ ي رش ال ل ليك ي ت ب ني أ ن ن ا ن ح ن ف اض ل ون ب ل ل يك ت ف ع ل وا أ ن ت م م ا ه و ح ق و إ ن ك ن ا ن ح ن ك أ ن ن ا ف اش ل ون. ف إ ن ن ا ال ن س ت ط يع أ ن ن ف ع ل ش ي ئا ض د ال ح ق ب ل أل ج ل ال ح ق. و ك م ن ف ر ح ع ن د م ا ن ك ون ن ح ن ض ع ف اء و ت ك ون ون أ ن ت م أ ق و ي اء ح ت ى إ ن ن ا ن ص لي ط ال ب لني ل ك م ال ك لام ل. )2 كورنثوس 4 9( 13:

42 5 قوة اإليحاء الخارجي والدي ايربهارد آرنولد وجدت في مكتب ((( Eberhard Arnold بعد مدة قصيرة من وفاته على مجل د قديم أصفر اللون باللغة األملانية لألخص ائ يف علم االجتامع السويرسي الفرنيس تشارلز بودوان. وكان الكتاب يحمل عنوان»اإليحاء واإليحاء الذايت»Suggestion und Autosuggestion الذي كنت أقرأه يف أغلب األحيان حينلام كنت أخوض غلامر موضوع األفكار الثقيلة على الضمير. فهناك نوعان رئيسيان من اإليحاءات الالإرادية التي تؤثر عى سلوك اإلنسان وتدفعه تلقائيا إىل تحويل فكرة معينة إىل عمل من دون أن ينتقدها أو يتأكد منها أوال: إيحاء خارجي وثانيا: إيحاء ذايت أو داخل. فاإليحاء ))) ا يربهارد آرنولد Eberhard Arnold هو مؤسس جامعة برودرهوف املسيحية التي تعيش مجتمعاتها حياة مشلرتكة وبتكريس حيايت كامل إسوة بالكنيسة الرسولية. 42

43 التحر ر من األفكار األثيمة 43 الخارجي يأيت من املحيط الخارجي الذي يعيش فيه اإلنسان. أما اإليحاء الذايت أو الداخلي فينبع من داخل م خي لة اإلنسان نفسه. وكالهلام يقومان باإلملالء على ذهن اإلنسان ما يحمالنه من أفكار وتوج هات فيؤثران على تفكيره وسلوكه ويدفعانه إىل تجسيد تلك األفكار والتوجهات فعلي ا عى أرض الواقع بدون أن يتحق ق ذلك الشخص منها. مثلام يقال أحيانا:»كان كالمه كله بإيحاء من زوجته.«وسوف نتناول يف الفصل التايل اإليحاء الذايت. أما يف هذا الفصل فنتناول اإليحاء الخارجي أو كام ي عرف يف أوساط علم االجتامع بتسمية»اإليحاء«فقط. فاإليحاء يف نظر تشارلز بودوان قد ميكن تعريفه بإيجاز بأنه القوة التي تدفع فكرة ما ليك تتجس د واقعيا بسبب تأثر مشاعر وصور دخلت إىل العقل الباطني من مصدر خارجي فهو يكتب كاآليت: إن أية فكرة سواء كانت عن املتعة أو األمل أو املشاعر عادة ما تتحول فعلال إىل تلك املتعة أو إىل ذلك األمل أو إىل تلك املشاعر.... فمنظر الشمس الذي يثر فكرة الدفء كاف أيضا إلضفاء إحساس الدفء وعلى نقيض ذلك يوقظ منظر الثلج وقراءة املحرار خارج املنزل فكرة الربد.

44 التحر ر من األفكار األثيمة 44 أن تأثير اإليحاء الخارجي يفرض نفسه علينا يف كل يوم ويف كل األوقات: فكلنا معرضون إىل تأثيرات تأتينا من الناس الذين يعيشون معنا عى سبيل املثال أو من الذين يشتغلون معنا. وهناك أيضا نوع من التأثر اإليحائ الذي هو أكلرث مكرا وخباثة من غره لكن له القوة نفسها ومصدره يكون عن طريق وسائط غر حي ة مثل: الكتب واملجلالت والجرائد التي نقرأها واالستعراضات واألفالم التي نشاهدها واملوسيقى التي نسمعها ووسائل الدعاية واإلعلالن التي تنهال علينا يوميا. فكل تلك األمور املتنوعة من حوالينا التي نصادفها يوميا أثناء حياتنا تؤثر فينا بطريقة غر محسوسة وتجرفنا معها لنسير على خطاها من دون تفكير ومن دون أن ندري. وقد تكون تلك التأثيرات إما إيجابية وإما سلبية. أما فيلام يخص رصاع األفكار غير املرغوب فيها فمن الضروري هنا أن ندرك أن قوة اإليحاء السلبي لها كامل االقتدار أن تعمل ضد صوت الضمر للتغلب عليه وإسكاته. ونرى قوتها السلبية واضحة جدا وعى نطاق أوسع يف املعتقدات املعارصة للناس يف قضايا ت قس م البرش مثل قضية اإلجهاض والشذوذ الجنيس ونراها أيضا واضحة يف توج ه سلوك املجتمع نحو العنف. وغالبا ما تهي ج هذه األمور مشاعر قوية لدى الناس بحيث يصبح من املستحيل لهم

45 التحر ر من األفكار األثيمة 45 أن يتكلموا عنها تكلام موضوعيا ويفقدون املنطق السليم ألنهم تحت تأثر األفكار الرشيرة املوحاة من التأثرات الخارجية. ويا لالختالف الذي ميكن أن يحصل والتحس ن الذي نناله لو استكشف كل واحد منا قلبه وتفح ص شخصيا هذه املعتقدات املعارصة وهذه اآلراء بدال من أن تجرفنا وسائل اإلعالم أو الخرباء بأقوالهم الخد اعة الهش ة ومبنطقهم الذي يبهر العيون وليس القلوب والضامئر! رمبا نرى»روح العرص«)وتسمى باألملانية )zeitgeist بأشد وضوحها يف ظاهرة قل ة الحياء التي يتسم بها زماننا. فهي تبلني نفسها يف املالبس والكتب واملجلالت والفنون واملوسيقى من خلالل تعابرها الخالية من الوحدة الروحية مع الله واملنفصلة عن الخالق ومن خلالل استعطافها وتشجيع أدىن الغرائز البرشية وأوطأ القيم البرشية وأحقرها. وميكن رؤيتها أيضا مبستوى أعمق يف أماكن أخرى: مثل طبيعة الحكومات والفساد اإلداري فيها والفساد التجاري يف الرشكات ويف تفكك األرس والعالقات الشخصية ويف املدارس والجامعات ويف وسائل اإلعالم ويف عاملي الطب والقانون واألسوأ من كل هذا نراها يف فراغ ورياء الغذاء الروحي الذي تقدمه كنائس كثرة جدا. أن موقف يسوع املسيح تجاه كل هذه األمور واضح جدا: فهو يدين»روح العرص«وهو يفضحها بأنها

46 التحر ر من األفكار األثيمة 46 روح الشيطان:»ال م ش ت يك ال ذ ي ي ت ه م إ خ و ت ن ا أ م ام إ له ن ا ل ي لال و ن ه ارا.«)رؤيا 10( 12: وهو»م ن ال ب د ء ك ان ق ات ال ل لن اس.«)يوحنا 44( 8: وبهذا فهو يدعونا إىل أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: أين هو صوت الله الوديع والهادئ يف وسط كل انقسامات زماننا املعارص وضجيجه

47 6 قوة اإليحاء الذاتي على النقيض من اإليحاء الخارجي اإليحاء الذاتي مثللام رشحنا ذلك يف الفصل السابق. فهو ينبع من م خي لة اإلنسان ذاته. وقد وصفه األخص ائ يف علم االجتلامع السويرسي الفرنليس تشارلز بودوان كلام يل: اإليحاء الذايت هو عملية إصدار قوة انعكاسية للم خي لة من داخلها وبصورة تلقائية رد ا على عوامل مؤثرة خارجية. وقد يبدو اإليحاء الذايت كقوة ووسيلة إيجابية مفيدة يف العلالج االجتامعي عندما يساعدنا إىل حد ما عى إحالل الصور الذهنية»الجيدة«محل»السيئة.«أما وفقا ملا رأيته من تجارب فأن العملية ال تجري دامئا بهذه السهولة. فالخوف من فكرة رشيرة معينة يلعب أحيانا هو 47

48 التحر ر من األفكار األثيمة 48 نفسه دورا يف تحريك تلك الفكرة واستدعائها لتحتل مكان الصدارة يف الذهن فتهيمن تلك الفكرة عى التفكر ويزداد االضطراب الداخلي ويزيد الطني بل ة. وهذا هو إيحاء ذايت أيضا لكن من النوع السلبي. فبذلك ميكن أن نثير أعصابنا حتى لو مل نكن نريد ذلك ونغدو يف حالة فظيعة من الشد النفيس بحيث ال يعود يف إمكاننا رؤية مخرج منها عندئذ نفقد قابليتنا عى رؤية الله بل نفقد عزميتنا أيضا على الفوز باللرصاع الروحي وحصولنا عى النرصة والهدوء الروحي. ويؤثر اإليحاء الذايت عى مجاالت أخرى من الحياة أيضا. فكل من تعلم قيادة دراجة هوائية يتذكر كيف كان يبذل قصارى جهده لرتكيز ذهنه عى قيادة الدراجة باتجاه الجانب اآلخر من الطريق لتحايش حفرة أو جدار لكن مع ذلك ينتهي األمر به يف الحفرة أو بالجدار. فللامذا يحصل ذلك فعى الرغم من جميع جهود إرادتنا وتصميمنا عى تجنب املصيبة نرى أن شعور عدم إمكانية تجنب املصيبة ينتابنا عن طريق اإليحاء الذايت )أو هل هو بسبب تركيزنا الشديد يا ترى ( ويوضح األخص ائ بودوان هذه املشكلة يف الفقرة التالية حيث يشر إىل جسامة درجة اإلجهاد النفيس وإىل بعض اإلخفاقات الناتجة عن محاولة التغلب

49 التحر ر من األفكار األثيمة 49 عى بعض األفكار غر املرغوب فيها باالستعانة بأفكار أخرى فيقول: يخشى شخص أن ال يعود يف إمكان ذهنه أن يتذكر اسلام معروفا وتراه مصدوما من عصيان ذاكرته له. فيقوم ذهنه ال إراديا وال شعوريا بصياغة إيحاء ملام يزيد من فقدانه للذاكرة. وكللام زاد من إجهاد نفسه يف محاولة أخرى ليتذكر االسم ثانية غاص أكلرث يف النسيان.... فلرنى هنا شعورا جديرا باملالحظة وهو كللما زاد إجهادنا زاد هروب االسم عن ذاكرتنا. ويبدو أن كل مجهود إضايف جديد يزيد من عتمة مياه ذاكرتنا أكلرث فأكلرث وكأن به يقوم بتحريك طبقات مرتسبة ثخينة جدا من الطني تسكن يف القاع ويف النهاية تصبح الذاكرة معتمة كليا وال نرى أي يشء آخر بعد ذلك. ألن ما يثير العجب هو أن االسم كان على طرف لساين مجرد قبل دقيقة واحدة أما اآلن فضي عته مرة ثانية. فكيف تحصل حاالت فقدان الذاكرة كهذه لنفلرتض أن حالة سهو الذاكرة املذكورة أعلاله واملصحوبة بخيبة أمل ممزوجة باستياء )التي رمبا ال نالحظها على أنفسنا( صارت تتكرر عدة مرات. فلام يحصل هو أن فكرة تصدر يف الحال

50 التحر ر من األفكار األثيمة 50 عن م خي لتنا وتخربنا برسالة تقنعنا بها ومفاد هذه الرسالة أن ذاكرتنا آخذة بالضعف. لذلك سوف يسوء حالنا بالحقيقة ويتدهور ملجرد أننا فكرنا بهذا األسلوب ألن هذا النسيان خل ف انطباعا قويا فينا وألن انتباهنا متسك بفكرة النسيان ولعب دورا يف هذه املشكلة. مام ال شك فيه أن كثرا من األشياء تدخل أذهاننا كبذور ألفكار غر متبلورة وتستمر يف العمل والتبلور والنمو يف عقلنا الباطني ملدة طويلة من بعد استبعادنا لها من بالنا وانتباهنا. ومثال عى ذلك الخيال غر املرغوب فيه السيام الخيال الجنليس الذي يعرتي كل شخص من وقت آلخر. وغالبا ما ينشأ خيال كهذا ويتطور يف األصل عن طريق مشاهدة صورة تشد انتباه الشخص ملجرد لحظة قصرة. إال أن الجانب اآلخر من املوضوع هو أننا ينبغي أن نتذكر قصة يعقوب يف العهد القديم الذي فر هاربا من تهديد أخيه له بالقتل لكنه أبقى قلبه مرك زا عى الصالة لله فإذا الله يباركه بأروع حلم يف الوجود فلنقرأ الكتاب املقدس: أ م ا ي ع ق وب ف ت و ج ه م ن ب ئر س ب ع ن ح و ح ار ان ف ص اد ف م و ض عا ق ض ف يه ل ي ل ت ه أل ن الش م س ك ان ت ق د غ اب ت ف أ خ ذ ب ع ض ح ج ار ة ال م و ض ع و ت و س د ه ا و ب ات ه ن اك. و ر أ ى ح ل ام ش اه د ف يه س ل ام ق امئ ة ع ل

51 التحر ر من األفكار األثيمة 51 األ ر ض و ر أ س ه ا مي س الس لام ء و م ال ئ ك ة الله ت ص ع د و ت ن ز ل ع ل ي ه ا و الر ب ن ف س ه و اق ف ف و ق ه ا ي ق ول :»أ ن ا ه و الر ب إ ل ه أ ب يك إ ب ر اه يم و إ ل ه إ س حق. إ ن األ ر ض ال ت ي ت ر ق د ع ل ي ه ا اآلن أ ع ط يه ا ل ك و ل ذ ر ي ت ك ال ت ي س ت ك ون ك لرت اب األ ر ض و مت ت د غ ر با و رش قا و ش لام ال و ج ن وبا و ت ت ب ار ك ب ك و ب ذ ر ي ت ك ج م يع ش ع وب األ ر ض. ه ا أ ن ا م ع ك و أ ر ع اك ح ي ث ام ت ذ ه ب و أ ر د ك إ ىل ه ذ ه األ ر ض. و ل ن أ ت ر ك ك إ ىل أ ن أ يف ب ك ل م ا و ع د ت ك ب ه «. ث م أ ف اق ي ع ق وب م ن ن و م ه و ق ال :»ح ق ا إ ن الر ب يف ه ذ ا ال م و ض ع و أ ن ا ل م أ ع ل م!«و اع لرت اه خ و ف و ق ال :»م ا أ ر ه ب ه ذ ا ال م ك ان! م ا ه ذ ا س و ى ب ي ت الله و ه ذ ا ه و ب اب الس لام ء «. ث م ب ك ر ي ع ق وب يف الص ب اح و أ خ ذ ال ح ج ر ال ذ ي ت و س د ه و ن ص ب ه ع م ودا و ص ب ع ل ي ه ز ي تا و د ع ا ال م ك ان»ب ي ت إ يل» )و م ع ن اه : ب ي ت الله ( و ك ان اس م ال م د ين ة أ و ال»ل وز «. و ن ذ ر ي ع ق وب ن ذ را ق ائ ال :»إ ن ك ان الله م ع ي و ر ع اين يف ه ذ ه الط ر يق ال ت ي أ ن ا أ س ير ف يه ا و و ف ر يل ط ع اما آل ك ل و ث ي ابا أل ل ب س و ع د ت ب س لال م إ ىل ب ي ت أ ب ع ن د ئ ذ ي ك ون الر ب إ ل ها يل و ي ك ون ه ذ ا ال ح ج ر ال ذ ي ن ص ب ت ه ع م ودا ب ي تا ل له و أ د ف ع ع رش ك ل م ا ت ر ز ق ن ي ب ه.«)تكوين 10 22( 28: وينبغي أن تكون السطور التي كتبها األخص ائ بودوان

52 التحر ر من األفكار األثيمة 52 مبثابة تحذير لكل فرد فينا ملام منأل أذهاننا وقلوبنا منه السيام قبل النوم. وال أريد من هذا أن أدفع القارئ إىل املزيد من الهموم أو القلق عى الذات ألن هناك اآلن ناس كثيرون جدا قد وقعوا سلفا فريسة للتحليل الزائد لنفسياتهم. إال أن هناك دامئا أمرا واحدا سليام ومفيدا للغاية وهو أن يتمكن املرء فعال من التواجه مع نقائصه تواجها شخصيا مبارشا. أما القديس بولس الرسول فيذهب إىل أبعد من ذلك فيقول أن من يتفح ص نفسه ويحاسبها لن ي دان: فل و حاس ب نا أ ن ف س نا ل لام ك ن ا ن دان. )1 كورنثوس )31 :11 أن أهم ما يف املوضوع هو أن يكون اإلميان باملسيح مصاحبا لعملية محاسبة الذات ألن املسيح يريد تحريرنا من الخطيئة. فمن دون هذا اإلميان سوف يأخذنا االنشغال بالذات إىل أن نبدأ بالتشكيك يف جميع دوافعنا عند القيام بأي عمل ما وأن نفقد أي أمل يف إمكانية تغي نا وتحس ن حالنا. وأخرا سوف يسبب لنا االنشغال بالذات اكتئابا كبيرا إىل درجة أنه يبعدنا كليا عن الله. ومن كل ما ذ كر أعلاله فإن النقطة الرئيسية التي أريد توضيحها هي أن فهم موضوع اإليحاء الذايت ينبغي

53 التحر ر من األفكار األثيمة 53 أن يأخذنا إىل اإلحساس باملسؤولية حتى لو كان هذا الفهم بسيطا أو غير كامل. فلو تسلحنا بهذه املسؤولية ألمكننا أن نسعى إىل إعادة بناء وترميم نقاط الضعف يف حياتنا الروحية التي يهاجمنا الشيطان فيها وبهذه الطريقة سوف نحر ر طاقاتنا من أجل تقديم أعامل املحبة وخدمة اآلخرين من حوالينا باستمرار. ولو استنزفنا كل جهودنا البرشية يف تجنب حصول أي إخفاق يف رصاعاتنا الروحية ملا بقي عندنا أية طاقة لننظر خارج نطاق رصاعاتنا وال أية طاقة لنحب ونخدم اآلخرين. فهناك حل واحد فقط ال غره أال وهو: االنرصاف عن همومنا وااللتفات إىل الرب يسوع املسيح وإىل إخوتنا وأخواتنا يف املسيح وأيضا إىل معاناة أخينا اإلنسان أينام كان. فلو فعلنا ذلك لرأينا أن الرب يسوع ما هو برب خال من الرحمة فلال داعي للعيش يف خوف مستمر ومتحور حول الذات واالنشغال الزائد بالذات. فالله إله محبة وينعم باألمل والحياة الجديدة لكل من يطلبه.

54 7 الوقوع أسير األفكار بني فرتة وأخرى حاالت فكرية تنتاب معظم الناس مزعجة وم نغ صة لحياتهم يتعذبون فيها وذلك بسبب وقوعهم أرسى لفكرة معينة ت ع ل ق بأذهانهم ويعجزون عن التخل ص منها. فقد تكون هذه الفكرة مجرد أغنية تدور يف بالنا أو ترنيمة أو صورة سليمة أو غير ضارة لكن حتى لو كانت أمورا إيجابية فسوف تبقى املشكلة نفسها وهي: استياء وتدمر نفيس. أما عندما تكون هذه الفكرة رشيرة فسوف يأخذنا عجزنا عن التخلص منها رغم جميع محاوالتنا إىل معاناة روحية كبرة. ورمبا تكون هذه الفكرة الرشيرة عند البعض مسألة حسد أو غرة يف حني يتعذب البعض اآلخر من جراء الظ ن باآلخرين وعدم الثقة بهم أو من جراء أفكار الحقد لكن يبدو أن هناك آخرين ما يزالون يصارعون الصور واألفكار الشهوانية بال نهاية. 54

55 التحر ر من األفكار األثيمة 55 وقد رأينا كيف تأخذنا الهموم من أية فكرة ن بتل بها يف اتجاه واحد ال غره وهو دوامة من التخب ط والتدهور الداخلي وهذا ما يحصل أيضا عندما نعقد آمالنا عى أمور غر صحيحة وال نستعني بالله بل نأمل التغلب عليها عن طريق التصدي لها بأفكار مضادة. ويف الواقع فقد رأيت أن الذين يبذلون قصارى جهدهم ليقحموا عنوة يف أذهانهم فكرا مسيحيا خالصا حتى لو كان فكرا شبيها بفكر املسيح قد ابتلوا أحيانا رغم ذلك بأرش األفكار عى اإلطلالق مثل أفكار التجديف على الله وأفكار القتل وذلك ألن محاوالتهم قامئة عى جهود برشية بحتة. فلام العمل إذن يوجد أمران رضوريان بحسب خلربيت. األول يجب علينا أن نتذكر بأننا لسنا الوحيدين يف مثل رصاعنا هذا ألنه من السهل علينا أن ننىس هذا السيام عندما يطول رصاعنا الروحي أو يستفحل. وبحسب ما رأيته خالل السنوات التي قدمت فيها املشورة الرعوية للناس فأن الرصاع الروحي أمر موجود عى صعيد الكون كله. ورمبا ميكن التغلب عليه ولو جزئيا عن طريق أن يفتح الشخص امل عذب قلبه لشخص آخر يثق به ويتحدث معه سواء كان قسيسا أو كاهنا أو رشيك حياة أو مرشدا حكيلام أو صديقا حميام. ثانيا يجب أن نبقى واثقلني من وجود مخرج لهذه

56 التحر ر من األفكار األثيمة 56 األزمة. ألنه ومبجرد استسالمنا لشياطني عدم الثقة بالنفس وشياطني الخوف فنحن من الخارسين سلفا يف املعركة. ويكتب األخص ائ يف علم االجتامع السويرسي الفرنيس تشارلز بودوان ما يل: عندما يستمر تركيزنا يف الوقوع أسير األفكار مرة تلو األخرى فسوف يخي ل لنا أنه ليس بإمكاننا بعد اآلن أن نلرصف انتباهنا عن تلك الفكرة التي ع ل قنا بها. أما اليشء التايل الذي سوف يحصل فهو أن هذه الفكرة سوف تتجس د إىل حد ما بحيث نعتقد بأنه من غر املمكن التحر ر منها بعد اآلن. فلرنى هنا أن اإليحاء آخذ بالعمل ليلعب دوره السلبي. وعند هذه املرحلة ال ميكننا يف الحقيقة أن نفعل أي يشء لتحسلني الوضع. لذلك نرى أننا قد قمنا شخصيا وبصورة ال إرادية تقريبا بخلق إيحاء العجز يف داخل نفوسنا. يف نظري أن شعور اإلنسان بالعجز أو بالشلل إزاء الرش يكون على األرجح حالة قريبة من حالة املس الشيطاين حتى أنها قد تكون مس ا شيطانيا بالفعل أي مبعنى أن روحا شيطانية تسكن الشخص. لكن يجب الرتيث عند استعامل هذه الكلمة ألن هناك حالة قد نشعر فيها أن األرواح الرشيرة قد استحوذت علينا لكن مع ذلك ال

57 التحر ر من األفكار األثيمة 57 ندعها تستحوذ علينا كليا. أما الحالة التي يسميها اإلنجيل باملس الشيطاين فال تشمل سوى حالة هيمنة قوة الرش على الشخص هيمنة كاملة وتستحوذ عليه متاما. ويجب أن نعلم بأن هناك اليوم الكثر من الناس يف مثل هذه الحالة فعال. ويف عاملنا الذي يجري فيه تربير كل يشء وتحليله باالستعانة بطب النفس وبطب األمراض العقلية فعادة ما نستسهل استبعاد فكرة املس الشيطاين. وترانا لدينا تسمية طبية لكل مرض وأيضا دواء لكل مرض عى ما يبدو. لكن مع ذلك هنالك عدد كبير جدا من الناس الذين ال يفيدهم طب األمراض العقلية بشيشء بتاتا! وقد تساءلت أنا شخصيا: ماذا سيحصل لو زار يسوع املسيح مستشفياتنا العقلية الطافحة باملرىض فكم مريضا سيراه ممسوسا بأرواح رشيرة وكم رجال وامرأة سراهام خارج نطاق قدرة الطب البلرشي وبحاجة ماسة إىل ملسته املحر رة هو ويف النهاية تبقى حقيقة واحدة سارية املفعول سواء كان الشخص ممسوسا بأرواح رشيرة أو مجرد مدفوع بها وهذه الحقيقة كاآليت: ال يوجد غير السيد املسيح من هو قادر بروحه القدوس عى طرد الظلمة والحزن والخوف الساكن يف ذلك الشخص. أما بالنسبة إىل البعض

58 التحر ر من األفكار األثيمة 58 منا من الذين ليسوا عندهم هذا العذاب الذي يسببه الوقوع يف شباك األفكار فإن إدراك هذه النقطة البد أن يوس ع آفاقهم ويساعدهم عى معاملة أولئك املكبلني بها معاملة صبورة ورؤوفة جدا. فنصيحتنا لشخص واقع يف رشاك رصاع روحي هي االلتفات إىل السيد املسيح والسلامح له مبسك مقود حياته الروحية بيديه وانتشاله من ذلك الرشاك. وال نريد أن نصب اهتاممنا هنا عى تصنيف الخطايا بل على اإلقرار بالحقيقة وهي أن مكايد إبليس هي قوى حقيقية حقا. فهي سلالطني الظلمة ووالة العامل عى ظلمة الدهر وأجناد اللرش الروحية يف السلامويات التي كتب عنها ك ت اب إنجيل العهد الجديد. فلو أدركنا هذا فسوف نلتفت إىل كالم السيد املسيح الرائع بشأن نرصته املوعودة فقد قال: و ل ك ن إ ن ك ن ت ب ر وح الله أ ط ر د الش ي اط ني ف ق د أ ق ب ل ع ل ي ك م م ل ك وت الله. )متى 28( 12:

59 8 قمع األفكار أن بعض األفكار الرشيرة ميكن على الرغم من إبعادها بسهولة )أو التغلب عليها بصلالة قصيرة ( إال أن هناك أفكارا أخرى يصعب كثرا طردها. ويف حالة كهذه أي عندما تستويل علينا أفكار رشيرة وتخلق توترا روحي ا فينا فغالبا ما يكون رد فعلنا الطبيعي عليها لحل املشكلة هو أن نقمعها ونكبتها بداخلنا: أي إرجاعها ودفعها إىل أعلامق عقلنا الباطني يف الالوعي ))) لغرض التخل ص منها برسعة. غر أن هذه الطريقة ال تنجح أبدا. ألنه وبحسب ما بني لنا العلامء والباحثون مثل العامل فرويد وعدد ال يحصى من العلامء اآلخرين فإن أية فكرة محبوسة سوف تعود وتطفو دامئا عى السطح وتظهر ثانية متاما مثلام تفعل القنينة الفارغة واملسدودة بفلينة عندما نغمسها إىل داخل املاء فرناها ))) الالوعي هو عقلنا الباطني الذي ترتاكم فيه كل املؤثرات الخارجية سواء كانت إيجابية أو سلبية. 59

60 التحر ر من األفكار األثيمة 60 ترتفع ثانية وتطفو فوق سطح املاء مبجرد أن نرتكها. ولحل هذه املشكلة ال يوجد أي سبيل للتخلص من القنينة سوى أن نلتقطها ونرفعها من املاء كليا ونلقيها إىل خارج املاء برمته. أي مبعنى أن أفضل طريقة مؤثرة ليتخلص ذهننا حقا من أي فكرة مقموعة ال تكون عن طريق تحاشيها أو تناسيها بل عن طريق التعامل مع املوقف ومواجهة الفكرة املقموعة مواجهة مبارشة ومن ثم رفضها لليك نتخلص من التوترات واالضطرابات الروحية حتى لو كانت هذه العملية مؤملة ومليئة بالشدائد. أما االستنتاج الذي خرج به فرويد لحل هذه املشكلة فلال أتفق معه بطبيعة الحال حيث قال:»ينبغي أن يقل ل الشخص من التوتر النفليس عن طريق العمل مبا متليه عليه الفكرة املكبوتة وتطبيقها.«وسبب عدم اتفاقي معه هو أن بعض األفكار قد تكون رشيرة وال يجوز إطاعتها وتطبيقها فعلي ا. ولتوضيح آثار القمع أو الكبت الذهني فقد استعان األخص ائ يف علم االجتامع السويرسي الفرنيس تشارلز بودوان بصورة م جازي ة أخرى فقال: عندما تسقط ورقة نباتية من أحد األغصان يف جدول ماء قبل جريانه إىل داخل جوف األرض )أو

61 التحر ر من األفكار األثيمة 61 قد تكون ورقة نرميها نحن عمدا إىل ذلك الجدول(.... سوف تخرج ثانية عند الفتحة األرضية التالية ألن الجدول الذي يجري تحت األرض يحملها بأمانة وإخالص إىل هناك حتى أنها كانت يف مأمن من أي تدخل خارجي عليها. وعى املنوال نفسه فإن أية فكرة يجري تقدميها إىل أذهاننا )أو نقدمها نحن مبحض إرادتنا( سوف تصنع تأثراتها بعد مدة من التبلو ر قد تقرص أو تطول يف العقل الباطني دون أن نعي بها. أن املاء والورقة يرمزان إىل حياتنا الروحية. فعندما نخزن صورة أو فكرة إيجابية يف قلوبنا فسوف تبقى فينا وتعمل فينا لغاية ظهورها ثانية يف مجرى األفكار اإلرادية. ويصح هذا الكالم أيضا لو آوينا صورة أو فكرة رشيرة. فقد تكون تلك الصورة الرشيرة أو الفكرة الرشيرة محبوسة ملدة طويلة من ق بل العقل الباطني لكنها تظهر فجأة حتى أننا نبدأ نفهم عندما نتذكر بأن تأثرها السلبي كان بالحقيقة قد بدأ تدريجيا بالظهور قبل مدة طويلة دون أن ننتبه إليه. ويف عمل خدمة املشورة التي كنت أقدمها قابلت أشخاصا كانوا يعيشون يف رعب كبير من األفكار أو املشاعر الرشيرة بحيث كانوا دامئا يكبتون كل ما يراود

62 التحر ر من األفكار األثيمة 62 أذهانهم. وقد عاش بعض من هذه النفوس املسكينة يف حالة من الشد النفليس بحيث كانوا يرتعبون حتى من فكرة التجربة بحد ذاتها فكانوا يخشون كل يوم حتى من فكرة إمكانية تعرضهم للتجربة يف ذلك اليوم: فكانوا يعيشون يف خوف مستمر من حالتهم النفسية. ال ميكن ألي إنسان أن يبقى معاف ذهني ا لو كان يف وضع مشحون ويف حالة نفسية متوترة كهذه ملدة طويلة. وهو بالحقيقة رسعان ما يغدو ال فرق بينه وبني املصاب مبرض العصاب الذي تؤدي جميع محاوالته للتحر ر إىل زيادة تعقيده النفيس أو بلني املصاب بالفصام الذي غالبا ما تؤدي محاوالته ملقاومة )أو التهر ب من( األصوات أو الهلوسات إىل تقوية هذه األوهام وتدهور حالته. وميكننا االستعانة مبثال آخر من الطبيعة لتوضيح النقطة كام يلي: فتشبه الحياة الروحية لشخص كهذا بالونا منفوخا زيادة عن اللزوم ما يؤدي إىل انفجاره يف نهاية األمر م طل قا موجة كبيرة من األفكار واملشاعر املكبوتة كلها مرة واحدة. ونقول هنا أيضا بأنه ال ميكننا الحصول عى أي عون روحي للخروج من هذا املأزق سوى عن طريق إدراكنا بأنه ليس مبقدورنا التغلب عى أي رصاع روحي باالعتامد عى قوة إرادتنا البرشية. لذلك يجب علينا أن نطمنئ ونهدأ

63 التحر ر من األفكار األثيمة 63 نفسيا. فكل واحد منا يعرف مبا يف أعامقه وماذا يريد حقا وماذا يشتاق إليه ثم أننا حتى لو أحسسنا بأننا مضطربون وغر مرتاحني نفسيا لوجب علينا السعي إىل الرتكيز ثانية عى ذلك االشتياق. أما الله فيحبنا ويريد مساعدتنا حتى لو تعرضت هذه املحبة إىل مداهمة الشكوك. فهو القادر على مساعدتنا يف التغلب على مخاوفنا. ويجب أيضا أن نتذكر أن محاوالتنا يف محاربة املشاعر غر املرغوب فيها باالستعانة مبشاعر أخرى إمنا هي طريقة ال تجدي نفعا. فال يوجد أحد فينا قادر عى إصالح نفسي ته بنفسه لكن ميكننا أن نتوك ل على الله. فهو يعلم مبا يف صميم قلوبنا ويقدر أن يري حها مثلام يطمئننا اإلنجيل: وي جيء الر وح أيض ا ل ن جد ة ض عف نا. فن حن ال ن عر ف كيف ن صل كام ي جب ولك ن الر وح ي شف ع ل نا ع ند الله بأن ات ال ت وص ف. والله ال ذي يرى ما يف الق لوب ي عر ف ما ي ريد ه الر وح وكيف أن ه ي شف ع ل لقد يسني مب ا ي واف ق م شيئت ه. )رومة 26 27( 8:

64 9 اإليمان بالمسيح للعذاب الروحي هو اإلميان بالله. العالج الوحيد وقد يبدو هذا الكالم مبالغا يف تبسيطه لكن اإلميان هو حقا الثغرة الوحيدة التي ميكن للنور اإللهي اقتحام حياتنا من خاللها ويوافينا بالشفاء والخلالص من اللرش. واإلميان يشبه النعمة اإللهية التي و ه بت إلينا باملسيح فهو رس عجيب وغر قابل للتفسير. وقد يبدو اإلميان يف نظر الشخص الذي مل يختلرب قدرته لحد اآلن بأنه أمر بعيد عنه حتى أنه يتعذ ر تحقيقه. ثم أن اإلميان ال ميكن اكتسابه بقرار من اإلرادة الشخصية لإلنسان: فهو هبة إلهية. لكن مع ذلك ميكن لإلميان أن يوهب لكل من يطلبه. كام يقول يسوع املسيح: ا ط ل ب وا ت ج د وا. )متى 7( 7: 64

65 التحر ر من األفكار األثيمة 65 فالنقطة املهمة هنا هي التوك ل عى الله. وال يتوقف اإلميان عى حجج منطقية أو نظريات أو أنظمة الهوتية أو تفسيرات فكرية أخرى. إنه معتقد روحي السيام يف ظل غياب كل هذه األشياء. فكان للسيدة مريم العذراء القديسة كل األسباب الوجيهة للتشكيك باملالك جربائيل الذي جاء إليها من عند الله ليبرشها بأنها حبى بيسوع املسيح قبل أن يعرفها زوجها لكنها بدال من ذلك آمنت: ف ق ال ت م ر ي م :»ه و ذ ا أ ن ا أ م ة الر ب. ل ي ك ن يل ك ق و ل ك.«ف م ضى م ن ع ن د ه ا ال م لال ك. )لوقا 38( 1: فقبلت كلمة الله يف قلبها. نعم من املمكن أن يكون اإلميان بهذه البساطة. والعديد من الناس لديهم بالتأكيد إميان إىل حد ما فهم يعرفون شيئا عن السيد املسيح ويقول قلبهم لهم: ها هو ذا من أقدر أن أثق فيه. لكن مع ذلك لدى كل منا مشاعر الخوف والقلق وغالبا ما تؤدي هذه األشياء إىل ارتياب وتحفظات. فهناك يشء يف داخلنا يبحث عن املسيح ويف الوقت نفسه هناك يشء يف داخلنا ميسكنا ومينعنا ويجعلنا غير راغبلني يف االنفتاح عليه كلي ا. لكن االنفتاح بالذات هو ما يجب علينا القيام به. فاالنفتاح هو الخطوة األوىل نحو اإلميان.

66 التحر ر من األفكار األثيمة 66 أن محبة الله موجودة دامئا حوالينا سواء قبلناها أو مل نقبلها. كام كتب املفكر الفرنيس باسكال Pascal يف كتابه»بنليس»Pensées الذي يعني»أفكار«فقال:»أنت تبحث عن يسوع ألنه هو الذي وجدك أوال.«فينبغي أن تساعدنا هذه الكللامت على أن ندرك بتواضع أن يسوع املسيح يحبنا قبل أن نحبه. ورمبا يكون قد بدأ سلفا بالعمل يف قلوبنا حتى لو مل نكن عى علم بذلك. واإلميان بطبيعة الحال ال يبدلنا ويغير حياتنا بطريقة سحرية: فالعدو مرتصد لنا دامئا وسوف يحاول دامئا التفتيش عن نقاط الضعف عند الشخص بغية إسقاطه أو إسقاطها. ثم أنه ال يكفي أن نقدم إىل السيد املسيح سوى ما هو حسن فينا وال يكفي أن نقدم له سوى خطايانا وأعبائنا. فهو يريد كل يشء فينا. فلو مل نأمتنه كلي ا عى نفوسنا فلن نحصل أبدا على التحر ر والسلالم الروحي الذي يعدنا به. والربكة التي تحل علينا باإلميان باملسيح تطلب منا حتى أكلرث من هذا. إنها تطلب الطاعة: م ن ي ؤ م ن ب اال ب ن ف ل ه ال ح ي اة األ ب د ي ة. و م ن ي ر ف ض أ ن ي ؤ م ن ب اال ب ن ف ل ن ي ر ى ال ح ي اة. ب ل ي س ت ق ر ع ل ي ه غ ض ب الله. )يوحنا 36( 3:

67 التحر ر من األفكار األثيمة 67 غالبا ما نقوم بصنع إيحاء تعجيزي يف عقلنا الباطني بسبب مخاوفنا وهذا اإليحاء مفاده أننا عاجزون عن إيجاد أية مساعدة وعن الحصول عى أية معونة. وملا قال يسوع املسيح: الحق الحق أقول لك م: إن ك نت م ال تأك لون جس د ا بن اإلنسان وال ت رش بون د م ه فل ن تكون فيك م الحياة. )يوحنا 53( 6: فقد رأى الناس حتى أقرب أتباعه أن هذا الكالم صعب القبول فرتكه كثرون. لكن ملا سأل يسوع تالميذه االثني عرش: فأجابه بطرس: وأنت م أما ت ريدون أن ت رت كوين م ث ل ه م )يوحنا )67 :6 يا رب إ ىل م ن ن ذه ب وك الم الح ياة األ ب د ي ة ع ند ك ون حن آم ن ا وع ر فنا أ ن ك ق د وس الله. )يوحنا 6: )69 68 فلام دام لدينا إميان كهذا فسوف نرى أن الرب يسوع

68 التحر ر من األفكار األثيمة 68 قادر بل سوف يفعل كل يشء لنا أيضا. ويف هذا الصدد فقد كنت أحس دامئا بأن رمز دم املسيح يف غاية األهمية. ألن تنقية نفوسنا من الخطايا الذي يقدمه لنا املسيح مجانا ليس تعليام جديدا أو عقيدة جديدة بل إمكانية جديدة إلقامة عالقة شخصية معه. إنها حياة: أنا هو خ بز الحياة. م ن جاء إ يل ال ي جوع وم ن آمن ب ال يعط ش أبد ا. )يوحنا 35( 6: وقال يسوع املسيح أيضا: الحق الحق أقول لك م: م ن آمن ب فل ه الحياة األبدي ة. )يوحنا 47( 6: وأكرث يشء مؤثر هو ما وصفه القديس يوحنا الرسول عن الوعد الرائع الذي يقدمه يسوع املسيح لكل منا خالل جميع األزمنة واألوقات مهام اكتأب وضع الظروف أو صع ب الطريق: ووق ف ي سوع يف آخر يوم م ن العيد وهو أعظ م أي ام ه فقال بأعى صوت ه :»إن ع ط ش أح د م ن ك م

69 التحر ر من األفكار األثيمة 69 ف ل ي أ ت إيل و ي لرش ب. و م ن آم ن ب س ت ف ي ض م ن أعامق ه أن هار ماء ح ي ك ام ي ق ول الك تاب.«)يوحنا )38 37 :7 فبدون يسوع املسيح ال نحصل عى أي سلالم. وهو يبقى موجودا من أجلنا ووفيا حتى ألولئك الذين يرتكونه مثلام فعل العديد من الناس يف زمانه عندما رأوا أن كالمه يصعب قبوله كام يبقى يسوع املسيح موجودا ووفيا لنا أيضا حتى عند الساعات املظلمة العسيرة عندما يرتنح إمياننا. ثم أنه يحر رنا ليس يف سبيل هذه الحياة فحسب بل أيضا يف سبيل الحياة األبدية. لهذا السبب نصل من أجل أنفسنا ومن أجل كل رجل وكل امرأة ومن ضمنهم أولئك املؤمنني: ساعدنا يا رب. فنحن بحاجة إليك وبحاجة إىل جسدك وإىل روحك وإىل موتك وحياتك وإىل رسالتك لجميع الخليقة.

70 10 االستسالم هلل اإلميان نعمة إلهية لرتتب عن ذلك لو آمنا بأن وجوب قبول هذه النعمة اإللهية بكامل الرتحاب والفرح والحامس ليك نحصل عليها فعال. ويجب أن نستلمها كلام هي ومثللام توهب لنا دون أن نغي ها وذلك لليك تحصل إرادة الله يف حياتنا وليس إرادتنا فال يجوز لنا أن منل عليها مسار حياة معلني لتأخذنا به وال منلي عليها طريقة معينة لتغيير حياتنا بها. وباختصار فأن قبول اإلميان بالله معناه التخلي عن كل ما لدينا من إميان وثقة بجهودنا البرشية إلصالح نفسنا بنفسنا أو لصنع أي تغيير كان يف أي مجال من مجاالت الحياة بقدراتنا الذاتية. وقبول اإلميان بالله معناه أيضا املجيء إىل الله كأشخاص ضعفاء ال حول لهم وال قوة إال به ليتمكن من العمل يف نفوسنا مثلام قال يسوع املسيح إىل الرسول بولس يف اإلنجيل:»يف الض عف ي ظه ر ك امل ق در يت«2( كورنثوس.)9 :12 70

71 التحر ر من األفكار األثيمة 71 يف الكتاب املسيحي العريق املعروف باسم»الراعي«استعان كاتبه هرماس الذي كان من املسيحيني األوائل مب ث ل رائع يبني لنا أهمية تجريد نفوسنا من قوتنا البرشية. وقد شب ه ملكوت الله بهيكل عظيم من املرمر وعملية تشييده جارية دامئا وقد تتألف حجارة الب ناء من أي رجل أو امرأة يف هذه الدنيا. والحجارة التي تبدو صالحة للب ناء يقوم الحج ار األستاذ بنحتها ولو توافقت مع الب ناء فسوف يستعملها الحج ار. أما الحجارة التي ال تتوافق مع الب ناء فالبد أن يرذلها الحج ار. ويف نظري فأن هذه الصورة فيها معنى بسيط لكنه عميق: فالله ال يقدر أن يستعملنا إال عندما نرىض بأن ينح تنا هو بيده يف سبيل مقاصده أي مبعنى إال عندما نستسلم له ليستعملنا يف سبيل خدمة حاجاته وقضاياه هو. ما هو االستسلالم الحقيقي قد يستسلم شخص لشخص أقوى منه أو جيش لجيش أقوى منه. وقد نستسلم نحن البلرش لله ألنه قادر على كل يشء أو ألننا نخاف عقابه. لكن ك ال السببني ليسا استسلالم كامل لله. فلال يحصل االستسلالم الكامل إال عندما نلمس طيبة الله وصالحه وبأنه هو وحده الصالح ففي هذه الحالة فقط ميكننا االستسلالم لله من كل قلوبنا ومن كل نفوسنا ومن كل كياننا طوعيا ومن دون إكراه ومن دون رشوط وبدافع املحبة.

72 التحر ر من األفكار األثيمة 72 وقد قال يل مرة والدي ايربهارد آرنولد عن هذا املوضوع ما يل: من الصعب أن أصف كيف يتم نزع قوتنا البرشية منا وكيف يجب رميها عنا وتجريدنا منها ووضع حد لها وطرحها عنا.... وال تتحقق هذه العملية بسهولة وال تحصل بفضل قرار بطويل. فيجب أن يصنعها الله فينا. فهذا هو أساس النعمة اإللهية الذي يعني: تجريدنا من قوتنا البرشية. فلام مل نصل إىل درجة تجريد قوتنا البرشية فال يستطيع الله أن يعمل فينا من خلالل روحه القدوس وزرع قضيته املقدسة فينا.... بطبيعة الحال أن الخطوة األوىل التي يجب أن نتخذها هي أن نسأل الله ليدخل قلوبنا. وال يعني هذا أنه ليس بإمكانه أن يتحرك أو ال يرغب يف ذلك من دون أن نسأله وإمنا يعني أنه ينتظرنا لنفتح حياتنا له من غر إكراه. ه ا أ ن ا و اق ف خ ار ج ال ب اب أ ق ر ع ه. إ ن س م ع أ ح د ص و يت و ف ت ح ال ب اب أ د خ ل إ ل ي ه ف أ ت ع شى م ع ه و ه و م ع ي. )رؤيا 20( 3:

73 التحر ر من األفكار األثيمة 73 ويتساءل العديد من الناس: ملاذا ال يفرض الله إرادته عليهم ما دام له ذلك الجلربوت والجواب هو أن هذه هي ببساطة طبيعة الله. فهو ينتظرنا لنكون مستعدين له. وبالرغم من أنه يؤدب الذين يحبهم ويدعوهم إىل التوبة لكنه ال يفرض أبدا صالحه عليهم. ولتوضيح هذه النقطة نضرب املثال التايل: فلو حاول أحد اآلباء أن يفرض نواياه الصالحة عى ابنه وذلك عن طريق األخذ بخناق ولده والقبض على رقبته وإجباره باإلكراه على قبولها لشعر الولد غريزيا بأن ترصفا كهذا بعيد كل البعد عن املحبة. ولهذا السبب ال يفرض الله إرادته على أي إنسان كان. لذلك نرى اآلن أننا نتواجه تلقائيا مع سؤال هام جدا وهو كاآليت: هل نرغب يف تسليم أنفسنا لله طوعيا ومن دون إكراه وأن نفتح أبواب قلوبنا ليدخل صالحه وميأل حياتنا كلها وللزيادة يف التأكيد فأن الرصاعات التي عل قنا أهمية عليها يف هذا الكتاب تبلني لنا أن مثل هذا االستسلالم لله ليس سهال أبدا ألنه يحصل يف محيط ملء بقوى رشيرة جبارة حتى أن يسوع املسيح بحد ذاته جاهد جهادا رشسا لليك يسل م إرادته إىل اآلب السلاموي لدرجة أن عرقه صار ينزل كقطرات دم:

74 التحر ر من األفكار األثيمة 74 و إ ذ ك ان يف ج ه اد ك ان ي ص لي ب أ ش د ل ج اج ة و ص ار ع ر ق ه ك ق ط ر ات د م ن از ل ة ع لى األ ر ض. )لوقا 44( 22: فاللرش كان قد طو قه من كل الجهات لكنه مع ذلك ب ق ي وفي ا لله وكان موقفه: ل ت ك ن ال إ ر اد يت ب ل إ ر اد ت ك. )لوقا 42( 22: ويجب أن يكون هذا موقفنا أيضا. وغالبا ما تصادفنا يف حياتنا أصعب الحاالت دون أن نفهم سببها مثل فواجع غير متوقعة أو حالة وفاة أو معاناة معينة أو فقدان مفاجئ. وهكذا الحال مع الرصاع ضد األفكار األثيمة. ففي الوقت الذي نتأكد من الفوز يف معركتنا مع عقبة روحية معينة ويف قمة نشوة النرصة فإذا بإبليس يداهمنا من جديد. والحل هنا يكمن أيضا يف االستسلالم الكامل للرب يسوع املسيح. هذا وأن املرور بأوقات عصيبة مكتوب عى جميع الناس لكن بالنسبة إىل بعض الناس فإنهم يستصعبون قبول هذه الحقيقة والدخول يف أوقات عصيبة بل حتى أن قسلام منهم ال يقبلها باملرة ويبدو رصاعهم لقبول الشدائد وكأنه حاجز منيع ال ميكن التغلب عليه.

75 التحر ر من األفكار األثيمة 75 ولغرض تشجيعهم باالستسلالم لله وإلرادته ينبغي من ناحية أخرى أن ال ينسىس هؤالء الناس وينبغي أن ال ننسىس كلنا أن النلرصة األخيرة هي لله مثلام يشهد لنا بذلك اإلنجيل: ث م رأ يت س لامء ج ديدة وأرض ا ج ديدة ألن الس لامء األ وىل واألرض األوىل زال تا. )رؤيا 1( 21:

76 11 االعتراف بالخطايا يف املقطع اإلنجيلي املبلني يقول يسوع المسيح أدناه أننا ما دمنا نسعى إىل خدمة سيدين فمعنى ذلك أننا نعيش يف الظلمة. ملاذا ألننا لو خدمنا أمورا رشيرة بجانب خدمتنا لله فهذا مزيج رشير بحت ألننا ال ميكننا خلط الظلمة مع النور فإما أن نعيش للنور وإما للظلمة. والسبب يف ذلك الخليط هو أننا ما نزال نعيش يف الخطيئة والذنوب. رس اج الجسد هو الع ني. فإن كان ت ع ين ك س ليم ة كان جس د ك ك ل ه م نير ا. وإن كان ت ع ين ك م ريض ة كان جس د ك ك ل ه م ظل ام. فإذا كان الن ور ال ذي فيك ظ الم ا فيا ل ه م ن ظلالم! ال ي قد ر أح د أن ي خد م س ي د ين ألن ه إم ا أن ي بغ ض أحد ه ام وي حب اآلخ ر وإم ا أن ي تبع أحد ه ام وي نب ذ اآلخ ر. فأنت م ال ت قد رون أن تخد موا الله واملال. )متى 22 24( 6: 76

77 التحر ر من األفكار األثيمة 77 فكيف إذن ميكننا الحصول عى قلب غر منقسم عى نفسه وذي هدف واحد ليك يأخذنا إىل نور املسيح ولإلجابة عى هذا السؤال عن كيفية رؤية نور املسيح يجب أن نتأكد أوال من أن عيوننا الروحية طاهرة ونقية ومل تتلط خ بعار خطيئة غر معرتف بها لحد اآلن. فام دمنا نبقى محمللني بذنب مختبئ يف دواخلنا فلن نحصل عى تحر ر كامل وال فرح: فسوف تبقى العلني مريضة ويبقى معها الجسد كله يف الظلمة. أن تعريف االعلرتاف بالخطايا سهل للغاية فهو عملية رفع أعباء الخطايا عن كاهلنا وذلك مبصارحة أحد األشخاص بها بغية التحر ر من وطأتها لكن تطبيقه ليس سهال أبدا. كام كتب األخص ائ يف علم االجتامع السويرسي الفرنيس تشارلز بودوان: عندما ندرك بأننا نحن شخصيا كنا السبب من وراء شقائنا عندما أوقعنا أنفسنا يف الخزي باقرتافنا للخطايا امل عيبة فيحمل هذا اإلدراك يف طياته شعورا بالعار والذل إىل درجة كبرة بحيث نستحي ونشعر من جرائه باملهانة وبالتايل منتنع عن االعلرتاف بذنوبنا.

78 التحر ر من األفكار األثيمة 78 ويردف قائال: لكن لهذا السبب بالذات أي عندما صنعنا شقائنا بأيدينا فمن املهم جدا أن نكون صادقلني متاما بشأن إخفاقنا لليك نحصل عى الشفاء. وعلى الرغم من وجود النصيحة الواضحة التي نراها يف رسالة القديس يعقوب الرسول يف اإلنجيل: لي ع رت ف ب عض ك م ل ب عض ب خطاياه. )يعقوب 16( 5: إال أن الكثير من املسيحيني يف يومنا هذا يشككون يف الحاجة إىل االعلرتاف بالخطايا لشخص آخر. فيلرصف البعض نظره عنها باعتبارها فكرة»كاثوليكية«بحتة يف حلني يؤكد آخرون على أهمية العالقة الشخصية الخاصة مع الله ويجادلون بأنه يكفي أن نقد م بخطايانا إليه. لكن األخيرة حجة ركيكة: ألن الله يعلم سلفا بخطايانا مثلام يعلمنا اإلنجيل: و ل ي س ه ن ال ك م خ ل وق و اح د م ح ج وب ع ن ن ظ ر الله ب ل ك ل يش ء ع ر ي ان و م ك ش وف أ م ام ع ي ن ي ه ه و ال ذ ي س ن ؤ د ي ل ه ح س ابا. )عربانيني 13( 4:

79 التحر ر من األفكار األثيمة 79 فام مل نخطو خطوة أكرب من مجرد إدراك خطايانا ومن ثم االعرتاف بها لشخص آخر فلن نتحر ر من وطأتها. عندما تتضمن أعبائنا الروحية خطايا نحن عى علم بها كام هو الحال يف أغلب األحيان فيجب االعرتاف بها اعرتافا كاملال. ويؤكد هنا األخص ائ بودوان عى رضورة»الصدق التام «ألنه بدون الصدق التام يستحيل الحصول على ضمير طاهر حقيقي. غر أننا يف بعض الحاالت قد نشعر أحيانا بأننا تعرضنا ملداهمة الرشير بوجه عام. فنخشى من هذا املوضوع يف تلك الحاالت ألننا ال ندري بالضبط فيلام إذا كنا قد استسلمنا للرش أو قد قرص نا يف الرد عليه أو قد ت هاو ن ا واست خف فنا به. فلو دام عذاب كهذا لوجب االعرتاف به أيضا. لكن ال يعني هذا الحفر يف العقل الباطني للتنقيب عن كل ما هو صغير وتافه. فحيثلام يعل منا الله من خلالل ضمرنا بوجود معصية معينة فينبغي عندئذ أن نعلرتف بها وإزالتها لي غف ر لها. لكن ينبغي أن ال يجعلنا االعلرتاف مهتملني زيادة عن اللزوم بأنفسنا وعدم االكلرتاث باحتياجات اآلخرين ومعاناتهم ومشاعرهم ألن الغاية من االعرتاف هي دامئا التحر ر وليس ازدياد االنشغال بالذات. فام نرمي إليه هو أن نؤمن بالسيد املسيح ال بأنفسنا العاجزة. )أي مبعنى أن نعرث عى يسوع املسيح الذي هو مصدر التعزية والفرح والتحر ر ومحبة الناس اآلخرين وليس العثور عى النفس

80 التحر ر من األفكار األثيمة 80 البرشية العاجزة التي هي مصدر الغم والكآبة والتقي د.( أن اإلميان والضمر الصالح متشابكان كلي ا أحدهام مع اآلخر. فلو مل نستمع لضامئرنا فسوف نفقد إمياننا. ولو فقدنا اإلميان فسوف نفقد إمكانية التحلي بضمر حي وطاهر. فلذلك يقول الرسول بولس يف اإلنجيل بأن ضامئر أولئك الذين ال يؤمنون نجسة. وهذه نتيجة حتمية ألنه بدون إميان ليس لدى الضمر ما يتمسك به. ولو نظرنا إىل أبعد من ذلك فمن الواضح أننا عندما نعلرتف بخطيئة معينة لشخص نثق به ونحبه فسوف تتول د رابطة جديدة بيننا بفضل االعلرتاف بذنوبنا يكون أساسها املسيح وليست مجرد عالقات سطحية أو مجرد عالقات قرابة بحتة مليئة باملساومات عى وصايا الله. ويعل ق يسوع أهمية بالغة عى عالقة كهذه كام هو مبني من خلالل تأكيداته عى أهمية العالقات الصادقة ضمن الجامعة املسيحية يف اإلنجيل كله: ويف الواقع فهو يعدنا بأنه سيكون حارضا يف وسط أي اثنلني أو ثالثة مت ح دين باسمه. ويف نظري فإن هذه الوحدة هي حياة الرشكة وحياة الجامعة للكنيسة سواء كانت يف صيغة تقاسم عمل أو تقاسم طعام أو صالة مشلرتكة أو قراءة أو تأمل يشء ما مع صديق أو رشيك حياة. فاليشء املهم هو القوة أو التقوية التي نستمدها من رشكة وعلرشة الجامعة

81 التحر ر من األفكار األثيمة 81 املسيحية باإلضافة إىل الوقاية من الخطيئة بفضل بركات حياة الجامعة وفوائدها الروحية. أما قلب املؤمن املنزوي لوحده واملنعزل عن الجامعة املسيحية فهو قلب يواجه خطرا محدقا عظيام. أن االعرتاف بحد ذاته ال ينفع. إذ نرى الناس يدفعون الكثير من األموال لليك يخلربوا األطباء النفسانيني عن معاناتهم وخطاياهم ويقوم هؤالء األطباء النفسانيني مبساعدتهم على إيجاد طرق لتهدئة وإسكات ضامئرهم الهائجة. وبالتايل فاالعرتاف بدون ندامة عى الخطايا التي نكشفها يبقى مجرد عملية تحميل أعبائك عى شخص آخر وال يكون لها أي تأثير شاف وبعد ذلك سوف يعاودك العبء معاودة أكيدة. أما االعرتاف املصحوب بالندامة فسوف يصبح مصدر فرح ورسور أي مبعنى ذلك االعلرتاف املصحوب برغبة صادقة للرتك األعلامل الباطلة التي اقرتفناها عن طريق نبذها كلي ا إىل األبد. وعند إزالة الستار الذي أبقى خطايانا مختبئة فسوف ت ز ال بفضلها لعنة الكتلامن. فقد رأيت أشخاصا تغي وا برسعة عجيبة ويف ملح البلرص فقد جاءين ناس كانوا يف ضيق روحي وتكد ر نفيس كبرين بحيث كانت خطاياهم

82 التحر ر من األفكار األثيمة 82 تشكل أيضا عبئا جسديا عليهم لكنهم كادوا أن يقفزوا من شدة الفرح مبجرد اإلفصاح عن مكنونات صدورهم. ويصف ديرتيش بونهوفر ))) Dietrich Bonhoeffer هذا التحو ل بأسلوب رائع ويرينا أن األمر هو أكرث من مجرد أمر نفليس لكنه يشء له معنى أبدي: عندما نعلرتف بخطايا معينة سيموت اإلنسان القديم الذي يف داخلنا ميتة موجعة ومخزية أمام أنظار أخ مؤمن. وملا كان هذا الشعور بالخ زي صعبا جدا علينا فرتانا دامئا نحاول تجنبه. غر أنه بفضل هذا الوجع العميق النفيس والجسدي لشعور الخ زي أمام األخ املؤمن فإننا سنشهد صليب يسوع املسيح بأنه نجاتنا وخالصنا. وسيموت اإلنسان القديم يف داخلنا لكن الله هو الذي قهره. واآلن نحن رشكاء يف قيامة السيد املسيح والحياة األبدية. ))) ديرتيش بونهوفر :Dietrich Bonhoeffer هو القسيس األملاين املعروف الذي ناضل ضد الحكم النازي وسجنه هتلر يف الثالثينيات من القرن املايض ومن ثم تم إعدامه.

83 12 الصالة ابتداء من بشارة متى ولغاية سفر يحفل اإلنجيل الرؤيا بفقرات كثيرة عن الصلالة وعن كونها أفضل سلالح يف املعارك الروحية. ونجد يف رسالة القديس بولس الرسول إىل أهل أفسس يف الفصل السادس فقرة تحمل أعمق املعاين من كل تلك الفقرات األخرى وهي كاآليت: وخ تام ا أقول ت ق و وا يف الر ب ويف ق درت ه الع ظيم ة. ت س ل حوا ب سلالح الله الكام ل ل ت قد روا أن ت قاو موا م كاي د إبليس. فن حن ال ن حار ب أعداء م ن ل حم ود م ب ل أصحاب الر ئاس ة والس لطان والس ياد ة عى هذا العال م عال م الظ لالم واألرواح الرش ير ة يف األجواء الس لامو ي ة. لذل ك احم لوا س لالح الله الكام ل لت قد روا أن ت قاو موا يف يوم اللرش وأن ت ثب توا ب عد ما مت مت م ك ل يشء. فاثب توا إذ ا م تمنط قلني بالح ق الب سلني 83

84 التحر ر من األفكار األثيمة 84 د ر ع االستقام ة م نت ع لني ب الحامس ة يف إعالن ب شار ة الس لالم. واحم لوا اإلميان ت رس ا يف ك ل وقت ألن ب ه ت قد رون أن ت طف ئوا جميع س هام الرش ير امل شت ع ل ة. والب سوا خ وذة الخ الص وت ق ل دوا س يف الر وح ال ذي ه و كالم الله. ص ل وا ك ل و قت يف الر وح م بت ه للني وت ن ب هوا لذل ك وواظ بوا عى الد عاء ل ج ميع اإلخو ة الق د يسلني. )أفسس 10 18( 6: وهناك فقرة مهمة أخرى يف اإلنجيل تعلمنا كيف نصل: وإذا ص ل يت م فال تكونوا م ثل امل رائني ي ح ب ون الص الة قامئ لني يف امل جام ع وم فار ق الط ر ق لي شاه د ه م الن اس. الحق أقول لك م: هؤ الء أخذوا أجر ه م. أم ا أنت فإذا ص ل يت فا دخ ل غ رف ت ك وأغل ق باب ها وص ل ألبيك ال ذي ال ت راه ع ني وأبوك ال ذي ي رى يف الخ ف ي ة هو ي كاف ئ ك. وال ت ر د دوا الكالم ت رداد ا يف ص لوات ك م م ث ل الو ثني لني ي ظ ن ون أن الله ي ست جيب له م ل ك رثة كالم ه م. ال تكونوا م ثل ه م ألن الله أباك م ي عر ف ما ت حتاجون إل يه ق بل أن تسألوه. )متى 5 8( 6: وكنت أشعر دامئا بأن اهتامم يسوع كام جاء يف الفقرة أعلاله مل يكن مبوضوع الخصوصية بالصالة بقدر ما كان مبوضوع التواضع: فهو يحذرنا من التباهي بتدي ننا أمام

85 التحر ر من األفكار األثيمة 85 اآلخرين»مثل الفريسيني«ومن تلالوة صلوات مطو لة. وبالرغم من كالم السيد املسيح هذا الذي يبعث على االطمئنان إال أن رفع صلوات شخصية هادفة قد يبقى مسألة صعبة املنال بالنسبة إىل شخص يخوض رصاعا روحيا عنيفا ضد الخطيئة يف داخله. لقد كنت قبل عدة سنوات أقد م املشورة يف إحدى املرات لرجل كان يتمنى االرتياح من معركته مع خطيئة معينة كانت قد استحوذت عليه لكنه ببساطة مل يتمكن من الحصول عى سلالم النفس. وكان هذا الرجل يصل لساعات طوال. وعندما رأى أن ذلك مل ينفعه شيئا أخذ يصلي للرب يسوع ليحر ره من أي معارضة قد تكون موجودة يف عقله الباطني أي يف الالوعي. وكلام زادت صلواته زاد اضطرابه وحرته ويبدو أن تخبطه الروحي ساهم يف إقناعه بأن صلواته مل ترض الله. فكيف ميكن ملثل هذا الشخص الحصول عى العون بطبيعة الحال تختلف كل حالة عن األخرى لكن يف هذه الحالة عادة ما تفيد هنا حقيقة عامة لو أخذنا بها وهي كاآليت: فعندما نرى أن صلواتنا ال ي ستجاب لها فينبغي أن نفكر فيام إذا كانت املشكلة تكمن يف قلة إمياننا نحن ويف الشك الذي فينا وليست يف عدم استجابة الله لنا. ألنه بواسطة اإليحاء الذايت يتجذ ر يف ذهننا شعور الشك

86 التحر ر من األفكار األثيمة 86 بقدرة الله وكللام أجربنا نفوسنا عى التفكير أكرث وأكرث زاد شعورنا بالعجز. والحل هنا هو التوقف عن التفكر واإلنصات إىل صوت الله. فغالبا ما نصلي من أجل ما نشاءه نحن وننىس أن نسأل الله ما يريد هو منا يف تلك اللحظة اآلني ة. فنحن ننىس الحكمة اإللهية السامية التي تم التعبر عنها يف كالم يسوع املسيح التايل: ط وب ل ف قراء الر وح فإ ن ل هم م ل ك وت الس م و ات. )متى )3 :5 أن الفقر الروحي يعني تفريغ روح اإلنسان من كل ما هو برشي وإسكاتها ويعني أيضا التحل بالصدق واألمانة والوداعة والتواضع واالنكسار أمام الله وليس للفقر الروحي أية عالقة بالتوتر أو االضطراب يف نفسي ة اإلنسان املصابة بدوامة من جراء الرصاعات الروحية. وإمنا يعني تهيئة نفوسنا لله كام نحن عليه وعلى حقيقتنا كخطأة مساكني بائسلني بدال من»هندمة نفوسنا وتلميعها«أمام الله. فالله يعلم بحقيقة حالتنا الروحية وال فائدة من محاولة تحسلني مظهرها. فمن الواضح أن هندمة نفوسنا

87 التحر ر من األفكار األثيمة 87 ما هي سوى حامقة حتى أن هذا يشمل أيضا محاوالتنا لتقم ص الكيفية التي يريدنا الله بها معتقدين أنه عى األرجح سوف يسمعنا ويستجيب لنا لو تحل ينا بإطار ذهني مشابه للفكر اإللهي الذي ال ينطبق مع حقيقة فكرنا. فيقول اإلنجيل: ال ت قل قوا أبد ا ب ل اطل بوا حاج تك م م ن الله بالص الة واالبت هال والح مد وس لالم الله ال ذي ي فوق ك ل إدراك ي حف ظ ق لوب ك م وع قول ك م يف امل سيح ي سوع. )فيليبي )7 6 :4 ثم أن الله يستجيب دامئا لكل صالة صادقة رغم أنه رمبا ال يستجيب على الفور. فقد صى النبي دانيال بكل أمانة وإخلالص من أجل مغفرة خطايا شعب إرسائيل لكنه مل يحصل على أي جواب من الله ملدة ثالثة أسابيع. بعدئذ ظهر له ملالك يف رؤية وقال له: فقال يل: ال ت خف يا دانيال ف م ن أو ل يوم وجه ت فيه قلب ك للف ه م وإلذالل نف س ك أمام إله ك س م ع الله كالم ك وجئ ت أنا أل جل ذل ك. ووق ف يف وجهي رئيس م مل كة فار س واحد ا وع رشين يوم ا فجاء ل نرص يت ميخائيل رئيس ر ؤساء املالئ كة فلم أ بط ئ ه ناك يف م ملك ة فار س وإمن ا جئت أل ب لني لك ما

88 التحر ر من األفكار األثيمة 88 ي حد ث ل شعب ك يف األي ام اآلتي ة أل ن الر ؤيا هي ل ت لك األي ام. )دانيال )14 12 :10 فرنى أن الله قد سمع فعال صالة دانيال منذ البداية إال أن قوى الظلمة )املتمثلة برئيس مملكة فارس( جعلت من األمر صعبا على املالك الذي جاء ليتدخل ويقدم املعونة. ويف يومنا املعارص وبالرغم من نلرصة الصليب إال أن قوى الظلمة ما تزال موجودة وما تزال تعمل. ورمبا ال ي ستجاب لصلواتنا عى الفور مثلام حصل مع دانيال لكن يسمعها الله. فلنؤمن بهذا إميانا راسخا.

89 13 االنفصال وتصفية الذهن رصاعا روحيا ضاريا وأحسسنا يف لو كنا نخوض وسط تلك املعركة الروحية باشتياق كبير إىل الله يف أعلامق قلوبنا فهذا دليل على أن الله ما يزال موجودا هناك )ومبجرد أننا نصارع فهذا بحد ذاته عالمة على حضوره أيضا.( ورمبا ال يكون لدينا القوة آنذاك لنتبعه لكن ما دمنا أننا نسمعه من خالل صوت ضمرنا فيمكننا التوك ل عليه واثقني بأنه سوف ينتشلنا من رصاعنا الروحي ومينحنا النرصة. يسكن الله يف أعامق قلب كل إنسان ألن كل منا نحن البلرش مخلوق»ع ل ص ور ت ه.«)راجع تكوين 27( 1: ولو كان لدينا إميان طفويل مطمنئ بهذا ملا صعب علينا اإلميان بأن صاحب الفضل الذي يخرجنا من الظلمة ويقودنا إىل التحر ر والنور هو الله الذي يرشدنا بصوته. لكن كيف سيتسنى لنا الحصول على الهدوء الروحي الالزم لسلامع 89

90 التحر ر من األفكار األثيمة 90 كالم الله يف وسط ضجيج أصوات أخرى تتسابق من أجل الفوز بانتباهنا وجوابا عى هذا السؤال فقد تطر ق والدي ايربهارد آرنولد يف إحدى قصائده إىل هذا املوضوع وحد ثنا عن شوقه ليكون ذاته»م فر غا «لله لليك يعد نفسه لجاللته»يف هدوء وسكينة.«وهذا الهدوء الذي سلامه ايكهارت»االنفصال«هو رضورة يومية لكل مسيحي. ويعني االنفصال هنا فصل نفوسنا عن جميع التوترات التي تصيبنا يف كل يوم مثل الهموم بشأن العمل وبشأن كيفية قضاء أوقات الفراغ وبشأن حياتنا الشخصية وفصل نفوسنا عن نلرشة األخبار وعن الرياضة وعن مشاريع اليوم التايل املشت تة للفكر. ويعني االنفصال أو صفاء الذهن املثول أمام الله بهدوء وصمت وتفريغ ذواتنا له ليك يتسنى لنا إدراك عمله الجاري يف قلوبنا. أما»اإلرادة املشلولة«التي ك تبت عنها سابقا )يف إشارة إىل اإلرادة البرشية التي ال تجدي نفعا يف الرصاعات الروحية( فهي األخرى يجب إبعادها عن مكانها وإزالتها عن الطريق ليك يتسنى للصوت العميق للقلب أن يتكلم دون أن ينافسه أي يشء آخر مختبئ يف دواخلنا. وتعني هذه العملية االنفصال عن سطوة حب املال وعن األمور الجنسية غر الرشيفة وعن العداوة وعن الغش

91 التحر ر من األفكار األثيمة 91 والخداع وعن عدم الثقة باآلخرين وعن الكراهية وعن جميع األرواح الغريبة عن الله ونبذها كلي ا. وأود هنا التأكيد مرة أخرى على الدور الكبر الذي يلعبه الالوعي يف هذا املوضوع وأيضا تذكر القارئ بأنه عندما تهاجمنا روح رشيرة فغالبا ما يكون سبب ذلك وجود أفكار رشيرة قابعة يف عقلنا الباطني التي تعمل كنواة تستخدمها تلك األرواح الرشيرة لتتبلور وتستفحل. فلو أخذنا هذا بنظر االعتبار لتجل ت لنا أهمية القيام بعملية االنفصال هذا أو تصفية الذهن يف كل مساء قبل النوم وتفريغ ذواتنا لله. ألن ما نفسح له املجال يف قلوبنا قد يداوم يف العمل بدواخلنا طوال الليل. ونحن نعلم بأننا ال نقدر عى تحقيق انفصال حقيقي بقوانا البرشية وبالرغم من ذلك فال داعي هنا للقلق أو الشك بالذات من جراء ضعفنا هذا. ألن إمعان النظر يف ضعفنا أسوأ عمل نقوم به ألنه يؤدي إىل أن يبقى اإلنسان غارزا يف أوحال الرصاع الروحي وال يرى أي تحس ن جيد. وأنا شخصيا قد قدمت املشورة لناس كانوا يفعلون هذا الشيشء فقد كانوا منكب لني على مراقبة أنفسهم ونقاط ضعفهم بحيث كانوا دامئا متوترين نفسيا ومل يكن بوسعهم االستامع لله مطلقا. أما لو كنا نتمنى حقا الحصول على معونة الله وعى

92 التحر ر من األفكار األثيمة 92 مساعدته لوجب علينا أن ال ننظر إىل أنفسنا بل إىل الله. وكتب ايكهارت يقول: ال يشء يصنع من اإلنسان إنسانا حقيقيا سوى فضيلة التخلي عن إرادته البرشية. فهذه هي اإلرادة الكاملة والحقيقية لإلنسان وليس سواها التي متكنه من الدخول إىل إرادة الله بدون إرادته الذاتية. ألن كلامل إرادة اإلنسان تعني أن يكون اإلنسان يف انسجام مع اإلرادة اإللهية وذلك عن طريق أن يشاء اإلنسان ما يشاء الله. وعندما ظهر امللالك جربائيل ملريم العذراء ليبرشها مل تكن هي قد فعلت أي يشء يجعلها أن تكون أم ا ليسوع املسيح لكن مبجرد تخليها عن إرادتها البرشية عندما قالت:»ه و ذ ا أ ن ا أ م ة الر ب. ل ي ك ن يل ك ق و ل ك «صارت حقا يف تلك الساعة أم الكلمة اإللهية وحبلت بيسوع.))) ومل يحصل مطلقا يف أية مرة أن أعطى الله نفسه إلنسان له إرادة مخالفة إلرادته )ولن يحصل هذا أبدا(. فلال يهبنا الله ذاته بكل ما هي عليه وال يوافينا بذاته إال يف املكان الذي يرى فيه ))) يسوع املسيح هو الكلمة اإللهية حيث نقرأ يف اإلنجيل:»يف ال ب د ء ك ان ال ك ل م ة و ال ك ل م ة ك ان ع ن د الله و ك ان ال ك ل م ة الله. هذ ا ك ان يف ال ب د ء ع ن د الله.... و ال ك ل م ة ص ار ج س د ا و ح ل ب ي ن ن ا و ر أ ي ن ا م ج د ه م ج د ا ك ام ل و ح يد م ن اآلب م م ل وء ا ن ع م ة و ح ق ا.«)راجع يوحنا 1 14( 1:

93 التحر ر من األفكار األثيمة 93 أن إرادته يجري العمل بها. فهذا هو انفصال روحي حقيقي وتنز ه عن شهوات الجسد ومفاسد الدنيا. ففي هذه الحالة يقف الروح القدس بالنيابة عن اإلنسان املؤمن وقوفا غير متزعزع بوجه كل ما يصادف ذلك اإلنسان سواء كان أمرا حسنا أو سيئا وسواء كان مرش فا أو مخزيا أو مفرتيا متاما مثلام يقف جبل كبر وقوفا صامدا ال يتزعزع بوجه ريح خفيفة. أن اإلنسان البار يجوع ويتعط ش كثرا جدا إلرادة الله فهي تفر حه كثرا جدا بحيث ال يتمنى أي يشء آخر وال يشتهي أي يشء مغاير ملا يقضيه الله له. فلو أفرحتك إرادة الله بهذه الطريقة ألحسست وكأنك يف الفردوس السلاموي بغض النظر علام يحدث لك أو ال يحدث لك. أما الذين يشتهون الحصول عى يشء مختلف عن إرادة الله فسوف ينالون ما يستحقون من جزاء: فرتاهم دامئا يف تعاسة ويف مشاكل ويواجههم الناس بالعنف الشديد والتجريح ويتعذبون بشتى الطرق. عادة ما نسد نحن البرش أذين الله بكلامتنا هذه التي نرددها يف الصلالة:»يا رب لتكن مشيئتك«وذلك ألنه عندما تحصل مشيئة الله ترانا نغضب وال تعجبنا مشيئته بتاتا. ومام ال شك فيه أنه عندما تصير إرادتنا مطابقة إلرادة الله

94 التحر ر من األفكار األثيمة 94 فهذا أمر حسن لكن ما أحسن لو صارت إرادة الله هي إرادتنا! وكلام هو واقع الحال اآلن فأنك لو كنت مريضا ملا أردت طبعا أن تقف ضد مشيئة الله بل سوف تتمنى لو كان شفاؤك هو من مشيئة الله. ولو ساءت أمور الحياة معك واشتدت لتمنيت أن تكون انفراج األمور هي من مشيئة الله لك! غر أن األمر يختلف عندما تصبح مشيئة الله مشيئتك ألنه عندما مترض فسوف يكون ذلك بأمر الله! ولو تويف صديقك فسوف يكون ذلك بأمر الله! وكل من يوح د إرادته بفضل النعمة اإللهية مع إرادة الله توحيدا خالصا وكامال ال يحتاج سوى إىل أن يقول باشتياق غيور:»يا رب أرين ما هي إرادتك الغالية على قلبي وق و ين للقيام بها!«وسوف يفعل الله هذا حقا مثلام هو موجود حقا وسوف يفيض بإنعاماته عى شخص كهذا وبكامل األخالق كله. فليس هناك يشء ميكن لإلنسان تقدميه لله لرضيه أحسن إرضاء سوى فضيلة االنفصال الداخلي لتفريغ الذات كلي ا لله. أما الله فال يهتم كثيرا برتقبنا لعالمات األزمنة وصومنا وصالتنا مثللام يهتم بفضيلة االنفصال هذه.

95 التحر ر من األفكار األثيمة 95 وباختصار إن الله ال يحتاج أكلرث مام يل: أن نقدم له قلبا هادئا ساكتا. وبالنسبة إىل الذين ما يزالون متخبطلني بسبب تجارب إبليس الرشسة التي متنعهم من مامرسة فضيلة االنفصال ومن تصفية أذهانهم ومن تفريغ ذواتهم لله فقد نفيدهم بأن نذكر أن الذهن هو ليس حي زا أبيضا فارغا. فكل ما منحيه من الذهن يجب أن نضع مكانه شيئا آخرا. لذلك فمن الضروري أن ال نزيل منه األشياء التي ترصف انتباهنا عن ما هو مهم وعن السير يف طريق الرب والعمل مبشيئته فحسب بل أيضا أن ن ث ب ت عيوننا الروحية ومسامعنا الروحية عى يسوع وحده ليك تتبارك وتتقد س أرواحنا وحياتنا تدريجيا. وكلام صار مبقدورنا أن ننظر إىل خارج نطاق ذواتنا وننىس نفوسنا أكرث وأكرث فسوف يتمكن الله من تحرير أذهاننا وإشفائها أكرث وأكرث. وكام ينصحنا القديس بولس الرسول يف رسالته إىل أهل فيليبي يف اإلنجيل قائال: وب عد أي ها اإلخو ة فاهتم وا ب ك ل ما هو ح ق ورش يف وعاد ل وطاه ر وب ك ل ما هو م ست ح ب وح س ن الس مع ة وما كان ف ضيل ة وأهال ل لم ديح.... وإل ه الس لالم يكون م عك م. )فيليبي 8 9( 4:

96 التحر ر من األفكار األثيمة 96 فعندما تحصل روح اإلنسان عى هذا السالم وال تعود خاضعة لقوى األرواح املتحاربة يف داخلها وعندما ال تعود خاضعة ألية قوة أخرى وال للضغط الناجم عن عذاب تحر ق املرء نفسه إىل التحر ر عندئذ يتمكن صوت الله الذي هو الروح القدس من التكلم إليها.

97 14 التوبة والوالدة الثانية الفصول السابقة يف أهمية تسليم الذات لقد بحثنا في لله ويف أهمية االعلرتاف بالخطايا ويف أهمية الصالة ويف أهمية االنفصال الذهني لسلامع صوت الله. لكن لو وضعنا اآلن كل هذه األمور جانبا فهناك لحد اآلن سؤال مهم بل هو من أهم األسئلة قاطبة وهو: ماذا يجب علينا أن نفعل لنتمكن من مقاطعة الخطيئة مقاطعة كلية يف قلوبنا من أجل أن»نولد من جديد «أن الجواب على هذا السؤال وفقا ملا جاء يف العهد الجديد من الكتاب املقدس )أي يف اإلنجيل( هو أنه يجب علينا أن نتوب. وهذا يعني أننا يجب أن ال نعرتف بخطايانا فحسب بل أن ن ظه ر أيضا ندامة حقيقية عميقة وصادقة عى ما صدر عنا من ذنوب بحيث ن نش ل نفوسنا كلي ا من هيمنة الخطايا وسطوتها علينا ونقطع جميع أوارصنا معها. وال ت عتلرب التوبة فكرة م رح ب بها من قبل 97

98 التحر ر من األفكار األثيمة 98 العديد من املؤمنني يف يومنا هذا فالناس إجامال يعرتيهم الحرج واالرتباك ويتضايقون بشدة عند مواجهتهم بها. وال يحب أحد أن يرى نفسه كخاطئ فمن األلطف أن يبدو املرء كمسيحي صالح. لكن أال ت بني لنا البشائر األربعة يف اإلنجيل بوضوح أن السيد املسيح قد جاء من أجل الخطأة وليس من أجل القديسلني وأن الطريق املؤدية إىل املسيح هو عن طريق االنكسار أمام الله والفقر الروحي وليس عن طريق الفضيلة البرشية عندما تحدث القديس بولس الرسول عن نفسه وقال بأنه من»أكرب الخطأة «فال يحس املرء بأن هذه الكلامت كانت مجرد تعابر دينية. إذ أنه كان يقصدها فعال. لقد اضطهد بولس الكنيسة قبل اهتدائه وكان مسؤوال عن استشهاد العديد من املؤمنلني املسيحيني فكان يعرف نفسه أنه كان عدو الله. وعى املنوال نفسه فالناس الذين اهتدوا إىل اإلميان يف أورشليم يوم العنرصة )أي يوم حلول الروح القدس على جامعة التالميذ( قد رأوا أنفسهم كخطأة. فلم يروا أنهم كانوا عى استحقاق لنيل الروح القدس حاشا لهم من ذلك. فقد»و خ ز ت ه م ق لوب ه م «وقالوا عن أنفسهم بأنهم قتلة املسيح. لكن بفضل هذا اإلقرار متكن الله من استعاملهم. )راجع سفر األعامل يف اإلنجيل )42 1 :2

99 التحر ر من األفكار األثيمة 99 ولو أردنا أن يستعملنا الله لوجب علينا إدراك أن كل واحد منا خاطئ أيضا حتى أن بطرس الذي كان واحدا من أكلرث تالميذ املسيح املوثوقني بهم أدرك هذه الحقيقة عندما تواضع ليدرك إخفاقاته: فقد خرج بطرس بعد إنكاره للمسيح»و ب ك ب ك اء م ر ا«وفقا ملا يخربنا به اإلنجيل. وبالنسبة إلينا أيضا ال يوجد سبيل آخر سوى أن نبيك على خطايانا. والتوبة ما هي باألمر السهل: فهي تتطلب رصاعا روحيا قاسيا. لكن حتى لو كنا منر بأحلك الساعات وأكرثها عذابا من جراء تفح ص الذات إال إننا نجد التعزية والسلوان الروحي عندما نرى أن يسوع املسيح أيضا عاىن من شدة األمر قبلنا )بالرغم من أنه كان معصوما ( كام نقرأ يف الرسالة إىل العربانيلني يف اإلنجيل: وهو ال ذي يف أي ام حيات ه الب رش ي ة رف ع الص ل وات والت ض عات ب لرص اخ ش ديد ود موع إىل الله القاد ر أن ي خل ص ه م ن امل وت فاست جاب ل ه ل ت قواه. وتع ل م الط اع ة وهو االبن مب ا عاناه م ن األل م. ومل ا بل غ الكلامل صار م صد ر خ لالص أب د ي ل ج ميع ال ذين ي طيعون ه.... )عربانيلني )10 7 :5

100 التحر ر من األفكار األثيمة 100 فمن منا يتعامل مع رصاعاته ضد الخطايا بهذه الجدي ة بحيث نجاهد برصاخ شديد وبدموع غر أن يسوع فعل ذلك. فلم يجاهد أحد مثله عى اإلطالق ال أحد سواه. فلم يستهدف إبليس الفوز بقلب أي إنسان سوى بقلب يسوع. وملا كان يسوع قد خاض جهادا أرشس من أي جهاد نخوضه نحن البرش صار يفهم رصاعاتنا الروحية. وينبغي أن نكون متأكدين من ذلك. لكن مع ذلك ينبغي أن نجاهد روحيا دامئا ولهذا السبب قال يسوع املسيح أن الذين يريدون أن يتبعوه عليهم أن يحملوا صليبهم كام هو حمل صليبه. وال تعني التوبة تعذيب الذات. فالتوبة قد تقلب حياتنا رأسا على عقب بل يجب عليها أن تفعل ذلك بالحقيقة ونشعر أحيانا كلام لو كان األساس كله قد أ زيح من تحت حياتنا ألن التوبة عسيرة وشاقة وشديدة. لكن حتى لو كنا منر بهذه الحالة فيجب أن ال نكتئب وتسود الدنيا يف أعيننا أو تخور عزامئنا ونقطع األمل عن تحقيق التوبة الكاملة. ثم أن التأديب اإللهي هو من طيبة الله وال ميكننا فصله عن رحمته وحنانه. ويجب أن تكون غايتنا إزالة كل ما يعارض الله من قلوبنا ليك ينقينا الله ويهبنا حياة جديدة أي مبعنى ليك ميلؤنا من املسيح.

101 التحر ر من األفكار األثيمة 101 أن نعمة التوبة نعمة إلهية رائعة إذا تاب الشخص توبة نصوحة. إذ يتحول قلب الحجر إىل قلب من لحم وتتغير جميع العواطف واملشاعر واألفكار وتتغر أيضا هيئة اإلنسان برمتها ألن الله يتقر ب من روح ذاك اإلنسان. لكن ولألسف يتحاىش العديد من املسيحيني التوبة والوالدة الروحية الثانية. يف حلني نرى أن القسم اآلخر منهم حتى لو مل يتحاشاهام ال يلمس أبدا بركاتهام ألنه ال يسعى إليهلام. فقد يكون هؤالء الناس عى وعي بوجود الخطايا يف حياتهم وقد يحاولون بدرجة أو بأخرى أن يصارعوها سنة بعد سنة للتغلب عليها لكن دون جدوى حتى أنهم يشعرون يف دواخلهم بأنهم محارصون وقد غرزوا يف الخطايا. إال أنهم من ناحية أخرى يخففون األمر عليهم ويرون خطاياهم ما هي بالحقيقة سوى»أمر طبيعي «وهي ضعف برشي لذلك يستعفون أنفسهم من التوبة. فأنا من ناحية أ شفق كثرا على مثل هؤالء الناس لكن من ناحية أخرى أرى أن حججهم وذرائعهم ال ميكن تربيرها مطلقا. فلو بقيت أرص عى إين خاطئ كبر جدا جدا وأظن بأن خطيئتي أكرب من أن يسامحني الله عليها بحيث أشك يف قدرة املسيح عى مساعديت فسوف أقف عندئذ حجر علرثة يف طريق النعمة اإللهية وأمنع الروح القدس من الدخول إىل قلبي ألين بالحقيقة أشكك

102 التحر ر من األفكار األثيمة 102 بعملي هذا يف نلرصة القيامة أي يف قيامة يسوع املسيح من األموات. فيجب أن نطرح الشك عنا. ألن قوة السيد املسيح تكمن يف ما يل: أنه حمل خطايا العامل كله ومع ذلك غلب املوت كام يشهد عن ذلك اإلنجيل: فهو كف ار ة ل خ طايانا ال ل خ طايانا وحد ها ب ل ل خ طايا العال م ك ل ه. )1 يوحنا 2( 2: واملسيح موجود دامئا وكذلك الروح القدس ولو رصخ أي إنسان لله لسمع الله رصاخه. ثم أن السيد املسيح مل يدع نفسه»ش فيعا لنا«من دون سبب: فال يوجد من له رأفة ومحبة كبرتني للخطأة مثله فهو يعدنا: ف ك ل م ن ي س أ ل ي ن ل.... و م ن ي ق ر ع ي ف ت ح ل ه. )متى )8 :7 وهذه الوعود موجودة لكل إنسان. فلال ميكننا االختباء وراء خطايانا ونقول:»أنا إنسان ضعيف جدا «أو نقول:»أريد أن أتغي لكني ال أستطيع.«فإن هذه األعذار بالتايل أعذار واهية ال أساس لها. إن رس الوالدة الثانية والحياة الجديدة هو النعمة اإللهية التي جاءتنا باملسيح. ويبلني الحديث الذي دار بني

103 التحر ر من األفكار األثيمة 103 الفريليس نيقودميوس وهو أحد رؤساء اليهود وبني يسوع أن الوالدة الثانية ال ميكن تفسيرها لكن ميكن اختبارها فقط أي مبعنى أن يتذو قها املؤمن شخصيا ويشهدها بنفسه ويعيشها ويحس بها بروحه وبقلبه وبضميره. ونحن نعلم بالتأكيد أنها تعني تحويل كامل لإلنسان القديم إىل إنسان جديد. لكن مل يقدم يسوع أي أساس منطقي أو أي تفسير لها. فهو يقول ببساطة: ي جب عل يك م أن ت ول دوا ثان ية. )يوحنا 7( 3: لذلك فمن جانبنا نحن البلرش يجب علينا أن نؤمن ببساطة أن الله يريد أن يهبنا حياة جديدة. باإلضافة إىل ذلك فأن النعمة اإللهية )أي الخالص املجاين( هي هبة عجيبة يهبها املسيح لكل واحد منا يلتجئ إليه. فهي املفتاح للوالدة الثانية والسبيل لحياة جديدة متاما. وهي ال تعتمد على مؤهالت الشخص أو أعامله الصالحة حتى أنها توايف أولئك الذين ي عتربون يف نظرنا البرشي أنهم أقل الناس الذين يستحقونها. كام قال القديس بولس الرسول يف اإلنجيل: ل ح مد ن عم ت ه امل جيد ة ال تي أنع م ب ها عل ينا يف ابن ه الح بيب. فكان لنا فيه الف داء ب د م ه أي غ فران

104 التحر ر من األفكار األثيمة 104 الخ طايا على م قدار غ نى ن عم ت ه. )أفسس 6 7( 1: ويردف بولس قائال عن فضائل النعمة: ف ل ي س ع ل ي ن ا إ ذ ن أ ي ه ا اإل خ و ة أ ي ال ت ز ام ن ح و ال ج س د ل ن ع يش ب ح س ب ال ج س د. أل ن ه إ ن ع ش ت م ب ح س ب ال ج س د ف إ ن ك م س ت م وت ون و ل ك ن إ ن ك ن ت م ب الر وح مت يت ون أ ع ام ل ال ج س د ف س ت ح ي و ن. )رومة 8: )13 12 أن هذه الشهادة قوية جدا. فمن يستطيع فعال أن يقول بأن ليس عليه التزام نحو الجسد لكن حل هذا اللغز واضح أيضا: إذ يجب أن نفتح نفوسنا لقوة الروح القدس ونتوب ونكر س حياتنا للمسيح. فلو كنا عى استعداد ومن كامل كياننا لتقديم كل يشء له ولنقول له:»أنا آت يا يسوع. أنا آت مهام كلف األمر«فسوف ينعم الله علينا بيقلني الغفران والخالص وسوف نتأكد من عدم إمكانية انتصار الخطيئة يف داخلنا انتصارا أبديا حتى لو كنا نصارع ضعفا معينا إىل آخر يوم من حياتنا. فلنسمع إىل كلمة الله يف اإلنجيل:

105 التحر ر من األفكار األثيمة 105 فلال ح ك م ب عد اآلن على ال ذين ه م يف امل سيح ي سوع ألن رشيعة الر وح ال ذي ي ه ب نا الحياة يف املسيح ي سوع ح ر ر تك م ن رشيعة الخ طيئ ة واملوت. )رومة )2 1 :8

106 15 الشفاء التي غالبا ما يستعملها الرش لتكبيلنا لقد رأينا الكيفية يف أغلب األحيان يف أثناء رصاعنا ضد الخطيئة. ويؤثر اللرش علينا حتى لو كنا نعتقد بأننا اتخذنا قرارا حازما لنقوم بعمل صالح إذ نرى أن قويت اإليحاء الخارجي واإليحاء الذايت الداخل تزيدان من تعقيد املعركة الروحية وتدفعاننا إىل الوقوع يف حرة واضطراب وت ضع فان عزميتنا وتهيمنان علينا أحيانا وترتكاننا يف مشاعر العجز التام. وت ستعمل كلمة geisteskrank باللغة األملانية التي معناها»مريض روحيا«لوصف هذه الحالة. لذلك يغدو اإلنسان مريضا روحيا ويظن أنه عاجز عن التفاين والتحر ر من قيود األفكار األثيمة. والشفاء من مرض كهذا يستغرق وقتا مثلام يحتاجه الشفاء من أي مرض آخر. باإلضافة إىل أننا نحتاج إىل دواء أيضا والدواء يف هذه الحالة هو غذاء روحي ورعاية 106

107 التحر ر من األفكار األثيمة 107 روحية وإرشاد معزي من جانب اآلخرين. غر أن الشفاء يف نهاية األمر يتوقف عى التوك ل عى يسوع املسيح. عندما كان عمري ثالث عرشة سنة أخذين أهل مرة لزيارة قلعة فارتبورغ Wartburg Castle )حيث كانت تبعد حوايل 50 ميال عن بيتنا الذي كان يف وسط أملانيا ( وأروين أهل املكتب الذي كان املصلح الكنيس مارتن لوثر يعمل فيه يف ترجمة الكتاب املقدس إىل اللغة األملانية يف القرن امليالدي السادس علرش. وكانت هناك بقعة كبرة من الحرب عى الحائط وقالوا يل أن الشيطان كان يحاول إغواء مارتن لرصفه عن أداء مهمته فألقى مارتن املحربة عليه لتخويفه ولجعله يغرب عنه. وأعجبني هذا الترصف يف ذلك الوقت وتركت تلك الغرفة بفكرة طفولية مفادها أن هذه هي الطريقة الحقيقية التي يطرد بها اإلنسان الشيطان. أما اليوم فأنا أعلم أن محابر العامل كلها ال ميكنها عمل يشء بوجه الرش. ألنها لو كان لها دور فهذا معناه أن اللرصاع ضد الخطيئة هو مجرد مسألة تجنيد إرادتك البرشية ضد اللرش يف الوقت واملكان املناسبني. لكن رأينا أن ذلك ال يجدي نفعا أبدا. أن القادر عى أن يشفينا ويهبنا قلبا جديدا هو يسوع املسيح وحده. فقد جاء ليك يعيدنا إىل الله بفضل دمه الكريم ولليك يحصل كل قلب مهلام كان معذ با على

108 التحر ر من األفكار األثيمة 108 التعزية والشفاء فيه. وقد كتب والدي ايربهارد آرنولد يف مقالة بعنوان»الضمر وإعادة شفائه«ما يل: إن يسوع املسيح هو الطريق إىل الله. وال إله إال ذاك الذي هو أب ليسوع. وأينلام كنا نبحث عن الله فسوف نجده يف يسوع. وما مل يحر رنا يسوع من جميع أحاملنا فسوف نحاول عبثا التقر ب إىل الله اآلب الذي هو أب لجميع الناس الذي تم تقريبه لنا كآب سلاموي باملسيح. فبدون مغفرة الخطايا ليس لدينا إمكانية الوصول إىل الله. ويقدمها يسوع لنا عن طريق التضحية بحياته بجسده وبروحه وبدمه. وبفضل يسوع يجري إسكات إبليس:»ال م ش ت يك ال ذ ي ي ت ه م إ خ و ت ن ا أ م ام إ له ن ا ل ي ال و ن ه ارا «)رؤيا 10 ( 12: والضمر أيضا ال ي سمح له بعد اآلن أن يت هم أحدا حتى أن دم األخ املقتول هابيل قد م ح ي وغ ف ر له. ألن الدم األجود البن اإلنسان أخينا الجديد يسوع صوته أعى من دم هابيل. ففي ذلك األخ وجدنا ممثلال وقائدا جديدا الذي ي لربئ ويحر ر. وبالرغم من أن هذا األخ قد ق ت ل مثل هابيل إال أنه يتكلم نيابة عن قاتليه بدال من أن يتكلم ضدهم ألنه وهو بال ذنب قد تنازل وصار

109 التحر ر من األفكار األثيمة 109 واحدا من ا. فقد صار لهم الشخص الوحيد الذي يقف حق الوقوف بجانبهم. وإذا كان هو أي ابن اإلنسان معهم فال يقدر أحد أن يدينهم. ذلك أنه منذ اآلن فصاعدا ليس مبقدور أي تهمة أن متنعهم من الوصول إىل الله. أن الجملة األخرة بشأن»الوصول إىل الله«هي عى قدر كبير من األهمية. فهي تتحدث عن اإلجراء الذي يجب علينا اتخاذه لو أردنا الحصول عى الشفاء. وقد يعني ذلك اإلجراء يف نظر أحد األشخاص البحث عن الشفاء عن طريق صالة صامتة مصحوبة برفع األيادي إىل السلامء ترعا من أجل الشفاء الروحي أما يف نظر شخص آخر فقد يعني ذلك اإلجراء الجري نحو الله أي مبعنى أن يطلبه ويستنجد به استنجادا كبيرا. لكن من املؤكد أن ذلك ال يعني مجرد الجلوس وانتظار يسوع ليأيت ويشفينا بلمسة سحرية! وإمنا ينبغي أن يكون لنا قلوب تتلهف له وترتقب تدخ له يف حياتنا. أن الروح الحي ة التي نفخها الله يف اإلنسان عند فجر الخليقة ال تبقى يف داخل كل منا إال عندما نجتهد يف التقر ب إىل الله وإىل أخينا اإلنسان وإال عندما نويف بوصايا الله التي تضفي معنى عى هاتلني العالقتني اآلتيتني: أوال:»أح ب الر ب إله ك ب ك ل ق لب ك وب ك ل نفس ك وبك ل

110 التحر ر من األفكار األثيمة 110 ع قل ك.«وثانيا:»أح ب ق ريب ك م ثل ام ت حب نفس ك.«)متى )39 37 :22 أما بعد االنتهاء من خوض رصاع معلني فلال تزال عملية اكتلامل الشفاء والتعايف غر مضمونة مئة يف املئة بل متوقفة على عامل مهم يلعب دورا حيويا فيه. فهناك احتامللني: إما اكتامل الشفاء وإما معاودة اإلصابة باملرض الروحي وانحدار حالتنا النفسية بأكملها. وهذا العامل الحاسم هو نوع املوقف الذي سوف نتخذه تجاه نفوسنا وتجاه تأرجح وعدم استقرار مخيلتنا: أسيكون موقفا حازما وقويا وواثقا أم واهيا وملرتددا وضعيفا فمن الواضح أن الشخص املقدام يف املعارك الروحية أي الحازم والشديد البأس يف خوض كل ما يصادفه من جهاد سوف يكون عنده يقينا أكرب بالنرصة باملقارنة مع شخص يتمل كه الخوف أو وقاية الذات. وحسب ما أشار إليه والدي يف الفقرة الواردة أعاله فغالبا ما يكون الضمير هو»ال م ش ت يك» علينا وهذا بالحقيقة ما يجب أن يفعله ألن هذا هو دور الضمر: االحتجاج والتوبيخ. لكن مبجرد تخفيف أعبائنا الروحية باالعرتاف بخطايانا وابتعادنا عن الخطيئة بالتوبة وتحرير أذهاننا من قيود األفكار األثيمة ومن خنقها لفرح املحبة فينا فالبد لصوت الضمر أن يهدأ ويرتاح ويفسح املجال

111 التحر ر من األفكار األثيمة 111 لصوت املحبة لصوت يسوع بأن يعمل ويبدأ بتوجيهنا إىل العطاء والتضحية والخدمة بكامل الفرح والحرية وترجيح محبة القلب على فخاخ الذهن. وهكذا يحذرنا الروائ الرويس الشهر تولستوي Tolstoy قائال:»لو فكرنا باملحبة تفكرا منطقيا فسوف ندم ر املحبة.«أي مبعنى لو أردنا إلرادتنا أن تشفى لوجب علينا توخي الحذر وعدم تحليل كل شعور مير بأذهاننا لئلال ندم ر التحر ر الجديد الذي أخذ يستيقظ هناك. أما القلق الزائد واملستمر )واالكتئاب أيضا( عى بعض السلبيات التي عندنا مثل ضيق أفق قلوبنا أو شخصياتنا الضعيفة فال فائدة من هذا القلق والتفكر الزائد به. ذلك أنه ال يوجد من هو طاهر وصالح مئة يف املئة سوى يسوع املسيح فشخصيته هي الشخصية السليمة الحقيقية والكاملة الوحيدة يف هذا الكون. ودعونا ال نقع فريسة للتجارب الشيطانية التي تدفعنا إىل طموحات االرتقاء الروحي مثللام وقع قايلني فيها عندما صار يحسد أخيه على تقر به من الله. وإمنا دعونا نصر كاألطفال الصغار ونفرح مبجرد انتامئنا إىل يسوع. فسوف ننمو بالتأكيد يف مدرسة يسوع رويدا رويدا. وحينام يبقى لدينا شعور الشك وعدم الثقة بأنفسنا حتى لو كنا قد حققنا نرصة أولية على الخطايا يف حياتنا

112 التحر ر من األفكار األثيمة 112 فقد يكون هذا عالمة عى أننا ال نؤمن إميانا عميقا كافيا لحد اآلن بالخلالص الذي أعد ه الله لنا نحن البلرش وال نحب الله من كل قلوبنا. ويكتب القديس بولس الرسول يف اإلنجيل ويقول أننا لو أحببنا محبة كاملة فسوف نفهم كلام يفهمنا الله فهلام كامال كام يل: امل حب ة ال ت زول أب د ا. أم ا الن بو ات فت بط ل والت ك ل م ب ل غات ينت هي. وامل عر ف ة أيض ا ت بط ل ألن م عر ف ت نا ناق ص ة ون بو ات نا ناق صة. فم تى جاء الكام ل زال الناقص. مل ا ك نت ط فلال ك ط فل ك نت أتك ل م وك ط فل ك نت أ در ك وك ط فل ك نت أ ف ك ر ومل ا رص ت ر ج ال ت رك ت ما هو ل لط فل. وما ن راه اليوم هو ص ورة باه ت ة يف م رآة وأم ا يف ذل ك اليوم فس لرن ى و جه ا ل و جه. واليوم أعر ف ب عض امل عر ف ة وأم ا يف ذل ك اليوم فس تكون م عر ف تي كام ل ة كم عر ف ة الله يل. واآلن ي بقى اإلميان والر جاء وامل حب ة وأعظ م هذ ه الث الث ة هي امل حب ة. )1 كورنثوس 8 13( 13: وكلامت القديس يوحنا الرسول مهمة أيضا فتقول: فعل ينا أن ن ح ب ألن الله أح ب نا أو ال. )1 يوحنا )19 :4

113 التحر ر من األفكار األثيمة 113 فأن ما يستوجب أن يدخل إىل قلوبنا الصغرة وما يستوجب أن نتمسك به هو هذا: محبة القلب العظيم الذي يفهمنا فهلام كامال. ووفقا لخلربيت عن حاالت وتجارب كثيرة ومتنوعة فإن الطريق إىل الشفاء طويل وينبغي أن يتحمل كل واحد منا بعض اإلخفاق والفشل يف بعض املرات. ويحصل يف بعض األحيان بأننا نعاود الوقوع يف تلك الخطيئة التي كنا نخشاها أكلرث من كل يشء أو التي كنا متأكدين من تغلبنا عليها. لكن وبالرغم من اليأس واالكتئاب الذي يصيبنا نتيجة لذلك فيجب علينا أن ال نفقد الثقة بالله ألن: الذي بد أ فيك م عم لال صال ح ا سي سير يف إمتام ه إىل يوم امل سيح ي سوع. )فيليبي 6( 1: وعندما ع ل ق يسوع املسيح عى خشبة الصليب فال ميكننا تصو ر آالم الصلب املربحة التي كابدها وال املشاعر الفظيعة التي انتابته عى وجه أكيد من جراء إحساسه بأنه مرتوك لوحده من ق بل الله واألصدقاء فعندما نتأم ل هذه اآلالم وهذه املشاعر فهي مخيفة جدا لنتصورها غر أن يسوع مع ذلك وحتى وإن كان يف تلك الظروف رصخ ألبيه السلاموي قائال:

114 التحر ر من األفكار األثيمة 114 يا أب يف ي د يك أست ود ع ر وحي. )لوقا 46( 23: فهنا نرى قمة اإلميان. فلم يكن هناك أي يشء قادر عى أن يثنيه عن إميانه بأبيه وأبينا السلاموي حتى لو كانت معاناته من أشد املعاناة وحتى لو كانت مشاعر نبذ الله له والشعور بالوحدة روحيا من أفظع املشاعر التي يراها اإلنسان: فقد استودع روحه رغم ذلك يف يدي الله. لو أردنا الشفاء من الجروح التي تصنعها مكايد إبليس وسهامه لوجب علينا التحلي مبثل هذه الثقة املطلقة بالله أي مبعنى ثقة قوية ال تلني بحيث حتى لو مل نشعر بأي يشء أو مل نلمس أي نتيجة لحد اآلن فسوف نسل م رغم ذلك أنفسنا له كلي ا ومن دون أي تحفظات وبكل ما نحن عليه وبكل ما عندنا. وعموما فأن كل ما عندنا هو خطايانا. لكن لو وضعنا خطايانا أمامه بثقة كاملة مثل ثقة األطفال املطلقة بأبيهم فسوف ينعم الله علينا عندئذ باملغفرة والتطهير وسلالم القلب وسوف تخلق هذه النعم فينا محبة ال ميكن وصفها.

115 16 التنقية الروحية ونولد ثانية من الروح القدس حالما نتوب بصدق نحصل على ضامئر صافية وقلوب نقي ة ونعيش واقعا حي ا جديدا وقد تحملنا الفرحة والقناعة اللتان توافينا بهام حياتنا الجديدة أليام عديدة. وبالنسبة إىل أغلب الناس فإن الرصاعات الروحية رسعان ما تعاود بالرجوع وتبدأ من جديد غر أنها حتى لو كانت جديدة أو أخف وطأة وحتى لو مل نرجع إىل العادات األثيمة السابقة إال أنها تؤثر علينا ولو بدرجة قليلة فرتانا ال نجرؤ من بعد ذلك الحني على التحدث عن نقاوتنا والعالقات الرشيفة بكامل القناعة مثلام كنا نتحدث عنها بقوة يف السابق عند أول توبتنا. وعندما يصادف املسيحيون هذه الحقيقة فلال عجب يف أن الكثر منهم يستسلمون ويتخلون عن فكرة إمكانية الحصول على شفاء حقيقي وقلب طاهر رشيف. 115

116 التحر ر من األفكار األثيمة 116 هل النقاوة هدف عمل ميكن تحقيقه فعال أو هي مجرد مثال رائع من املثاليات لقد صارعت لسنوات عديدة ملحاولة اإلجابة على هذا السؤال املهم فكنت أعود دامئا إىل ذاك الذي دعانا أصلال إىل أن نحصل على قلب نقي. فلو كان يسوع املسيح اإلنسان الوحيد الخايل من الخطيئة من بني جميع الذين مشوا عى هذه األرض يصارع التجارب وإغواء إبليس فهو بالتأكيد لديه تفه م كبير لزالتنا وفشلنا! لكنه مع ذلك يطالبنا:»ف ك ون وا أ ن ت م ك ام ل لني «)متى 48( 5: ويخربنا أيضا بأن أنقياء القلوب وحدهم سوف»ي شاه دون الله «)متى 8(. 5: تخربنا الكاتبة الروائية السويدية سلمى الغرلوف Selma Lagerlöf )الحائزة على جائزة نوبل يف األدب( عن قصة فارس محارب أوقد شمعته عند قرب املسيح يف القدس أثناء إحدى الحمالت الصليبية وعاهد نفسه عى أن يوصل لهب الشمعة غر منطفئ إىل مدينته يف إيطاليا. وعلى الرغم من تعرضه للسلب من قبل قطاعي الطرق ولشتى أنواع املصائب واملخاطر التي صادفته أثناء رحلته إال أنه كان مصملام على يشء واحد فقط هو: حراسة وحامية لهبه الصغير. ويف نهاية القصة نرى كيف قام التفاين القلبي الكامل بتغير هذا الفارس تغيرا كامال: فقد غادر بيته يف البداية كمحارب وحيش ال يرحم ومستعد القلرتاف أفظع األعامل لكنه عاد إىل البيت إنسانا جديدا.

117 التحر ر من األفكار األثيمة 117 فلو وج هنا قلوبنا مثل هذا الفارس إىل يشء واحد فقط ال غيره فسوف يغي نا الرب كليا نحن أيضا كام يشهد لنا اإلنجيل: ن حن ن عر ف أن امل سيح متى ظه ر نكون م ثل ه ألن نا سلرن اه كام هو. وم ن كان ل ه هذا الر جاء يف امل سيح طه ر ن فس ه كام أن امل سيح طاه ر. )1 يوحنا 2 3( 3: أما لو بقينا منقسمني يف نفوسنا ومشت تي الذهن واالنتباه فسنبقى أيضا )كلام قال والدي ايربهارد آرنولد يف كتابه األرض الروحية :)Inner land»ضعفاء وواهنلني ومرتاخلني وغير قادرين عى قبول مشيئة الله وال عى اتخاذ قرارات مهمة وال على اتخاذ موقف قوي.... فنقاوة القلب ما هي سوى نزاهة مطلقة نحن يف أمس الحاجة إليها للتغلب عى الشهوات التي تنهكنا.«لكن قبل أن نستبعد عن ا هذه»النزاهة املطلقة«املذكورة أعلاله على اعتبارها من املثاليات املستحيلة دعونا نلقي نظرة عى ما قاله القديس بولس الرسول عن التنقية الروحية. فهو يسلم تسليام بديهيا بأننا نحن البرش سوف نحصل دامئا يف أذهاننا على نزاعات وعراقيل يف طريق العمل بوصايا الله وأننا سوف نكون دامئا معرضني للتجارب وإغواء إبليس. لكنه مع ذلك يردف واصفا

118 التحر ر من األفكار األثيمة 118 معركتنا مع اللرش بأنها معركة نرصة بحيث»ن أ رس ك ل ف كر ون خض ع ه ل طاع ة امل سيح.«)2 كورنثوس 5(. 10: وهنا نقول مرة أخرى بأن النلرصة رمبا ال تكون سهلة املنال. فيستوجب علينا أن نتواجه مع الحقيقة وهي أن الرصاع الروحي حرب واسعة النطاق دارت رحاها منذ سقوط اإلنسان ومل تهدأ بل اشتدت رشاستها منذ قيامة يسوع املسيح من األموات وحلول الروح القدس عى الكنيسة األوىل يف يوم الخمسلني وانبثاقها. وما هو رائع يف كالم القديس بولس الرسول هو يقينه بأنه من املمكن جدا أن نأرس أفكارنا وإخضاعها لطاعة املسيح. أما الالهويت والفيلسوف األملاين ايكهارت فيخربنا يف كتابه»عن االنفصال الروحي»On Inner Detachment عن الكيفية التي ميكن بها أن يصبح قلب كل واحد منا طاهرا فعال فيقول: يجب على طبيعتك البرشية )أي املخلوق غير اإلنساين الذي يف داخلك( أن تغادرك ليك يصبح يف مقدور الله الدخول إليك. ألن الله ال يبدأ إال عندما تزول تلك الطبيعة. وما دمت أنك تحمل أعباء طبيعتك البرشية فال يريد الله منك أكرث من أن تغادر نفسك لتجعل الله إالها يف داخلك. أما لو أبقيت ولو أصغر صورة

119 التحر ر من األفكار األثيمة 119 لك عن املخلوق الذي مي ث لك فسوف تصبح هذه الصورة البرشية كبيرة بكلرب الله: فسوف تبعدك عن إلهك بأكمله. فكللام دخلتك صورة كهذه فينبغي أن يغادرك الله وكللام غادرتك هذه الصورة دخلك الله. أن محبة الذات أساس جميع اللرشور وسببها فهي تسلب كل ما هو خير وكل ما هو كامل. لذلك وألجل أن يصبح مبقدور روح اإلنسان أن تعرف الله يجب عليها أن تنىس نفسها وتخرس نفسها. ألنها مادامت ترى نفسها شيئا معتربا لن ترى الله ولن تعرفه. لكنها عندما تفقد نفسها يف سبيل الله وترتك كل يشء عندئذ تجد نفسها ثانية يف الله ألن الله يطل بفجره عليها وعند هذه الحالة فقط يتسنى للروح معرفة نفسها ومعرفة كل يشء يف الله.... فكل من يتخى عن األشياء بطبيعتها املبتذلة والتافهة سوف ميتلكها بطبيعتها الطاهرة واألبدية. وكل من يتخى عن األشياء بطبيعتها الدنيئة التي تكون فيها فانية سوف يحصل عليها ثانية يف الله التي تكون فيه بكيانها الحقيقي الصالح.... عندما يلرتك اإلنسان طوعا األمور الزائلة ويلتفت إىل الخر األسمى أي الله فهذه عالمة ال تقبل الشك وهي أن اإلنسان يعيش يف نور النعمة

120 التحر ر من األفكار األثيمة 120 اإللهية. فمثل هذا اإلنسان ال تبحث روحه عن الله خارج نطاقها وإمنا تبحث عنه يف مدرسة القلب ألنها تعرف بأن الروح القدس ي عل مها هناك عى األشياء التي تؤدي إىل بركاتها.... وتحاول روح اإلنسان أن تقوم بكل أفعالها عى أكمل وجه ممكن لتتامىش مع مشيئة الله.... وتبذل دامئا قصارى جهدها لليك يكون لها ضمرا صافيا عن طريق التنز ه عن األفعال الدنيوية ومحبة طريق اآلالم ليك تزداد النعمة فيها وتقل شهوات الجسد الرشيرة. عندما يسمع الناس كلمة»جسد«فعادة ما يتبادر إىل ذهنهم مامرساتهم الجنسية أو رمبا الرشاهة يف األكل واللرشب. لكن ليس هذا املعنى الوحيد لهذه الكلمة. فلال أنكر أن اال بتذال الجنليس والرشاهة هلام»من صنيع الجسد «لكن هذا هو الحال أيضا مع اللرب الذايت )أي االعتقاد باجتهاد اإلنسان الذايت وفضائله البرشية وب ر ه الذايت البلرشي ( وهذا هو الحال مع الرياء أيضا ومع كل يشء أناين فينا وكل يشء ال ينتمي إىل املسيح. وتعني التنقية الروحية أن نسأل الله باستمرار لليك يعيننا يف التغلب على الجسد السيام على انتفاخنا الروحي. فاالنتفاخ هو أبشع ما ميثله الجسد ألنه ال يرتك مجاال لله يف قلب اإلنسان.

121 التحر ر من األفكار األثيمة 121 ولو ألقينا نظرة صادقة عى أنفسنا العرتفنا بحاجة كل منا إىل غفران الله يوميا. لكن ال ي عترب ضعفنا البرشي عائقا يف طريقنا إىل ملكوت الله ما دمنا ال نستعمله كذريعة لتربير خطايانا. ويذهب القديس بولس الرسول إىل أبعد من ذلك ليقول أن الرب سيكشف عن نفسه بأبهى طريقة من خالل ضعفنا يف هذه اآليات اإلنجيلية: ول ئ لال أنت ف خ بالك ربياء م ن ع ظ م ة ما انك ش ف يل أ ص ب ت ب ش وك ة يف ج س دي وه ي ك ر سول م ن الش يطان ي ر ب ني ل ئ ال أتك رب. وص ل يت إىل الله ثالث مر ات أن يأخ ذ ها ع ن ي فقال يل:»تكفيك ن عم تي. يف الض عف ي ظه ر ك لامل ق در يت.«فأنا إذ ا أفت خ ر راض ي ا م بت ه ج ا ب ض عفي حت ى ت ظ ل ل ني ق و ة امل سيح. 2( كورنثوس )9 7 :12 لذلك تتوقف عملية التنقية الروحية يف نهاية األمر عى استعدادنا لتكريس حياتنا لله وعندما نتعرث أو نسقط ننهض ونكر س حياتنا من جديد. ولن نكون كاملني أبدا لكن سوف نبقى دامئا مركزين على الهدف ونقدم كل ما لدينا للوصول إليه والفوز به كام قال القديس بولس الرسول يف اإلنجيل:

122 التحر ر من األفكار األثيمة 122 وال أد عي أين ف زت ب ذل ك أو ب ل غ ت الك لامل ب ل أسعى لع ل أفوز مب ا ألجل ه فاز ب امل سيح ي سوع.... وهو أن أنسىس ما ورائ وأ جاه د إىل األمام فأ جري إىل اله د ف ل لف وز بالجائ ز ة ال تي ه ي د عو ة الله الس لامو ي ة يف امل سيح ي سوع. )فيليبي )14 12 :3

123 17 الصليب يف كل ما قلته لحد اآلن بشأن اهتمامي الرئيسي اللرصاع الروحي للتغلب على األفكار واملشاعر الرشيرة كان م نصب ا عى إرشاد القارئ إىل السيد املسيح وإىل الصليب. فيجب عى كل واحد منا أن يكتشف الصليب. ألننا مهام نفت ش العامل كله ال نجد مغفرة الخطايا والتحر ر من العذاب الروحي يف أي مكان سوى هناك عند الصليب. يعرف كل مؤمن مسيحي أن السيد املسيح مض يف درب الصليب يف سبيلنا. لكن املعرفة وحدها ال تكفي. فام مل نرغب املوت يف سبيله مثلام مات يف سبيلنا فإن آالمه كلها بلال جدوى. وقد كان طريق املسيح طريقا مريرا. وانتهى بانتصار النور والحياة لكنه بدأ يف مذود يف حضرة باردة للحيوانات ومر بضيقات وشدائد كبيرة: وبآالم وعذاب وإنكار بطرس له وخيانة يهوذا اإلسخ ريوطي 123

124 التحر ر من األفكار األثيمة 124 وأخيرا دمار كامل وموت عى صليب. فلو سمينا أنفسنا أتباعه لوجب علينا أن نرغب يف املي يف الدرب نفسه. لقد مات املسيح عى الصليب ليزيل لعنة الرش وينترص عليها مرة وإىل األبد. فلو مل نؤمن بقوة اللرش وإمكانياته ملا متكن ا من استيعاب عمل املسيح هذا. وما مل ندرك أن أهم سبب ملجيئه إىل األرض هو للقيام بهذا العمل نيابة عنا لتحريرنا من قوى الظلمة لن نفهم أبدا ا حتياجنا إىل الصليب فهام تاما. أن صورة العذوبة ورق ة القلب عن املخل ص يسوع املسيح واملشابهة لفكرة إله يحب جميع الناس هي بالتأكيد صورة رائعة لكنها بالحقيقة مجرد جزء صغر من صورته الكلية. فهذه الصورة الناقصة تعزلنا عن القوة الحقيقية للمساته اإللهية. فالسيد املسيح يعز ي ويشفي ويخل ص ويغفر وهذا نعرفه لكن يجب أن ال ننىس أنه يؤد ب أيضا. فلو أحببناه حقا ألحببنا كل يشء فيه ال رأفته ورحمته فحسب بل أيضا ح د ة كالمه القاطع وتوجيهه الخايل من املساومات. ألن ح د ته هي التي ت قل م وت نق ي. أن محبة املسيح ليست كمحبة املشاعر البرشية التي تتميز بالرخاوة واللطافة التي تشوبها املساومات والخالية من الكالم الرصيح لكنها نار مشتعلة تنق ي من الشوائب

125 التحر ر من األفكار األثيمة 125 وتلف ح بحرارتها كالنار ومحبة تؤمل ألنها محبة حقيقية. إنها محبة تستلزم التضحية بالنفس. ويكتب والدي ايربهارد آرنولد فيقول: ال ميكن التغلب على األرض وتخليصها إال بذبيحة. وال ميكن أن نهزم الشيطان إال بالح م ل. فيسوع هو الذبيحة الطاهرة الكاملة الذي انتلرص عى اللرش. لقد تغلب يسوع على التنلني ونزع سلالح الشيطان وحطم أسلحته وذلك مبحبته القربانية على الصليب. لذلك يستحيل على الشيطان أن ينتلرص بأسلحة الظلمة واملوت على كل من هو مت ح د باإلميان مع املسيح املصلوب. نرى هنا أنه يجب علينا االتحاد مع املسيح املصلوب من أجل أن نحصل عى التحر ر الذي يهبه. فصليبه هو مركز ومحور الرصاع الدائر بني الله والشيطان وعليه يجب أن يصبح مركزا لقلوبنا أيضا. فلال نلرصة إال يف الصليب! وال طهارة إال يف الصليب! فالصليب موجود يف سبيل التغلب عى أجناد الرش ويف سبيل أن تتدفق محبة املسيح إىل كل إنسان تدفقا أبديا وتهبنا السالم. وسوف تبقى هذه الحقائق عدمية الفائدة بل مجرد كللامت بلال معنى ما مل تحيا يف قلوبنا وما مل متتلكنا

126 التحر ر من األفكار األثيمة 126 بأسلوب عميق وشخيص وما مل يتلرش ب بها كياننا كله. ويعرض يسوع لنا ذاته ليهبه لكل واحد منا إىل الدرجة التي نصير فيها جسدا واحدا وروحا واحدة معه. وهذا ليس فلسفة لكنه غذاء حقيقي إنه حياة. فهو سيغي كل يشء لدى اإلنسان الذي يخترب يسوع املسيح ليس يف تلك اللحظة فحسب بل أيضا إىل األبد. عندما نتعر ف على يسوع يف أعلامق قلوبنا سنبدأ بإدراك ولو قليال ما كابده يف سبيلنا. وهذا يعني كام رأينا االستسلالم له بالصلالة والهدوء واالعلرتاف بخطايانا بعضنا لبعض ووضع خطايانا أمام الصليب بروح التوبة. عندئذ سيقبلنا يسوع ويغفر خطايانا ويهبنا املصالحة مع الله ويهبنا أيضا ضمرا صافيا وقلبا نقيا طاهرا. وبفضل إنقاذنا من املوت الروحي وإهدائنا حياة جديدة فسوف تطفح محبته علينا وتنسكب إىل داخل قلوبنا ومتنحنا حبا عظيام له. بطبيعة الحال ال ميكن االنتهاء عند هذه املرحلة فبالرغم من أن ما يعيشه اإلنسان من تنقية روحية ومغفرة لخطاياه بفضل الصليب ي عتلرب أمر أسايس عى الصعيد الشخيص إال أن الرتكيز املستمر على هذا وحده سيكون بلال فائدة. فمحبة الله عظيمة جدا والبد لها أن ترتقي بأذهاننا ليك تفكر يف ما هو خارج نطاق رصاعاتنا

127 التحر ر من األفكار األثيمة 127 الروحية الصغيرة وخارج نطاق أي انشغال بخالصنا الشخيص ليتسنى لنا رؤية معاناة اآلخرين ورؤية ما هو أبعد من ذلك أال وهو عظمة الله وخالئقه. فالصليب أكلرب بكثير ملام هو شخيص فله أهمية كونية ألن قوته تحتضن األرض كلها وما هو أكرب من هذه األرض! هناك أرسار ال يعلم بها إال الله ورمبا ص ل ب املسيح أعظم هذه األرسار. وتحد ث القديس بولس الرسول يف رسالته اإلنجيلية إىل أهايل كولويس عن رس الصليب العجيب وقال بأن الصليب وحده هو ما ا بتهج به الله ليدع طبيعته الكاملة تسكن يف يسوع املسيح وليصالح به كل ما يف األرض والسلاموات»ب د م ي س وع امل س فوك ع ل ص ل يب ه.«فلنقرأ شهادة اإلنجيل: ف ق د رس الله أن ي ح ل ب ك ل م لئ ه يف امل س يح. و اختار أن ي صال ح ك ل األشياء ثان ي ة ل ن فس ه ب امل س يح س واء ع لى األر ض أم يف الس لامء. ص ن ع الله الص لح ب د م ي س وع امل س فوك ع لى ص ل يب ه. )كولويس 19 20( 1: لذلك لن تتصالح األرض مع الله عند الصليب فحسب بل تتصالح عنده أيضا الساموات وجميع القوى والسالطني يف عامل املالئكة. ومن املؤكد أننا نحن البرش ورمبا املالئكة أيضا لن نفهم هذا فهلام كامال أبدا. لكننا متأكدون من

128 التحر ر من األفكار األثيمة 128 يشء واحد وهو أن املسيح غلب املوت ذلك العدو األخر وبفضل هذا االنتصار استجد أمر ما بحيث ما يزال لديه سلطان على ما هو أكرب من نطاق حدود كوكبنا.

129 18 تكريس الحياة لملكوت اهلل ال ميكننا القيام بأي عمل صالح بدون في النهاية يسوع املسيح حتى لو كانت لدينا أقوى إرادة وأطيب نوايا وأشد اجتهاد يف الرصاعات الروحية. فمثللام ال يؤيت الغصن بثمر إال عندما يكون متصلال مع جذع أو ساق شجرة حي ة فهكذا الحال معنا فال ميكن أن يكون لنا حياة مثمرة إال عندما يكون لدينا اتصال مع الكرمة التي هي يسوع املسيح. لكن ال يرىض يسوع املسيح مبجرد تعلقنا به. صحيح أننا رأينا أنه ليس من املمكن استيعاب املغزى الكوين لعمل الفداء الذي قام به السيد املسيح أي أهمية الصليب على صعيد الكون من دون أن نخترب يسوع املسيح أوال ونتعر ف عليه شخصيا يف قلوبنا لكن لو اكتفينا بهذه العالقة الشخصية مع يسوع ومل نتحس س بالصورة األعظم لخطته لنا نحن البلرش الذين ن عترب جزءا 129

130 التحر ر من األفكار األثيمة 130 صغرا بالنسبة إىل الكون الذي ال نهاية له فسوف نجعل مسيحنا مسيحا صغرا جدا. فال تكفي يف اعتقادي مجرد محبة يسوع واالعرتاف به كصديق لقلوبنا وكمخل ص يهبنا عالقة أبدية مع الله. فهو بالتأكيد يريدنا أن منتلئ بأكرث من ذلك: برؤية امللكوت العظيم ألبيه السلاموي. فال يجوز أن أكتفي بالتغلب عى خطيئة معينة تضايقني ومن ثم أرتاح بال اكلرتاث قائال: لقد فزت مبعركتي الصغيرة وانتهت مهمتي. وقد أكون من أكرث الناس الصالحني يف العامل من وجهة نظر األخالق لكني لو افتقرت إىل محبة اآلخرين ومل يهمني أمرهم ملا كان قلبي نقي ا لحد اآلن. ولو تركت أخي اإلنسان يستمر يف جوعه وأنا شبعان ملا كنت قد تغلبت عى الخطيئة يف حيايت متاما. ويريدنا يسوع أن نقايس معه بسبب الظلم واملعاناة يف العامل وأن نجوع ونتعطش إىل انتشار اللرب واإلحسان بلني جميع الناس ويريدنا أن نشهد لطريقه طريق املحبة والعدل والسالم وأن نجاهد معه يف سبيل بناء مدينة عى جبل التي أشار إليها يف اإلنجيل: أنت م نور العال م. ال ت خف ى مدينة على جب ل وال ي وق د رس اج ويوض ع ت حت امل كيال ولك ن عى مكان م رت ف ع حت ى ي ضيء ل جميع ال ذين ه م يف الب يت. فل ي ض ء نور ك م هكذا ق د ام الن اس لي شاه دوا أعامل ك م

131 التحر ر من األفكار األثيمة 131 الص ال حة ومي ج دوا أباك م ال ذي يف الس لاموات. )متى )16 14 :5 ونقول هنا مرة أخرى أنه ليس باستطاعتنا تحقيق أي من هذه األمور أعلاله بدون أن نخترب شخصيا ونتذوق الوالدة الروحية الثانية. ونحن ال ننكر وليس لدينا أدىن شك يف أن قوة الخطيئة والظلمة تندحر يف كل مرة يجري الفوز بروح أي إنسان أو إنسانة لصالح املسيح أينام كان وأينلام كانت وهذا انتصار مللكوت الله. لكن لو مل نذهب إىل ما هو أبعد من مجرد اللقاءات الشخصية البن اءة مع يسوع لفاتتنا عظمة قضيته. ويكتب بهذا الصدد والدي ايربهارد آرنولد فيقول: نرى هنا كيف يفلرت الحلامس عند عدد كبير من املسيحيني. ألن أكرث ما يشغل الناس باستمرار هو سعيهم إىل تثبيت نعمة الخالص يف نفوسهم التي حصلوا عليها سلفا. فبدال عن ذلك يجب أن يقولوا:»لقد وهبني الله هذه التجربة الشخصية ليساعدين على الحصول عى وضوح عن املسيح بكامله وعن ملكوت الله بكامله ذلك الوضوح الذي من شأنه أن يجعل من حيايت جزءا من الحياة املكر سة مللكوته.«

132 التحر ر من األفكار األثيمة 132 وعندما أوصانا يسوع بأن نطلب أوال ملكوت الله وب ر ه فرمبا كان ذلك من أجل أن: نصبح مؤهللني ليس مبعنى نيل بركته شخصيا واالكتفاء بذلك بل أيضا مبعنى أن نصبح مجاهدين يف سبيل ملكوته. لذلك ل ن ع ش بأشد توق ع لتدخ ل الرب يف الحياة! فلو مل ننتظره برتق ب كبر ليتدخ ل يف كل مجال من مجاالت حياتنا ليشملها كلها ويغي ها كلها ويعم دها كلها ملا كنا حقا منتظرين له أصال. وأنا شخصيا أسأل نفيس يف نهاية كل يوم: هل كان حقا عندي رجاء قوي يف هذا اليوم هل جاهدت كثرا هل أحببت كثرا فيجب عى توقعاتنا لتدخ ل ملكوت الله أن تقودنا إىل عمل وحركة دؤوبة. إذ يقول يسوع املسيح يف نهاية موعظته عى الجبل: فم ن سم ع كالمي هذا وعم ل ب ه يكون م ث ل ر ج ل عاق ل ب نى ب يت ه عى الص خ ر. )متى 24( 7: لذلك ميكننا أن نربهن عى عمق رغبتنا يف إت باع املسيح عن طريق العمل مبشيئة الله. ويجب عى اشتياق قلوبنا مهام كانت مشاعرنا م لت ب سة ومتقل بة أن يبقى متأكدا من خيار واحد: إما أن نجوع ونتعطش إىل الرب يسوع وإما أن نصد عنه. والفرق بلني االثنلني له أهمية بالغة لكل واحد منا بشأن مستقبلنا األبدي.

133 التحر ر من األفكار األثيمة 133 ما أعظم تكريس الحياة مللكوت الله! ال ترتاجع. كر س حياتك للملكوت ابحث عنه وسوف تكتشف مدى عظمة جربوته بحيث أنه يغمر كيانك كله بظل ه وسوف يحل كل مشكلة يف حياتك وكل مشكلة عى وجه األرض. وسوف يتجد د كل يشء وسوف يحب كل إنسان أخاه اإلنسان بفضل املسيح. وسوف تندحر كل االنقسامات والخطايا وكل املعاناة واآلالم والظلمة واملوت وسوف تحكم املحبة وحدها.

134 من سيرة الكاتب هايرنيش آرنولد واسمه الكامل عندما كان عمر يوهان هايرنيش آرنولد Johann 1913( Heinrich Arnold 1982 م( ست سنوات قرر والداه ايربهارد واميي Eberhard and Emmy أن يلرتكا مدينة برللني ويهجرا منزلهلام وحياتهلام الراقية والرثي ة وانتقلوا جميعا إىل قرية يف وسط أملانيا تدعى زانرز Sannerz باألملانية. وهناك رشعا مع جامعة صغرة من األصدقاء بتأسيس مجتمع مسيحي كل املشاركة قوامه املحبة واملؤاخاة ومخافة الله والتوبة وقائم عى األساس الروحي الذي ورد يف اإلنجيل عن حياة الكنيسة الرسولية األوىل يف فجر املسيحية املدون يف سفر أعامل الرسل الفصل الثاين والرابع باإلضافة إىل موعظة يسوع املسيح عى الجبل. وكانت الفوىض والتمزق يعام ن البالد يف ذلك الوقت. 134

135 التحر ر من األفكار األثيمة 135 أما االضطرابات بشتى أنواعها التي أعقبت زمن الحرب العاملية األوىل التي دفعت والده الذي كان محررا صحفيا معروفا والهوتيا وخطيبا ليقوم مبجازفة ويخطو هذه الخطوة املسيحية الخالصة فكانت قد دفعت أيضا اآلالف من الناس اآلخرين ملناهضة التقاليد االجتامعية امل جح فة واملظاهر الدينية املتزمتة لتلك املرحلة والبحث عن طرق حياتية جديدة لتجسيد طريق املسيح عملي ا. فكانت تلك السنوات بالنسبة إىل املؤلف هايرنيش سنوات تكوينية شك لت بنيته الروحية. ثم أن التدفق املتواصل على مجتمعه املسيحي الصغر أث ر فيه بعمق حيث كان يزورهم شتى أنواع الناس مثل شباب فوضويلني ))) Anarchists ومترشدين ))) ومعلملني وفنانلني ومفكرين أحرار من أصحاب الفكر الحر. فكل أولئك الناس نبذوا رياء العامل املسيحي والديانة املسيحية املؤسساتية التي أمست غر مجدية وبال معنى والعديد منهم شعروا بانجذاب إىل حياة التفاين والفرح التي وجدوها يف مجتمع زانرز. ))) الفوضويون هم املنادون مببدأ الفوضوية وهي فلسلفة سياسية ال تؤمن بالنظام الحكومي بل بإقامة عالقات بلني الناس عى أسس فردية حر ة. ))) املتلرشدون هم ال بيت لهم وال وظيفة يتجو لون بدون هدف مشي ا عى األقدام قامئني بأفعال غريبة أو سائلني الناس لكسب معيشتهم.

136 التحر ر من األفكار األثيمة 136 أما هايرنيش فقد أحس بالدعوة اإللهية له ليتبع يسوع املسيح عندما كان عمره أحد عرشة سنة. فلب ى الدعوة ورهن حياته الحقا عندما صار شابا ليقدم نذوره املؤبدة للخدمة ضمن املجتمع املتشارك للكنيسة الذي ع ر ف آنذاك باسم برودرهوف Bruderhof )وهي تسمية أملانية تعني مكان اإلخوة(. ويف عام 1938 م تم ترسيمه»خادم الكلمة«)أي قسيس ( ومن بعد عام 1962 م ولغاية وفاته خدم كشيخ كنليس لجامعة برودرهوف املسيحية املتنامية. والرعية التي كانت يف عهدة هايرنيش ال ميكننا تسميتها بكنيسة عادية مثل بقية الكنائس ومل تكن خدمته مشابهة مطلقا لعمل القسيس باملفهوم التقليدي. باإلضافة إىل أنه مل يتحل بشخصية جذابة وما كان حاصال على شهادة أكادميية رسمية بعلم الالهوت. لكنه كان»مرشدا روحيا«بحق فكان يهتم من صميم قلبه بالسالمة الروحية والعملية للمجتمعات التي كانت يف عهدته. فقد خدم أفراد مجتمع الكنيسة من إخوة وأخوات جاعال نفسه قبل كل يشء باملستوى نفسه معهم وتقاسم معهم الحياة اليومية بكل ما فيها من عمل وترفيه سواء كانت عند املآدب املشلرتكة أو اجتامعات مصلحة العمل أو اجتامعات العبادة.

137 التحر ر من األفكار األثيمة 137 وقد التجأ الناس إىل هايرنيش طالبلني النصائح يف كل مجال من مجاالت الحياة الروحية سواء كانت عى الصعيد الشخيص أو على صعيد الجامعة. لكن نالحظ بوضوح وجود عامل مشلرتك واحد مير من خالل جميع ما كتب أال وهو التأكيد عى أن: السيد املسيح وصليبه هام مركز الكون. ويرص باستمرار على أن الحصول عى إميان مسيحي حي غير ممكن ما مل يتم مقابلة السيد املسيح بصورة شخصية وما مل يتم التواجه مع رسالته الخاصة بالتوبة واملحبة. وبسبب متركز املسيح عند هايرنيش فقد وهبه ذلك شجاعة غير اعتيادية ملواجهة الخطايا. فلم يتسامح مع الالمباالة مبتطلبات اإلنجيل. لكنه حارب الرش يف نفسه مثللام حاربه يف نفوس اآلخرين ومل تكن املعارك موجهة ضد أي شخص مطلقا بل ضد الخطايا. وجعله هذا عرضة لالنتقاد يف بعض األحيان وتم وصفه بأنه عصبي املزاج وحاد الطبع لكن وكام سأل هو بنفسه يف إحدى املرات كيف ميكن للمرء الذي يحب املسيح أن يبقى بكل فتور غير مبال أمام الخطر الذي تتعرض له كرامة الكنيسة وهذا ما جعله أيضا يدعو الناس إىل التوبة بكالم الذع يف بعض األحيان قائال:

138 التحر ر من األفكار األثيمة 138 أال نستعد لكللامت املسيح لندعها تخلرتق أعامق كياننا أم نستمر يف وقاية نفوسنا منها ونقليس قلوبنا تجاهها فال ندرك كم مرة وقفنا يف طريق الله. لكن ميكننا أن نسأل الله أن يخرتق أحشاءنا بكلمته اإللهية حتى لو كانت مؤملة. وبذات الحمي ة وبذات اإلرصار التي دعا بهام الناس إىل التوبة سعى أيضا إىل التحلي بالرأفة واملغفرة تجاه اآلخرين. فلو بحثنا عن الذين يأخذون على محمل الجد وصية يسوع املسيح»ا غ ف ر وا ي غ ف ر ل ك م «ووصية الغفران»س ب ع ني م ر ة س ب ع م ر ات «لوجدنا أن هايرنيش واحد منهم. وملا كان هايرنيش شيخا كنسيا ملجتمعات برودرهوف املسيحية قض ساعات كثرة يف قراءة الرسائل التي كانت تتدفق إليه يوميا آخذا بنظر االعتبار محتواها والصالة من أجلها حتى أنه كان يعيد قراءة بعض منها وكانت رسائله الجوابية تعكس مدى التواضع الذي كان يجيب به. وعندما كان ي سأل سؤال أو ي طلب منه طلبا كان يقدم إما مشورة وإما تعزية وإما توبيخا بل رمبا لوما عنيفا أيضا لكنه مل ينتقد أو يقلل من شأن من كان يلجأ إليه مطلقا. لذلك كان يلتجئ إليه املئات من الناس سنة بعد سنة وكان يوجههم دامئا ليمضوا إىل األمام نحو املسيح

139 التحر ر من األفكار األثيمة 139 ليخرجوا خارج نطاق انشغالهم الذايت بخطاياهم أو حتى خارج قداستهم البرشية الزائفة. وكان هايرنيش يعلم جيدا أنه ال يعرف جميع األجوبة والحلول. فغالبا ما كان يقول أنه بحاجة إىل أن يفكر يف موضوع املسألة أو يود الصالة من أجل حل ها أو مجرد يشعر بأنه ال يعرف ماذا يفعل بشأنها. وكان يرد عى من أراد أن يلرشح له آية صعبة أو تناقض واضح أو معنى فقرة غامضة يف الكتاب املقدس كاآليت:»لقد فكرت بهذه الكللامت عدة مرات لكني أنا شخصيا ال أفهمها متاما. لنرتكها لله. فسوف يبني لنا الله الجواب يف يوم ما«ومل يحاول أن يفرس ها إن مل يكن يعرف تفسرها. وبالرغم من أنه قد استفاض يف قراءة الكتاب املقدس بعهديه القديم والجديد لدى الجامعة إال أن تعليمه كان تعليم القلب ومعرفته كانت معرفة بالروح البرشية وفهمه لطرق الله كان وليد محبته لله وليسوع املسيح وللكنيسة. وأهم كل يشء كان له قابلية االستامع: فكان يستمع إىل إخوانه وأخواته يف الكنيسة واستمع إىل أصدقاء وغرباء ومنتقدين وأهم من كل يشء االستامع إىل الله. فقال مرة:

140 التحر ر من األفكار األثيمة 140 أريد أن استمع بقلبي الروحي إىل صوت الله وهو يتكلم من خالل أخوية الكنيسة. أريد أن أشهد ليسوع املسيح يف زماننا هذا. أريد أن أصبح فقرا.... فقرا إىل روح الله. أريد أن أكون مطيعا وأن أذهب حيثام ترسلني الكنيسة وأن أعمل مبشيئة الله. لقد تأثرت كتابات هايرنيش بصورة رئيسية بكتابات والده ايربهارد آرنولد )مؤسس حركة برودرهوف املسيحية للحياة املشرتكة Bruderhof ( وكتابات القسيس األملاين يوهان كريستوف بلومهارت Johann Christoph Blumhardt وابنه القسيس كريستوف فريدريش بلومهارت Christoph Friedrich Blumhardt اللذان متيزا برؤيتهام الحي ة عن ملكوت الله عى أنه واقع حارض وقد أي دهلام الله بقوات وعجائب كثيرة صنعها على أيديهلام وتأثر أيضا بكتابات الالهويت والفيلسوف األملاين مايسلرت ايكهارت Meister Eckhardt الذي كان من اآلباء الروحانيلني وكانت له الكثر من الكتابات املفيدة بشأن العالقة مع الله حيث نرى تعم قه الروحي ينعكس يف ميول هايرنيش إىل الحياة الروحية املسيحية املتعافية التي ال تقتلرص على عالقة مع الله فحسب بل أيضا عى عالقة مع أخينا اإلنسان وعى حياة عملية منظورة وذلك عندما

141 التحر ر من األفكار األثيمة 141 ينكلرس اإلنسان لله ليمتلئ من الروح القدس وحرارته وغرته فتتقدس روحه وحياته ويثمر حياة جديدة نقية ويحيا وفقا ملشيئة الله وإرشاده. ثم أنه قد تأثر أيضا بشخصيات أخرى أمثال ديرتيش فون هيلدابراند Dietrich von Hildebrand وهو فيلسوف والهويت كاثوليليك أملاين دعاه البابا بيوس الثاين علرش بصورة غر رسمية»طبيب الكنيسة للقرن العرشين «باإلضافة إىل األخصائ األملاين الكاثوليليك املعروف فريدريش فون جاجرن Friedrich von Gagern والطبيب السويرسي الفرنيس اإلخصائ يف علم االجتامع تشارلز بودوان الذين قرأ كتبهم واعتاد أن يشر إليهم ويدرج اقتباسات لهم. ويساهم كل هؤالء الكت اب يف إضفاء رؤية واسعة على رسالة هايرنيش بحيث ال ميكننا تجاهلها تلك الرؤية التي ترفع أعيننا من تفاهات الحياة اليومية لرنى واقعا أعظم منا شخصيا ذلك الواقع الذي غالبا ما نهمله. وإليكم اقتباس لهايرنيش بهذا الشأن: ما أعظم الهبة التي نتمكن بفضلها رؤية ولو جزء يسير من رؤية يسوع املسيح العظيمة ورؤية ما هو خارج نطاق حياتنا الصغرة! مام ال شك فيه أن نظرتنا لها محدوديتها. لكن ميكننا عى األقل أن نسأله ليدعونا إىل الخروج من عواملنا الصغرة

142 التحر ر من األفكار األثيمة 142 ومن متركزنا حول ذواتنا واألنانية ثم أننا ميكننا على األقل أن نسأله ليجعلنا نتحسس بالتحديات املوجودة يف عملية تجميع الحصاد العظيم))) حصاد جميع األمم وجميع الناس مبا يف ذلك أجيال املستقبل. بقلم أسرة التحرير هاينريش آرنولد وزوجته آنا ماري Annemarie ))) الحصاد يشير هنا إىل ما قاله الرب يسوع املسيح يف اإلنجيل:»وقال له م: الح صاد كثير ولك ن الع ام ل ق ليلون. فا طل بوا م ن ر ب الح صاد أن ي رس ل ع لام ال إىل حصاد ه.«)لوقا 2( 10:

143 نبذة عن جماعة برودرهوف تعيش مجتمعات جامعة في زماننا المعاصر برودرهوف املساملة الحياة املسيحية املشلرتكة يف عدد من الدول. فكل املادي ات مشلرتكة. وتعني تسمية برودرهوف باألملانية: مكان اإلخوة. ويتألف قوامها من عائالت وعزاب عى حد سواء. وهي غر طائفية ولديها عالقات حميمة مع الجميع. وتدعو جميع الكنائس إىل التزام الوحدة الحقيقية فيام بني أفرادها والعيش كجامعة بالتزامات حياتية مؤبدة وإىل العمل املشلرتك يف سبيل تجسيد ملكوت الله عى أرض الواقع كلام تدعو أيضا إىل خدمة اإلنسانية والتعاون مع جميع القوى الخي ة مهام كان معتقدها يف سبيل السلالم وبناء املعمورة. أما أفراد جامعة برودرهوف فقد جاؤوا من بلدان 143

144 التحر ر من األفكار األثيمة 144 مختلفة ومن خلفيات متنوعة وجمعهم الرب ليصبحوا إخوة وأخوات فعلي ا. ويقدمون نذورهم املؤبدة بالخدمة والطاعة والفقر. ومثالها حياة يسوع املسيح وجامعة التالميذ وحياة الكنيسة الرسولية املذكورة يف اإلنجيل كام يل: وكان امل ؤم نون ك ل ه م م ت ح دين ي جع لون ك ل ما ع ند ه م م شلرت ك ا ب ين ه م ي بيعون أمالك ه م وخ رات ه م وي تقاس مون مث نها عى ق در حاج ة ك ل واحد م نه م. )أعلامل )45 44 :2 وللمزيد من املعلومات ميكنكم زيارة املواقع التالية: