األوالد النفسية والصحية

0

هذا الكتاب يتناول هذا الكتاب ما تحدث عنه الفقهاء من حقوق نفسية وصحية لألوالد ذلك أنه ال يمكن لمن يبحث في فقه األسرة أن يمر باألوالد دون أن يبحث في أحكامهم وما راعاه الشرع من المقاصد نحوهم. ذلك أن الشرع الحكيم أعطى األوالد أهمية كبرى باعتبارهم من المستضعفين الذين يحتاجون إلى من يتوالهم ويكفلهم ويحفظ حقوقهم وحسبنا ي من القرآن الكريم داللة على أهمية حقوق األوالد قوله تعالى: ي وص يك م الل ه ف أ و الد ك م )النساء: 11 ( وقد اقتصرنا في هذا الجزء على نوعين من الحقوق: الحقوق النفسية: ونريد بها مراعاة الجوانب النفسية للطفل حتى يشب شخصا سويا خاليا من العقد التي قد تؤثر في توجهات حياته وأدائه لوظيفته. الحقوق الصحية: ونريد بها الحقوق التي تضمن سالمة األوالد الجسدية بدءا من حقهم في الحياة وانتهاءا بحفظهم من العلل وحقهم في كل ما تحتاجه سالمة جسدهم من نفقات. 1

فقه األسرة برؤية مقاصدية )5( حقوق األوالد النفسية والصحية برؤية مقاصدية د. نور الدين أبو لحية http://www.aboulahia.com/ الطبعة الثانية 5165 6341 دار األنوار للنشر والتوزيع

3

فهرس المحتويات 4 9 11 11 11 11 11 11 12 12 11 41 24 24 24 24 08 98 91 92 فهرس المحتويات المقدمة الفصل األول حق األوالد في الحياة أوال أحكام االمتناع عن اإلنجاب 1 االمتناع الكلي عن اإلنجاب 1 االمتناع المؤقت عن اإلنجاب 1 الدوافع الشرعية لتنظيم النسل ثانيا أحكام التخلص من الجنين 1 دوافع اإلجهاض 1 وقت اإلجهاض 1 التشريعات الرادعة عن التخلص من الجنين الفصل الثاني حق األوالد في النسب أوال شروط ثبوت النسب الشرط األول: ثبوت النسب من الناحية الواقعية الشرط الثاني ثبوت النسب من الناحية الشرعية ثانيا نفي النسب وشروطه أن يذكر نفي نسب الولد إليه حال المالعنة: أن ال يكذب الزوج نفسه بعد اللعان: 4

92 99 188 181 182 182 111 112 111 112 111 111 111 114 148 141 149 149 121 199 100 أن ال تكون الزوجة مكرهة على الزنا: أن تضع الحمل: التصريح بنفيه عند الوضع: التصريح بالقذف مع نفي النسب: ثالثا مسائل معاصرة تتعلق بنسب الولد 1 شتل الجنين: 1 أطفال األنابيب: رابعا إلحاق النسب بالقيافة شروط صحة إثبات النسب بالقيافة شروط القائف: الفصل الثالث حق األوالد في الرعاية الصحية أوال حق الجنين في الرعاية الصحية 1 تغذية الحامل 1 الراحة النفسية للحامل 1 صحة الحامل ثانيا حق الرضيع في الرعاية الصحية 1 وقاية األوالد من األمراض المحتملة 1 الختان ثالثا حق األوالد في الرضاعة 1 حق األم في الرضاع: 5

109 192 114 118 118 118 111 114 114 119 141 142 128 191 191 191 102 102 198 194 188 1 حكم اإلرضاع الصناعي 1 أحكام استئجار المرضع 4 أحكام الفطام الفصل الرابع التهيئة االجتماعية لألوالد أوال حق األوالد في االسم الحسن وقت التسمية: حكم التصرف في االسم: األسماء المستحبة األسماء القبيحة أحكام الكنى أحكام األلقاب ثانيا حق األوالد في العقيقة الفصل الخامس حق األوالد في المعاملة العادلة أوال العدل في المعاملة المادية ثانيا العدل في المعاملة النفسية 1 اعتبار البنات هبة من الله تعالى: 1 اعتبار تسخط البنات من الجاهلية: 1 الجزاء على اإلحسان لها: الفصل السادس 6

188 188 181 182 189 111 112 112 118 112 119 119 119 141 149 140 149 124 122 124 190 الحقوق الشرعية للقيط حقيقة اللقيط وحكم التقاطه: الحق األول: حرية اللقيط الحق الثاني: حق اللقيط في النسب الحق الثالث: حق النفقة الحق الرابع: حق التملك الحق الخامس: الحقوق المدنية الحق السادس: حفظ عرضه ودمه الحق السابع: حق الحماية الحق الثامن: حفظ اللقيط من التنازع الفصل السابع الحقوق الشرعية لليتامى أوال: حق اليتيم في اإلحسان ثانيا: حق اليتيم في النفقة ثالثا حق اليتيم في الكفالة 1 من يتكفل اليتيم: 1 شروط ولي اليتيم: 1 دور الولي رابعا حق اليتيم في حفظ ماله 1 مظاهر الظلم في أكل أموال اليتامى 1 التصرف المصلحي في أموال اليتامى 7

192 192 192 489 411 411 418 412 440 الفصل الثامن أحكام الحضانة 1 حكم الحضانة 1 حق األم في الحضانة 1 موانع حضانة األم 4 مراتب من تثبت له الحضانة بعد األم 2 حق أقارب األم في حضانة ولدها ومراتبهم في الحضانة 2 شروط الحاضن 9 آثار الحضانة 8

المقدمة ال يمكن لمن يبحث في فقه األسرة أن يمر باألوالد دون أن يبحث في أحكامهم وما راعاه الشرع من المقاصد نحوهم ذلك أن الشرع الحكيم أعطى األوالد أهمية كبرى باعتبارهم من المستضعفين الذين يحتاجون إلى من يتوالهم ويكفلهم ويحفظ حقوقهم وحسبنا من القرآن الكريم داللة على أهمية حقوق األوالد قوله ك م )النساء :11( ي أ و الد ي وص يك م الل ه ف تعالى: بحسب ما يتصوره والعالم وإن تصور أنه توجه اآلن إلى حفظ حقوق الطفولة )1( من حقوق فإنه بجنب ما ضمن الشرع من حقوق للطفولة وبجنب ما ألفت إليه االنتباه منها مقصر جدا. ولن نتحدث في هذه المقدمة المختصرة عن أدلة هذا ألن كل ما سنورده في هذا الكتاب وما يليه أدلة عليه. التالية: وقد رأينا أن حقوق الطفولة بحسب ما تدل عليه النصوص ترجع إلى الحقوق الحقوق النفسية: ونريد بها مراعاة الجوانب النفسية للطفل حتى يشب شخصا سويا خاليا من العقد التي قد تؤثر في توجهات حياته وأدائه لوظيفته. الحقوق الصحية: ونريد بها الحقوق التي تضمن سالمة األوالد الجسدية بدءا من حقهم في الحياة وانتهاءا بحفظهم من العلل وحقهم في كل ما تحتاجه سالمة جسدهم )1( اهتم العالم ومنذ بروز التكتالت الدولية بالطفولة وعمل على إصدار الكثير من التوصيات والقرارات بشأنها منها:اإلعالن العالمي لحقوق الطفل 1929 م وميثاق حقوق الطفل العربي 1904 م والعام الدولي للطفل 1999 م ويوم الطفل العالمي وإنشاء منظمة الطفولة العالمية اليونسيف وإنشاء الهيئة العالمية لبحوث أدب األطفال وتخصيص الجوائز العالمية ألدب األطفال وإقامة المعارض الدولية لكتب الطفل. 9

من نفقات. وقد جمعنا الحقوق المرتبطة بهذين الجانبين في هذا الجزء األول من المجموعة. حقهم في التربية السليمة: وفق األساليب الصحيحة التي ال تؤثر في شخصيتهم نفسيا من جهة كما أنها تؤدي دورها في تحقيق األبعاد التي تتكون منها الشخصية السوية. األوالد( وقد خصصنا هذا الحق بالجزء التالي لهذا الجزء )األساليب الشرعية في تربية حقهم في التربية على ما تستلزمه الشخصية السوية من أبعاد: وهو من أهم الحقوق وقد خصصناه ألهميته بكتاب )األبعاد الشرعية لتربية األوالد( وسنتحدث في هذه المجموعة بحسب ما نتصوره من المعنى الشامل للفقه ال المعنى المحدود الذي اشتهرت به كتب المتأخرين والتي لم تتحدث من هذه الجوانب إال على النزر اليسير. ولذلك ستكون أكثر مراجعنا في هذه المجموعة زيادة على كتب الفقه: القرآن الكريم الذي هو األصل وتفاسيره والسنة المطهرة وشروحها. 10

الفصل األول حق األوالد في الحياة ويدل لهذا الحق النصوص الكثيرة فالله تعالى ينهى عن قتل األوالد قالتعالى: و ال ت ق ت ل وا أ و الد ك م م ن إ م الق ن ح ن ن ر ز ق ك م و إ ي اه م )األنعام: 121 ( وقال تعالى: و ال ت ق ت ل وا أ و الد ك م خ ش ي ة إ م الق )االسراء: 11 ( ن ح ن ن ر ز ق ه م و إ ي اك م إ ن ق ت ل ه م ك ان خ ط ئا ك ب يرا بل إنه حرم قتلهم قبل أن يولدوا فحرم أن تجهض المرأة نفسها بغير ضرورة ولم يجز إقامة الحد على المرأة القاتلة أو الزانية إذا ثبت زناها فقد جاءت المرأة الغامدية إلى النبي تقر على نفسها بأنها زنت وأنها ح بلى من الزنا فلم يقم عليها النبي الحد وقال لها: اذهبي حتى تلدي فذهبت المرأة أشهرا حتى وضعت طفلها وجاءت به على يديها تريد أن ترجم وأن تتطهر من الفاحشة التي ارتكبتها فقال لها: اذهبي حتى تفطميه )1(.. بل شرع العقوبات الخطيرة الرادعة عن أي تسب في قتل الجنين أو إعاقته. وسنحاول في هذا الفصل أن تحدث عن ثالثة جوانب خصصنا كل واحد منها بمبحث خاص وهي: 1 أحكام االمتناع عن اإلنجاب وهو ما يتسبب في منع الولد من حق الوجود. 1 أحكام التخلص من الجنين بعد وجوده. 1 التشريعات الرادعة عن التخلص من الجنين. رواه أحمد )11118( 149/2 و 140/2 )11119( والدارمي 1118 و 1114 ومسلم )4421( 118/2 11 )1(

أوال أحكام االمتناع عن اإلنجاب رغبت الشريعة اإلسالمية في كثرة النسل وخاصة إذا ارتبط بذلك النية الصالحة ففي الحديث أن جاء رجال إلى رسول الله فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب إال أنها ال تلد أفأتزوجها فنهاه ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فنهاه فقال: )تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم( )1( والبحث في هذه الناحية يستدعي الحديث عن الحكم الشرعي لالمتناع عن اإلنجاب سواء كان امتناعا كليا أو جزئيا وسنعرف أحكام ذلك في هذا المبحث: 1 االمتناع الكلي عن اإلنجاب اتفق الفقهاء على حرمة التسبب في كل ما يعطل القدرة على اإلنجاب وقد اختلفت عباراتهم في ذلك ومن ذلك ما جاء في حاشية الجمل قال: )ويحرم ما يقطع الحبل من أصله أما ما يبطئ الحبل مدة وال يقطعه من أصله فال يحرم كما هو ظاهر بل )1( إن كان لعذر كتربية ولد لم يكره أيضا وإال كره( وفيها:)أما استعمال الرجل والمرأة دواء لمنع الحبل فقد سئل عنها الشيخ عز الدين فقال ال يجوز للمرأة ذلك وظاهره التحريم وبه أفتى العماد بن يونس فسئل عما إذا تراضى الزوجان الحران على ترك الحمل هل يجوز التداوي لمنعه بعد طهر الحيض أجاب ال يجوز. وقد يقال هو ال يزيد على العزل وليس فيه سوى سد باب النسل ظنا وأن الظن ال يغني من الحق شيئا وعلى القول بالمنع فلو فرق بين ما يمنع بالكلية وبين ما يمنع )1( أبو داود )1828 و( النسائي 22/2 وفي الكبرى 2111. 11 )1( حاشية الجمل: 442/4.

في وقت دون وقت فيكون كالعزل لكان متجها( )1( وجاء في نهاية المحتاج:)ويحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله كما صرح به كثيرون وهو ظاهر أما ما يبطل الحمل مدة وال يقطعه من أصله فال يحرم كما هو ظاهر ثم الظاهر أنه إن كان لعذر كتربية ولد لم يكره أيضا وإال كره( )1( )1( وقال الشيخ عليش:) ال يجوز استعمال دواء لمنع الحمل( وفي مقابل ذلك أجاز الزيدية كما في التاج المذهب قال: )وكذا يجوز للمرأة أن تفعل بنفسها ما يمنع الحبل وإن لم يرض زوجها ألنه لم يثبت له حق في حملها إال بعد وجوده( )4( والظاهر أن المراد بهذا ما يمنع الحمل منعا جزئيا ولو أن العبارة ال تدل عليه. ومن األساليب التي يحصل بها االمتناع الكلي عن اإلنجاب والتي نصت عليها األحكام السابقة التعقيم وهو عملية جراحية ال تتعلق بالناحية الجنسية أو القدرة عليها وال تعطل إال القدرة على اإلنجاب وقد نص العلماء المعاصرون على حرمة هذه العملية ألدائها إلى عدم الحمل كلية إال إذا كان لذلك أسبابه الصحية الوجيهة. 1 االمتناع المؤقت عن اإلنجاب انطالقا من أن الوسيلة المستخدمة لتنظيم النسل قديما هي العزل فإن الطريق لمعرفة مواقف الفقهاء من حكم هذا النوع من االمتناع عن اإلنجاب يرتبط بمعرفة حكم العزل وإن كان الفقهاء قد ذكروا وسائل أخرى سنعرض لها هنا كوضع خرقة وهي بديل للواقي المستعمل اآلن أو استعمال الدواء وغيرها من الوسائل. 13 )1( حاشبة الجمل: 491/2. )1( نهاية المحتاج: 112/9. )1( فتح العلي المالك: 199/1. )4( التاج المذهب: 90/1.

ويمكن من خالل االطالع على أقوال الفقهاء في هذه المسألة حصر الخالف في القولين التاليين )1( : القول األول: حرمة العزل قال ابن تيمية:) أما العزل فقد حرمه طائفة من العلماء لكن مذهب األئمة األربعة أنه يجوز بإذن المرأة( )1( ومن العلماء الذين قالوا بحرمة العزل ابن حزم فقد قال:) وال يحل العزل عن حرة وال عن أمة( )1( ومن األدلة التي استدل بها على ذلك ما رواه عن عروة بن الزبير عن عائشة عن جدامة بنت وهب قالت: حضرت رسول الله في أناس فسألوه عن العزل فقال رسول الله : ذلك الوأد الخفي وقرأ: و إ ذ ا ال م و ؤ ود ة س ئ ل ت )التكوير: 0 (( )4( قال ابن حزم:) هذا خبر في غاية الصحة( )2( وقد اعتبر ابن حزم هذا الحديث أصال واعتبر ما عداه إما مفهوما على غير وجهة أو غير صحيح أو صحيحا منسوخا فقال في حديث أبي سعيد الذي فيه )ال عليكم أن ال تفعلوا(:) هذا خبر إلى النهي أقرب وكذلك قال ابن سيرين( أما احتجاجهم بتكذيب النبي قول اليهود: هو الموءودة الصغرى وبغيره من األحاديث الدالة على إباحة العزل فقد رد عليه ابن حزم بقوله: )يعارضها خبر جدامة 14 )1( وقد ذكر الغزالي أن الخالف في المسألة على أربعة مذاهب فقال:«اختلف العلماء في إباحته وكراهته على أربع مذاهب فمن مبيح مطلقا بكل حال ومن محرم بكل حال ومن قائل يحل برضاها وال يحل دون رضاها وكأن هذا القائل يحرم اإليذاء دون العزل ومن قائل يباح في المملوكة دون الحرة» وما سنذكره هنا من القولين يحاول حصر الخالف في هذين القولين. )1( الفتاوى الكبرى: 181/1. )1( المحلى: 111/9. )4( مسلم: 1829/1 البيهقي: 111/9 ابن ماجة: 240/1 مسند أبي عوانة: 181/1. )2( المحلى: 111/9.

الذي أوردنا وقد علمنا بيقين أن كل شيء فأصله اإلباحة لقول الله تعالى: ه و ال ذ ي خ ل ق ل ك م يع ا )البقرة: 19 (وعلى هذا كان كل شيء حالال حتى نزل م ا ف ي األ ر ض ج م التحريم قال تعالى: و ق د ف ص ل ل ك م م ا ح ر م ع ل ي ك م )األنعام: 119 (فصح أن خبر جدامة بالتحريم هو الناسخ لجميع اإلباحات المتقدمة التي ال شك في أنها قبل البعث وبعد البعث وهذا أمر متيقن ألنه أخبر أنه الوأد الخفي والوأد محرم فقد نسخ اإلباحة المتقدمة بيقين فمن ادعى أن تلك اإلباحة المنسوخة قد عادت وأن النسخ المتيقن قد بطل فقد ادعى الباطل وقفا ما ال علم له به وأتى بما ال دليل له عليه( )1( وقد ذكر أنه صح المنع منه عن جماعة من السلف فعن نافع: أن ابن عمر كان ال يعزل وقال: لو علمت أحدا من ولدي يعزل لنكلته قال ابن حزم:) ال يجوز أن ينكل على شيء مباح عنده ) وعن زر بن حبيش أن علي بن أبي طالب كان يكره العزل وعن عبد الله بن مسعود أنه قال في العزل: هي الموءودة الخفية وعن سليمان بن عامر قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول وقد سئل عن العزل فقال: ما كنت أرى مسلما يفعله وعن ابن عمر قال: ضرب عمر على العزل بعض بنيه وعن سعيد بن المسيب قال: كان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ينكران العزل( )1( القول الثاني: إباحة العزل وهو قول جمهور العلماء ومن األدلة على ذلك: 1 األحاديث الدلة على إباحة العزل وهي كثيرة منها ما روي عن أبي سعيد الخدري أن رجال قال: يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال وإن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى. قال: )كذبت 15 )1( المحلى: 111/9. )1( انظر هذه اآلثار في: المحلى: 111/9.

يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه( )1( ومنها ما روي عن جابر قال: أتى النبي رجل من األنصار فقال: يا رسول الله إن لي جارية تسير تستقي على ناضحي وأنا أصيب منها أفأعزل فقال رسول الله نعم فاعزل. فلم يلبث الرجل أن جاء فقال: يا رسول الله قد عزلت عنها فحملت. فقال رسول الله :)ما قدر الله عز وجل لنفس أن يخلقها إال وهي كائنة( )1( وفي حديث آخر عنه أن رسول الله أذن في العزل وعنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله فال ينهانا عن ذلك )1(. وعن أبي سعيد الخدري قال: لما افتتح رسول الله خيبر أصبنا نساء فكنا نطؤهن فنعزل عنهن فقال بعضنا لبعض أتفعلون هذا ورسول الله إلى جنبكم ال تسألونه. قال: فسألوه عن ذلك فقال:)ليس من كل الماء يكون الولد إن الله إذا أراد أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء فال عليكم أال تعزلوا( )4( اإلجابة على ما أورده المخالفون من أصحاب القول األول وقد أجاب 1 الطحاوي على ذلك برد التعارض الذي قد يبدو في هذه األحاديث بل قد ورد الجواب عن ذلك من السلف أنفسهم وسنذكر هنا كلتا اإلجابتين إجابة السلف وإجابة الخلف: فمنها أن أصحاب رسول الله تذاكروا عند عمر العزل فاختلفوا فيه فقال عمر: قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الخيار فكيف بالناس بعدكم إذ تناجى رجالن فقال عمر: ما هذه المناجاة قال إن اليهود تزعم أنها الموءودة الصغرى فقال علي: إنها ال تكون )1( البيهقي: 118/9 أبو داود: 121/1. )1( مسند أبي عوانة: 99/1 النسائي: 141/2 أحمد: 111/1. )1( البخاري: 1990/2 مسلم: 1822/1 ابن حبان: 289/9 البيهقي: 110/9 النسائي: 144/2 ابن ماجة: 218/1 أحمد:.112/1 )4( مسند أبي عوانة: 90/1 أحمد: 49/1 المعجم األوسط: 181/0. 16

ن ط ين موءودة حتى تمر بالتارات السبع و ل ق د خ ل ق ن ا اإل نس ان م ن س ال ل ة م )المؤمنون: 11 ( إلى آخر اآلية فعجب عمر من قوله وقال: جزاك الله خيرا. ومنها ما روي عن ابن عباس أنه أتاه ناس من أهل العراق يسألونه عن العزل وهم يرون أنه الموءودة فقال لجواريه: أخبروهم كيف أصنع فكأنهن استحيين فقال إني ألصبه في الطست ثم أصب عليه الماء ثم أقول إلحداهن: انظري ال تقولين إن كان شيء ثم قال: إنه يكون نطفة ثم دما ثم علقة ثم مضغة ثم يكون عظما ثم يكسى لحما ثم يكون ما شاء الله حتى ينفخ فيه الروح ثم تال هذه اآلية ث م أ نش أ ن اه خ ل ق ا آخ ر ف ت ب ار ك ين )المؤمنون: 14 ( الل ه أ ح س ن ال خ ال ق قد يكون لسماعه إياه من اليهود 1 أن قول رسول الله ذلك في البدء )1( فاعتقد صحته قال الطحاوي:)قد يجوز أن يكون رسول الله قال ذلك لما كان عليه من اتباع اليهود على شريعتهم ما لم يحدث الله في شريعته ما ينسخ ذلك إذ كانوا أهل كتاب مقتدين بالذي جاءهم بكتابهم وإذ كان تعالى أنزل عليه فيما أنزل أ و ل ئ ك ال ذ ي ن )األنعام: 98 ( إنما ه د ى الل ه )األنعام: 98 (يعني من تقدم من أنبيائه ف ب ه د اه م اق ت د ه كان يصل إلى ذلك مما كان يجده في التوراة وفيما سواها من كتب الله تعالى التي كان أنزل على أنبيائه قبله صلوات الله عليه وعليهم فجاز أن يكون لما كشفهم عن ذلك كيف هو في كتابهم ذكروا له أنه الموءودة الصغرى وكذبوه. فقال ما قال مما ترويه عنه جدامة ثم أعلمه الله تعالى بكذبهم وأن األمر في الحقيقة بخالف ذلك( )1( ثم عقب على ذلك بقوله:) فلما وقف رسول الله على كذب اليهود فيما كانوا )1( طبعا هذا ما قاله الفقهاء وهو غريب جدا وال يتناسب مع النبوة وقد رددنا عليه بتفصيل في كتاب ]رسول الله.. والقلوب المريضة[ )1( مشكل اآلثار: 191/1. 17

قالوه في العزل واستحالته أكذبهم فيه وأعلم الناس أنه ال يكون إن عزلوا أو لم يعزلوا إال ما قدر الله عز وجل فيه من كون ولد منه أو من انتفاء ذلك منه( )1( وقد اختلف أصحاب هذا القول في كراهته وعدمها على الرأيين التاليين: الرأي األول: أن العزل مكروه إال أن يكون لحاجة مثل أن يكون في دار الحرب فتدعوه حاجته إلى الوطء فيطأ ويعزل أو تكون زوجته أمة فيخشى الرق على ولده أو تكون له أمة فيحتاج إلى وطئها وإلى بيعها وقد رويت كراهته عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عمر وابن مسعود. وقد أفتى الشافعية بأن )العزل حذرا من الولد مكروه وإن أذنت فيه المعزول عنها حرة كانت أو أمة ألنه طريق إلى قطع النسل( )1( ومن األدلة التي استدلوا بها على ذلك: 1 أن فيه تقليل النسل وقطع اللذة عن الموطوءة. أن النبي حث على تعاطي أسباب الولد فقال:) تناكحوا تناسلوا 1 تكثروا( )1( الرأي الثاني: اإلباحة قال ابن قدامة:) ورويت الرخصة فيه عن علي وسعد بن أبي وقاص وأبي أيوب وزيد بن ثابت وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب ابن األرت وسعيد بن المسيب وطاوس وعطاء والنخعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي( )1( مشكل اآلثار: 191/1. )1( حاشبة الجمل: 491/2. )1( ابن مردويه في تفسيره عن ابن عمر بسند ضعيف والطبراني في األوسط من حديث سهل بن حنيف انظر: مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا )ص: 22( 18

وقال الشيخ عليش من المالكية:) وأما وضع شيء كخرقة في الفرج حال الجماع تمنع وصول الماء للرحم فألحقه عبد الباقي بالعزل في الجواز بشرطه( )1( ومن أشهر المدافعين عن هذا الرأي الطحاوي والغزالي قال الطحاوي:) فلما انتفى المعنى الذي به كره العزل وما ذكر من ذكر في ذلك أنه من الموءودة وثبت عن رسول الله ما قد ذكرناه عنه من إباحته ثبت أن ال بأس بالعزل لمن أراده على الشرائط التي ذكرناها وفصلناها في أول هذا الباب وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين( )1( وقال الغزالي: )والصحيح عندنا أن ذلك مباح وأما الكراهية فإنها تطلق لنهي التحريم ولنهي التنزيه ولترك الفضيلة فهو مكروه بالمعنى الثالث أي فيه ترك فضيلة كما يقال: يكره للقاعد في المسجد أن يقعد فارغا ال يشتغل بذكر أو صالة ويكره للحاضر في مكة مقيما بها أن ال يحج كل سنة والمراد بهذه الكراهية ترك األولى والفضيلة فقط وهذا ثابت لما بيناه من الفضيلة في الولد( )1( وهو بذلك بكاد يقترب من الرأي األول ولكن ما ذكره من أدلة يجنح إلى الجواز واألصح في رأيه هو التفصيل كما سنرى في محله وسنذكر هنا بعض الوجوه التي استدل بها أصحاب هذا القول على الجواز )4( : 1 أن إثبات النهي إنما يمكن بنص أو قياس على منصوص وال نص وال أصل يقاس عليه بل ههنا أصل يقاس عليه وهو ترك النكاح أصال أو ترك الجماع بعد النكاح 19 )1( فتح العلي المالك: 199/1. )1( شرح معاني اآلثار: 11/1. )1( اإلحياء:.21/1 )4( اإلحياء: 21/1 شرح معاني اآلثار: 11/1.

أو ترك اإلنزال بعد اإليالج فكل ذلك ترك لألفضل وليس بارتكاب نهي وال فرق إذ الولد يتكون بوقوع النطفة في الرحم ولها أربعة أسباب: النكاح ثم الوقاع ثم الصبر إلى اإلنزال بعد الجماع ثم الوقوف لينصب المني في الرحم وبعض هذه األسباب أقرب من بعض فاالمتناع عن الرابع كاالمتناع عن الثالث وكذا الثالث كالثاني والثاني كاألول. 1 أنه ال يصح قياس العزل على اإلجهاض والوأد ألن ذلك جناية على موجود حاصل بخالف العزل فإنه وجود متوهم. 1 اآلثار الواردة عن الصحابة والتي يفهم منها الجواز بادئ الرأي قال الطحاوي بعد إيراده ما ذكرنا من اآلثار الواردة عن الصحابة في جواز العزل:) فهذا علي وابن عباس قد اجتمعا في هذا على ما ذكرنا وتابع عليا على ما قال من ذلك عمر ومن كان بحضرتهما من أصحاب رسول الله ففي هذا دليل على أن العزل غير مكروه من هذه 4 أن الله تعالى إذا كان قد قدر أنه يكون ذلك كان ذلك الولد ولم يمنعه عزل الجهة( )1( وال غيره ألنه قد يكون مع العزل إفضاء بقليل الماء الذي قد قدر الله تعالى أن يكون منه ولد فيكون منه ولد ويكون ما بقي من الماء الذي قد يمتنعون من اإلفضاء به بالعزل فضال وقد يكون الله عز وجل قد قدر أن ال يكون من ماء ولد فيكون اإلفضاء بذلك الماء والعزل سواء في أن ال يكون منه ولد. فكان اإلفضاء بالماء ال يكون منه ولد إال بأن يكون في تقدير الله عز وجل أن ال يكون من ذلك الماء ولد فيكون كما قدر. الترجيح: 10 )1( شرح معاني اآلثار: 18/1.

نرى أن األرجح في المسألة هو أن حكم العزل وغيره من وسائل تنظيم النسل يتوقف على جانبين: الجانب األول: الوسيلة التي يتم بها تنظيم النسل فقد تكون عزال أو غيره فلذلك يشترط فيها كما يشترط في كل الوسائل أن ال يكون فيها ضرر فبعض األدوية المستعملة اآلن مثال يصيب كثيرا من النساء بأضرار صحية قد تصل درجة كبيرة من الخطورة بل ألفت الكتب المتخصصة التي تحذر من استعمال بعض تلك األدوية وحتى الوسائل األخرى قد تحوي بعض المخاطر ولو لم تكن آنية. وقد ذكر محمد علي البار بعض المخاطر الصحية من استعمال الوسائل المختلفة لمنع الحمل ومما ذكره من مخاطر حبوب منع الحمل قوله:)ولكل مجموعة من هذه المجموعات مساوئها وأضرارها وأشهر هذه المساوئ هي زيادة الجلطات في الساقين والرئتين والقلب وزيادة اإلصابة بمرض السكر وإصابة الكبد وضغط الدم واالضطرابات النفسية واحتمال زيادة في سرطان عنق الرحم وسرطان الثدي وتمنع المرأة في العادة من استعمال الحبوب خاصة تلك التي بها هرمون اإلستروجين ومشتقاته إذا كانت تعاني من ضغط الدم أو مرض في الكبد أو مرض في الكلى أو هبوط في القلب أو لها تاريخ قديم للجلطات في الساقين وغيرهما أو مرض البول السكري او فوق سن األربعين أو تعاني من أمراض نفسية أو كآبة شديدة( )1( وذكر من مخاطر استعمال اللولب:)النزف المتكرر من المرأة التي تضع في رحمها وثانيها اآلالم التي قد تكون مبرحة وثالثها اختراق هذا اللولب للرحم مما يسبب انثقاب الرحم وهو أمر خطير جدا أو أن اللولب ينغرز في جدار الرحم ورابعها اإلنتان 11 )1( خلق اإلنسان بين الطب والقرآن: 280.

المتكرر الذي يصحب إدخال اللولب وبقائه في الرحم وخامسها أن الرحم يقوم بطرد هذا الجسم الغريب وسادسها زيادة في حدوث الحمل ي قناة الرحم وسابعها حدوث الحمل وذلك بسبة تصل إلى ستة بالمائة( )1( فلذلك ال يصح استعمال أي وسيلة إال بعد التأكد التام من عدم المضرة وإال كانت حراما للضرر الذي ورد النهي عنه أنى وجد وكيف وجد وإباحة المقصد ال تبيح الوسيلة. الجانب الثاني: المقصد الذي يراد من هذه العملية ونرى أن األرجح في هذا هو عدم إطالق القول فيه بل يختلف حكمه باختالف األحوال فلذلك يمكن القول بأنه ترد عليه األحكام الخمسة من اإلباحة والكراهة والحرمة والندب والوجوب. وقد أشار الغزالي إلى هذا االعتبار الذي يمكن بواسطته التوفيق بين األقوال المختلفة في المسألة فذكر أن النيات الباعثة على العزل خمس ثالثة منها حكم بإباحتها وهي:)األولى: في السراري وهو حفظ الملك عن الهالك باستحقاق العتاق وقصد استبقاء الملك بترك اإلعتاق ودفع أسبابه ليس بمنهي عنه. الثانية: استبقاء جمال المرأة وسمنها دوام التمتع واستبقاء حياتها خوفا من خطر الطلق وهذا أيضا ليس منهيا عنه. الثالثة: الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة األوالد واالحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء وهذا أيضا غير منهي عنه فإن قلة الحرج معين على الدين نعم الكمال والفضل في التوكل والثقة بضمان الله حيث قال: و م ا م ن د اب ة في األر ض إال ع ل ى الله ر ز ق ه ا وال جرم فيه سقوط عن ذروة الكمال وترك األفضل ولكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره مع كونه مناقضا للتوكل ال نقول إنه منهي 11 )1( خلق اإلنسان بين الطب والقرآن: 492.

عنه( )1( أما النيتان الباقيتان فأفتى فيهما بالحرمة وهما كما يذكر الغزالي:) الرابعة: الخوف من األوالد اإلناث لما يعتقد في تزويجهن من المعرة كما كانت من عادة العرب في قتلهم اإلناث فهذه نية فاسدة لو ترك بسببها أصل النكاح أو أصل الوقاع أثم بها ال بترك النكاح والوطء فكذا في العزل والفساد في اعتقاد المعرة في سنة رسول الله أشد وينزل منزلة امرأة تركت النكاح استنكافا من أن يعلوها رجل فكانت تتشبه بالرجال وال ترجع الكراهة إلى عين ترك النكاح. الخامسة: أن تمتنع المرأة لتعززها ومبالغتها في النظافة والتحرز من الطلق والنفاس والرضاع وكان ذلك عادة نساء الخوارج لمبالغتهن في استعمال المياه حتى كن يقضين صلوات أيام الحيض وال يدخلن الخالء إال عراة فهذه بدعة تخالف السن ة فهي نية فاسدة واستأذنت واحدة منهن على عائشة لما قدمت البصرة فلم تأذن لها فيكون القصد هو الفاسد دون منع الوالدة( )1( هذا ما ذكره الغزالي على سبيل الحصر الذي ال نوافقه عليه فهناك أسباب أخرى تختلف باختالف األحوال واألزمان واألشخاص وسنذكر بعض أمثلتها في المسألة التالية لهذه المسألة. 1 الدوافع الشرعية لتنظيم النسل يمكن تصنيف الدوافع الشرعية الباعثة على تنظيم النسل إلى الدوافع التالية: الدوافع الخاصة باألم: من الدوافع الخاصة باألم الخشية على حياتها أو صحتها من الحمل أو الوضع إذا عرف بتجربة أو أخبار طبيب ثقة تطبيقا لقوله تعالى: و ال ت ل ق وا ب أ ي د يك م إ ل ى الت ه ل ك ة 13 )1( اإلحياء:.21/1 )1( اإلحياء:.21/1

)البقرة: 192 ( وقوله تعالى: و ال ت ق ت ل وا أ نف س ك م إ ن الل ه ك ان ب ك م ر ح يم ا )النساء: 19 ( الدوافع الخاصة باألوالد: ومنها الخشية على األوالد أن تسوء صحبتهم وقد ورد عن السلف ما يدل على هذا القصد فعن أسامة بن زيد أن رجال جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إني أعزل عن امرأتي. فقال له رسول الله : لم تفعل ذلك فقال الرجل: أشفق على ولدها -أو قال- على أوالدها فقال رسول الله : )لو كان ضارا لضر فارس والروم( )1( ومن الضرورات المعتبرة شرعا الخشية على الرضيع من حمل جديد ووليد جديد وقد سمى النبي الوطء في حالة الرضاع وطء الغيلة لما يترتب عليه من حمل يفسد اللبن ويضعف الولد وإنما سماه غيال أو غيلة ألنه جناية خفية على الرضيع فأشبه القتل سرا. وقد ورد في الحديث عنه ما قد يفهم من ظاهره التعارض فقال )ل ق د ه م مت أ ن أ نهى عن الغيل ة ح تى ذ ك رت أ ن الر وم وفارس يصنعون ذلك فال يض ر أ وال د ه م( )1( ومن حديث أسماء بنت يزيد: )ال ت قت ل وا أ وال د ك م سر ا ف و الذي ن فسي بي ده إنه ل يدرك الف ارس ف ي د عثر ه )1( ( قال: قلت: ما يعني قالت: الغيلة: يأتي الرجل امرأته وهي 14 )1( مسلم: 1829/1 مسند البزار: 48/9. )1( أحمد: 121/2. )1( مسلم: 1829/1 الترمذي: 482/4 الدارمي: 199/1 أبو داود: 9/4 النسائي: 182/1 الموطأ: 289/1 قال الخطابي: معناه: يصرعه ويسقطه وأصله في الكالم الهدم ويقال في البناء قد تدعثر إذا تهدم وسقط يقول في هذا الحديث:إن المرضع إذا جومعت فحملت فسد لبنها ونهك الولد أي هزل الولد إذا اغتذى بذلك اللبن فيبقى ضاويا فاذا صار رجال وركب الخيل فركضها أدركه ضعف الغيل فزال وسقط عن متونها فكان ذلك كالقتل له إال أنه سر ال يرى وال يشعر به.انظر: عون المعبود: 121/18.

ترضع )1(. قال ابن القيم في الجمع بين اآلثار المختلفة في الباب:) وقد ي قال: إن قوله )ال ت قت ل وا أ وال د ك م سر ا (نهى أن يتسبب إلى ذلك فإنه شبه الغ يل بقتل الولد وليس بقتل حقيقة وإال كان من الكبائر وكان قرين اإلشراك بالله وال ريب أن وطء المراضع مما تع م به البلوى ويتعذر على الرجل الصبر عن امرأته مدة الرضاع ولو كان وطؤهن حراما لكان معلوما من الدين وكان بيانه من أهم األمور ولم تهمله األ مة وخير القرون وال ي صرح أحد منهم بتحريمه ف ع لم أن حديث أسماء على وجه اإلرشاد واالحتياط للولد وأن ال ي ع رض ه لفساد اللبن بالحمل الطارىء عليه ولهذا كان عادة العرب أن يسترضع وا ألوالدهم غير أمهاتهم والمنع منه غايته أن يكون من باب سد الذرائع التي قد ت فضي إلى اإلضرار بالولد وقاعدة باب سد الذرائع إذا عارضه مصلحة راجحة ق دمت عليه( )1( الدوافع الخاصة بالحياة الزوجية: ومنها خشية الوقوع في ضيق مادي قد يلجئه إلى الحرام من أجل األوالد كما قال تعالى: ي ر يد الل ه ب ك م ال ي س ر و ال ي ر يد ب ك م ال ع س ر )البقرة: 102 ( وقال تعالى م ا ن ح ر ج )المائدة: 2 ( ي ر يد الل ه ل ي ج ع ل ع ل ي ك م م ومنها ما ذكره الغزالي من استبقاء جمال المرأة وسمنها لدوام التمتع واستبقاء حياتها خوفا من خطر الطلق وهذا أيضا ليس منهيا عنه. ثانيا أحكام التخلص من الجنين وهو ما يطلق عليه اصطالحا ]اإلجهاض[ وسنتناول في هذا المطلب األحكام )1( ابن حبان: 111/11 البيهقي: 424/9 أبو داود: 9/4 ابن ماجة: 240/1 أحمد: 421/2. )1( زاد المعاد: 140/2. 15

الشرعية المتعلقة به باعتباره الوسيلة الوحيدة للتخلص من الجنين. وقد عرف تعريفات مختلفة منها: 1 عرفه مؤتمر اإلسالم وتنظيم الوالدية الذي عقد في الرباط عام 1991 م علمي ا بأنه إخراج الحمل من الرحم بقصد التخلص منه وأصدر قرار ا مفاده: أن جميع فقهاء المسلمين يتفقون على أنه بعد الشهر الرابع يحرم اإلجهاض إال إذا كانت هناك ضرورة قصوى فقد عرف اإلجهاض بهذا على انه إسقاط الجنين قبل الشهر الرابع. 1 عرفه األطباء بأنه انتهاء الحمل قبل حيوية الجنين وتقدر هذه الحيوية بثمانية وعشرين أسبوع ا وهي تساوي سبعة أشهر يكون فيها الجنين مكتمل األعضاء وله القدرة على الحياة. 1 وأهل الطب الشرعي ي ع ر ف ونه بأنه: طرد مكونات الرحم الحامل في أي وقت قبل نهاية تسعة أشهر )1(. 1 دوافع اإلجهاض أهم ركن من أركان الحكم على اإلجهاض هو النظر في الدافع إليه فبحسب الدافع يكون الحكم وقد بدأت الدعوة لإلجهاض أول ما بدأت في الغرب بمبرر الحرص على حياة األم إن استمر الحمل ثم الخوف على صحتها ثم تطور إلى الخوف على صحتها الجسمية أو النفسية ثم الخوف على مستقبلها الصحي أو الجمالي ثم تطور ليشمل الخوف على األسرة ثم على المجتمع وتطور أخيرا ليدعى إلى السماح باإلجهاض حسب الطلب. هذا بالنسبة للمناهج التي تصنعها األهواء وتدعو لها الجاهلية أما أحكام الشريعة 16 )1( وثيقة مؤتمر السكان رؤية شرعية: 189.

اإلسالمية فإنها تختلف عن ذلك اختالفا جذريا فهي منضبطة بضوابط ال تخرمها العصور وال تؤثر فيها البيئات فلذلك يمكننا بسهوله انطالقا من مصادر الدين األصلية وانطالقا من األسس التي تبنى عليها األحكام الشرعية تمييز الدوافع الشرعية من الدوافع غير الشرعية. ويمكننا حصر الدوافع حسبما نراه في الواقع إلى ثالثة أنواع كبرى تندرج تحتها الفروع الكثيرة وهذه األصول التي تبنى عليها الدوافع هي: الدوافع الخاصة باألم: من أهم الدوافع في هذا وأكثرها اعتبارا الخوف على حياة األم إذا كان الحمل أو الوالدة خطرا على حياتها أو على صحتها إلى حد كبير وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا ثبت من طريق موثوق به أن بقاءه يؤدي إلى موت األم ولم يكن لها منقذ سوى إسقاطه فإن إسقاطه في تلك الحالة يصبح متعينا ألن الشريعة تأمر بارتكاب أخف الضررين فال يضحي بها في سبيل إنقاذه ألنها أصله وقد استقرت حياتها ولها حظ مستقل في الحياة وهي بعد هذا وذاك عماد األسرة وال يعقل أن يضحى بها في سبيل حياة لجنين لم تستقل حياته ولم يحصل على شيء من الحقوق والواجبات زيادة على كون حياته متوهمة بخالف حياة األم. ويشترط أن يتم ذلك تحت إشراف طبيب مسلم عدل لتفادي التحايل على هذا بدعوى المحافظة عل صحة األم وقد قال محمد علي البار المتخصص في هذا المجال:)وال أعلم أن هناك من األمراض ما يجعل هالك األم محققا إذا هي استمرت في الحمل إال حالة واحدة هي تسمم الحمل وحتى في هذه الحالة ال يحتاج الطبيب إلى قتل الجنين بل إلى إجراء الوالدة قبل الموعد المحدد إما بحقن األم بمادة األوكسيتوسن أو البروستاجالندين أو بإجراء عملية قيصرية وأغلب هذه الحاالت تسلم ويسلم وليدها 17

معها( )1( وبناء على هذا فإن اعتبار هذا الدافع في عصرنا محدود جدا خاصة مع توفر الوسائل التي تحمي األم وجنينها قال محمد علي البار:)ونتيجة للتقدم الطبي الهائل فإن قتل الجنين إلنقاذ األم يصبح لغوا ال حاجة له في أغلب الحاالت المرضية ولكن هناك حاالت مرضية عديدة يتعرض فيها الجنين للمخاطر ويتعين في بعض تلك الحاالت إخراج الجنين رحمة بالجنين ذاته وليس شفقة ورحمة باألم ومثال ذلك إصابة األم في أشهر الحمل األولى بالحصبة األلمانية فإن احتمال إصابة الجنين بالتشوهات الخلقية ترتفع إلى 98 بالمائة إذا كات إصابة األم في الشهر الثاني من الحمل ثم تقل النسبة بعد ذلك كا أن تعرض األم للعالج باألشعة أو بالعقاقير المضادة للسرطان يؤدي إلى تشوهات الجنين وفي أحيان كثيرة إلى قتله وفي تلك الحاالت ينصح بإجراء اإلجهاض ال ألن بقاء الجنين يؤدي إلى موت األم ال محالة بل ألن بقاء الجنين يؤدي إلى تشوهات خلقية خطيرة أو إلى وقاة الجنين ذاته ويتعين عندئذ إخراجه من الرحم حتى ال ينتن ويتعفن( )1( الدوافع الخاصة بالمجتمع: وهي الدوافع التي تفرضها األعراف االجتماعية المختلفة ومن هذه الدوافع تخفيف حدة االنفجار السكاني وقد كان هذا هو الدافع الذي مررت به الدول القوية هذه األفكار للدول المستضعفة بل مورس ذلك ومورس معه التعقيم اإلجباري في الهند وغيرها. ومنها اإلجهاض حسب الرغبة وهو ما يطبق اآلن في الغرب وإن كانوا يتسترون 18 )1( خلق اإلنسان بين الطب والقرآن: 419. )1( خلق اإلنسان بين الطب والقرآن: 419.

على ذلك بل يحاولون تقنينه وتعميمه وليس ذلك ببعيد. ومنها وهو أهمها وربما يكون أكبر أسباب اإلجهاض الخوف من آثار الفواحش وقد زخرت وثيقة مؤتمر السكان والتنمية بتعبيرات فضفاضة وعبارات مطلقة توحي تارة وتؤكد أخرى على السماح باإلجهاض في ظل العالقات المشروعة وغير المشروعة )1(. أما عن موقف الشريعة اإلسالمية من هذه الدوافع فإنه عدم االعتبار لها فلم يفصل الفقهاء بين الحمل الشرعي وغير الشرعي بل إنهم نصوا على ح رمة اإلسقاط للجنين ولو كان ثمرة لزنا أو اغتصاب وقد ورد في السنة ما يؤيد ذلك ومن ذلك ما جاء عن عمران بن ح صين أن امرأة من ج ه ي نة أتت النبي وهي ح ب لى من الزنا فقالت: يا نبي الله أصبت حد ا فأقم ه علي فدعا رسول الله ولي ها فقال: )أحسن إليها فإذا وضعت فأتني بها( )1( ويدل على هذا زيادة على هذا النص الصريح النصوص الدالة على أنه ال تكسب نفس إال ما فعلت فليس البن الزنا أي ذنب حتى يجهض كما قال تعالى: و ال ت ك س ك ل ن ف س إ ال ع ل ي ه ا و ال ت ز ر و از ر ة و ز ر أ خ ر ى )األنعام: 124 ( ب أما العوارض االجتماعية التي تنتاب الزانية الحامل من سفاح كخوف العار فالمقطوع به أنها تصيب المرأة بالضرر لكن الضرر األشد إجهاض جنين علق برحمها )1(. 19 )1( وثيقة مؤتمر السكان: 148. )1( بد الرزاق 112/9( رقم )11140 وأحمد 419/4( رقم )19094 ومسلم 1114/1( رقم )1292 وأبو داود )121/4 رقم 4448( )1( انظر: وثيقة مؤتمر السكان رؤية شرعية: 140.

وزيادة على هذا فإن القول بحلية إسقاط الزانية حملها المتكون من الزنا يتعارض مع القاعدة الشرعية لسد الذرائع وذلك ألن من أهم العقبات المانعة للمرأة من اإلقدام على الزنا نشوء الحمل الذي يعرضها للمعرة والمضرة مع ا فإذا أزالت عن طريقها هذه العقبة كان ذلك دعوة صريحة للفاحشة. وزيادة على هذا المخاطر الناتجة عن إباحة اإلجهاض فإن الواقع الذي يصلى بناره الغرب يدل على ضرورة التشديد في هذا الباب ومن المخاطر: 1 زيادة مضطردة في حاالت اإلجهاض لدرجة شغلت من أسرة المستشفيات ومن وقت األطباء االختصاصيين ما عطل عالج المريضات باألمراض األخرى وتجدر اإلشارة هنا إلى أنه تم في أمريكا وحدها إجهاض أكثر من 12 مليون حمل في عام واحد كما أوردت بعض المجالت عام 1901. وأشارت منظمة الصحة العالمية في تقريرها عام 1904 أن حاالت اإلجهاض الجنائي أو المتعمد قد بلغت أكثر من 12 مليون حالة سنويا ) 1 (. وقيل انه يتم قتل 48 مليون جنين كل عام في العالم بواسطة اإلجهاض المحدث وهو الذي كان يطلق عليه في الماضي اإلجهاض الجنائي نصفهم على األقل بصورة غير قانونية ويؤدي ذلك إلى وفاة مائتي ألف امرأة وإصابة مئات اآلالف بأمراض مختلفة وجعل عدد كبير منهن يعانين من العقم الدائم. 1 أنه كان من بين النساء المجهضات 44 بالمائة فقط متزوجات وأما ال 22 المائة الباقية فكانت من سفاح في بنات )19 بالمائة(أو مطلقات وأرامل )9 بالمائة( وفي أمريكا بلغت نسبة حمل السفاح بين المجهضات درجة أعلى من ذلك )1( فقانون إباحة اإلجهاض بهذا إنما يلبي الحاجة إلى السفاح. )1( الرؤية االسالمية لزراعة بعض االعضاء البشرية: 101. )1( االنجاب في ضوء االسالم: 142. 30

1 أنه كانت ثالث مستشفيات خاصة في لندن وبطبع الحال في جميع المدن الكبيرة الغربية أو معظمها تجري من عمليات اإلجهاض أكثر مما تجريه مستشفيات منطقة لندن المجانية الحكومية... وهذا يدل على مدى االستغالل التجاري لإلجهاض. 4 أنه رغم إباحة موانع الحمل وإباحة اإلجهاض فقد زادت نسبة والدات السفاح إلى الوالدات الحالل زيادة كبيرة... مما يدل على أن الذريعة الوحيدة لذلك كله هو تفشي اإلباحية الجنسية. الدوافع الخاصة بالولد: وهو إسقاط الجنين لكونه مشوها أو به مرض من األمراض الخطيرة من غير إضرار منه بصحة األم وقد نص الفقهاء على حرمة اإلجهاض في هذه الحالة إذا نفخ في الجنين الروح ألن له حقا في الحياة كحق السليم. ولكن مع ذلك يلزم الحذر من حصول مثل هذا الحمل بتجنب أسبابه ما أمكن وقد ذكرنا بعض تلك األسباب في خصال الكفاءة وسنذكر بعضها في هذا الجزء. 1 وقت اإلجهاض وهو إما أن يكون قبل نفخ الروح أو بعدها وقد اختلف الفقهاء في حكم اإلجهاض في هاتين الحالتين كما يلي: اإلجهاض قبل نفخ الروح: اختلف الفقهاء في حكم اإلجهاض قبل نفخ الروح على قولين: القول األول: يحرم اال جهاض مطلقا قبل ولوج الروح أو بعده وهو قول اإلمامية وقد نص عليه المالكية على خالف بينهم في ذلك فقد جاء في الفواكه الدواني:)ال يجوز للمرأة أن تفعل ما يسقط ما في بطنها من الجنين وكذا ال يجوز للزوج فعل ذلك ولو قبل األربعين وقيل يكره قبل األربعين للمرأة شرب ما يسقطه إن رضي الزوج بذلك. 31

والذي ذكره الشيخ عن أبي الحسن أنه يجوز قبل األربعين وال يجوز للرجل أن يتسبب في قطع مائه وال أن يستعمل ما يقلل نسله قاله ح وانظر هل المرأة كذلك فيهما ألن قطع مائها يوجب قطع نسلها أم ال( )1( وقال الشيخ عليش وهو من علماء المالكية المتأخرين:)وإذا أمسك الرحم المني فال يجوز للزوجين وال ألحدهما وال للسيد التسبب في إسقاطه قبل التخلق على المشهور وال بعده اتفاقا والتسبب في إسقاطه بعد نفخ الروح فيه محرم إجماعا وهو من قتل النفس والتسبب في قطع النسل أو تقليله محرم والمتسبب في إبقاء علقة فأعلى عليه الغرة واألدب سواء كان أما أو غيرها إال السيد في أمته فعليه أما استخراج ما حصل من الماء في الرحم فمذهب الجمهور منعه مطلقا وأحفظ للخمي أنه يجوز قبل األربعين ما دام نطفة كما له العزل ابتداء واألول أظهر إذ زعم بعضهم أنه من الموءودة( )1( وذكر خالف المالكية في ذلك بقوله:)ونقله الحطاب ونقل عن ابن ناجي في شرح المدونة ما نصه: وأما التسبب في إسقاط الماء قبل األربعين يوما من الوطء فقال اللخمي جائز وقال ابن العربي في القبس ال يجوز باتفاق وحكى عياض في اإلكمال قولين في ذلك للعلماء وظاهره أنهما خارج المذهب( )1( ثم نقل عن أبي بكر بن العربي قوله:)للولد ثالث أحوال: حالة قبل الوجود ينقطع فيها بالعزل وهو جائز وحالة بعد قبض الرحم على المني فال يجوز ألحد حينئذ التعرض له بالقطع من التولد كما يفعله سفلة التجار من سقي الخدم عند استمساك الرحم األدوية التي ترخيه فيسيل المني منه فتقطع الوالدة والحالة الثالثة: بعد انخالقه قبل أن ينفخ فيه 31 )1( الفواكه الدواني: 112/1. )1( فتح العلي المالك: 199/1. )1( فتح العلي المالك: 199/1.

الروح وهذا أشد من األولين في المنع والتحريم لما روي من األثر من أن السقط يظل محبنطئا )1( على باب الجنة يقول: ال أدخل الجنة حتى يدخل أبواي )1( فأما إذا نفخ فيه الروح فهو قتل النفس بال خالف( )1( قال الشيخ عليش:)وانفرد اللخمي فأجاز استخراج ما في داخل الرحم من الماء قبل األربعين يوما ووافق الجماعة فيما فرقها فإذا وقفت على هذا التحقيق الذي تقدم جلبه من كالم القاضي المحقق أبي بكر رحمه الله تعالى علمت قطعا أن اتفاق الزوج والزوجة على إسقاط الجنين في المدة التي ذكرت وتواطأهما على ذلك حرام ممنوع ال يحل بوجه وال يباح وعلى األم في إسقاطه الغرة واألدب إال أن يسقط الزوج حقه في الغرة بعد اإلسقاط( )4( وقد نص على هذا القول بعض الشافعية قال في نهاية المحتاج:)اختلفوا في التسبب إلسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما والذي يتجه وفاقا البن العماد وغيره الحرمة وال يشكل عليه جواز العزل لوضوح الفرق بينهما بأن المني حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة بوجه بخالفه بعد استقراره في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق ويعرف ذلك باألمارات وفي حديث مسلم أنه يكون بعد اثنين وأربعين ليلة أي ابتداؤه كما مر في الرجعة ويحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله كما )1( قال الخالل سألت ثعلبا عن السقط محبنطئا فقال: غضبان ويقال: قد ألقى نفسه انظر: أحكام أهل الذمة: 1892/1 والمحنبطئ بالهمز وتركه الممتلئ غيظا لفراق ابويه أو المتغضب المستبطئ لشيء أو الممتنع امتناع طلبة ال امتناع اباء انظر: اإلفصاح: 11. )1( مجمع الزوائد: 11/1. )1( فتح العلي المالك: 199/1. )4( فتح العلي المالك: 199/1 وانظر: مواهب الجليل: 499/1. 33

صرح به كثيرون وهو ظاهر( )1( وهذا القول هو ظاهر قول ابن حزم فقد ذكر عند حديثه عن المرأة تتعمد إسقاط ولدها وحكم وجوب الغرة عليها قال:)إن كان لم ينفخ فيه الروح فالغرة عليها وإن كان قد نفخ فيه الروح: فإن كانت لم تعمد قتله. فالغرة أيضا على عاقلتها والكفارة عليها. وإن كانت عمدت قتله فالقود عليها أو المفاداة في مالها. فإن ماتت هي في كل ذلك قبل إلقاء الجنين ثم ألقته: فالغرة واجبة في كل ذلك في الخطأ على عاقلة الجاني - هي كانت أو غيرها - وكذلك في العمد قبل أن ينفخ فيه الروح. وأما إن كان قد نفخ فيه الروح فالقود على الجاني إن كان غيرها. وأما إن كانت هي فال قود وال غرة وال شيء ألنه ال حكم على ميت وماله قد صار لغيره( )1( وهو كذلك ظاهر قول الغزالي فقد تعرض عند بيان موقفه من العزل وأنه ال كراهة فيه إلى الفرق بينه وبين اإلجهاض فقال:)وليس هذا كاإلجهاض والوأد ألن ذلك جناية على موجود حاصل وله أيضا مراتب. وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا ومنتهى التفاحش في الجناية بعد االنفصال حيا. وإنما قلنا مبدأ سبب الوجود من حيث وقوع المني في الرحم ال من حيث الخروج من اإلحليل ألن الولد ال يخلق من مني الرجل وحده بل من الزوجين جميعا إما من مائه ومائها( )1( وقد ذكرنا أن اإلمامية هم الذين اشتهروا بهذا القول فلذلك ال بأس من ذكر أدلتهم 34 )1( نهاية المحتاج: 112/9. )1( المحلى:.119/11 )1( اإلحياء:.21/1

على ذلك هنا: 1 ما جاء في معتبرة اسحاق المروية في الفقية: قلت ال بي الحسن عليه السالم المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها قال: ال فقلت: إنما هو نطفة فقال: إن أو ل ما يخلق نطفة )1(. 1 ما جاء في صحيح رفاعة المروي في الكافي: قلت ال بي عبدالله عليه السالم: اشتري الجارية فربما احتبس طمثها من فساد دم أو ريح في رحم فتسقى دواء لذلك فتطمث من يومها فقال لي: ال تفعل ذلك فقلت له: إنما ارتفع طمثها منها شهرا ولو كان ذلك من حبل إنما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل فقال لي: إن النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة ثم إلى مضغة ثم إلى ما شاء الله وإن النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يخلق منها شيء فال تسقها الدواء إذا ارتفع طمثها شهرا وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه )1(. 1 أن ه ال منافاة بين هذه الحياة وبين الحياة الحادثة بعد اال ربعة اال شهر من الحمل فإن األولى حياة غير انسانية والثانية حياة إنسانية ناشئة عن الروح االنسانية وقد اشار االمام الباقر إلى هاتين الحياتين معا وقد أشار إليه في رواية سعيد بن المسيب عن اال مام زين العابدين علي بن الحسين حينما شرح مراحل الجنين وحدودها ومقدار الدية حتى قال:)فإن طرحته وهي نسمة مخلقة له عظم ولحم مرتب الجوارح وقد نفخ فيه روح العقل فإن عليه دية كاملة( )1( القول الثاني: الجواز وهو قول جمهور العلماء غير من ذكرنا. )1( الوسائل:.12/19 )1( الوسائل:.110/1 )1( الفقه والمسائل الطبية للشيخ محمد آصف المحسني:: 90. 35

بشرطين: الترجيح: نرى أن األرجح في المسألة هو الحكم بالجواز على ما ذهب إليه الجمهور 1 عدم أداء ذلك إلى مضرة شديدة بالمرأة خاصة فيما يتعلق بقدرتها على اإلنجاب بعد قيامها باإلجهاض. 1 أن يكون ذلك باتفاق الزوجين بحيث ال ينفرد طرف من األطراف بالقرار في ذلك ألن الولد للزوجين جميعا فال يصح أن يفرض الزوج على زوجته اإلجهاض لعدم رغبته في الحمل وال يجوز للزوجة أن تجهض من غير استئذان الزوج. اإلجهاض بعد نفخ الروح: اتفق الفقهاء على حرمة اإلجهاض بعد نفخ الروح في الجنين إال إذا دعت الضرورة إلى ذلك وقد اختلفوا في الوقت الذي تنفخ فيه الروح ويحرم عنده اإلجهاض على قولين: القول األول: أن نفخ الروح يكون عند األربعين فلذلك يحرم اإلسقاط قبله وهو قول المالكية بل الراجح عندهم كما ذكرنا ح رمة اإلسقاط قبل األربعين ويكفي لسريان هذه الح رمة استقرار النطفة في الرحم. القول الثاني: أنه يكون بعد مائة وعشرين يوما وهو قول الجمهور وقد ذكر ابن رجب القائلين بهذا ومستندهم على ذلك فقال:)وبنى اإلمام أحمد مذهبه المشهور عنه على ظاهر حديث ابن مسعود وأن الجنين ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر وأنه إذا سقط بعد تمام أربعة أشهر صلى عليه حيث كان قد نفخ فيه الروح ثم مات وحكى ذلك أيضا عن سعيد بن المسيب وهو أحد قولي الشافعي وإسحاق وروى غير واحد عن أحمد أنه قال: إذا بلغ أربعة أشهر وعشرا ففي تلك العشر ينفخ فيه عليه وقال في رواية ألبي 36

الحارث عنه: تكون النسمة نطفة أربعين ليلة وعلقة أربعين ليلة ومضغة أربعين ليلة ثم تكون عظما ولحما فإذا تم أربعة أشهر وعشرا نفخ فيه الروح وظاهر هذه الرواية أنه ال ينفخ فيه الروح إال بعد تمام أربعة أشهر وعشر كما روي عن ابن عباس والروايات التي قبل هذه عن أحمد أنها تدل على أنه ينفخ فيه الروح في مدة العشر بعد تمام األربعة وهذا هو المعروف عنه وكذا قال ابن المسيب لما سئل عن عدة الوفاة حيث جعلت أربعة أشهر وعشرا ما بال العشر قال ينفخ فيه الروح( )1( وقد ذكر ابن عابدين أن هذا هو قول الحنفية مع مخالفته للمشاهدة فقال: )وهل يباح اإلسقاط بعد الحبل يباح ما لم يتخلق شيء منه.. قالوا وال يكون ذلك إال بعد مائة وعشرين يوما وهذا يقتضى أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإال فال فهو غلط ألن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة( )1( ونص على ذلك الشافعية قال في نهاية المحتاج:)اختلفوا في التسبب إلسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما( )1( وقد سبق ذكر قوله. وهو قول ابن حزم فقد قال بعد روايته لحديث ابن مسعود:)وما لم يوقن تمام المائة والعشرين ليلة بجميع أيامها فهو على ما تيقناه من مواتيته وال يجوز أن نقطع له بانتقاله إلى الحياة عن المواتية المتيقنة إال بيقين( )4( وقد استدلوا على هذا بظاهر ما روي عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق:) إن أحدكم ي جمع خ ل ق ه في بطن أمه أربعين يوم ا نطفة )1( جامع العلوم والحكم: 21. )1( حاشية ابن عابدين: 192/1 وانظر: شرح فتح القدير: 481/1 البحر الرائق: 112/1. )1( نهاية المحتاج: 112/9. )4( المحلى:.141/11 37

ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ي رسل إليه الم ل ك في ن ف خ فيه الروح وي ؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد( )1( قال ابن رجب:)وبكل حال فحديث ابن مسعود يدل على تأخير نفخ الروح في الجنين وكتابة الملك ألمره إلى بعد أربعة أشهر حتى تتم األربعون الثالثة فأما نفخ الروح فقد روي صريحا عن الصحابة أنه ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر كما دل عليه ظاهر حديث ابن مسعود فروى زيد بن على عن أبيه عن على قال: إذا تمت النطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملكا فينفخ فيها الروح في الظلمات فذلك قوله تعالى: ث م أ نش أ ن اه خ ل ق ا آخ ر )المؤمنون: 14 ( )1( القول الثالث: تحديد ميقات النفخ بثمانين يوما وقد روى ابن مسعود أنه ال تصوير قبل ثمانين يوما وروي عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي ي األ ر ح ام ك ي ف في قوله تعالى: ه و ال ذ ي ي ص و ر ك م ف ي ش اء )آل عمران: 2 (قالوا: إذا وقعت النطفة في األرحام طارت في الجسد أربعين يوما ثم تكون علقة أربعين يوما ثم تكون مضغة أربعين يوما فإذا بلغ أن تخلق بعث الله ملكا يصورها فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه فيخلطه في المضغة ثم يعجنه بها ثم يصورها كما يؤمر فيقول: أذكر أم أنثى شقي أم سعيد وما رزقه وما عمره وما رجاء وما مصائبه فيقول الله تبارك وتعالى فيكتب الملك فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب )1( وقد ذكر ابن رجب من أخذ بهذا من العلماء فقال:)وقد أخذ طائفة من الفقهاء )1( البخاري: 1411/2 البيهقي: 411/9 مسند الشاشي: 141/1 مسند ابن الجعد: 199/1. )1( جامع العلوم والحكم: 21. )1( قال ابن رجب: ولكن السدي مختلف في أمره وكان اإلمالم أحمد ينكر عليه كم األسانيد المتعددة للتفسير الواحد كما كان هو وغيره ينكرون على الواقدي كم األسانيد المتعددة للحديث الواحد. 38

ت بظاهر هذه الرواية وتأولوا حديث ابن مسعود المرفوع عليها وقالوا أقل ما يتبين فيه خلق الولد أحد وثمانون يوما ألنه ال يكون مضغة إال في األربعين الثالثة وال يتخلق ويتصور قبل أن يكون مضغة وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي بناء على هذا األصل إنه ال تنقضي العدة وال قوما أم الولد إال بالمضغة المخلقة وأقل ما يكون أن يتخلق ويتصور في أحد وثمانين يوما( )1( الترجيح: نرى أن األرجح في المسألة هو أنها ترتبط بالناحية العلمية الطبية من ناحية والناحية الشرعية من ناحية أخرى ولذلك سنتكلم عن هاتين الناحيتين للتوصل إلى العمر الحقيقي للجنين وبالتالي القول بحرمة إجهاضه قبل تلك المدة: الناحية الشرعية: وردت النصوص الكثيرة التي تحدد المراحل التي يمر بها الجنين في رحم أمه ومن خاللها سنعرف النظرة الشرعية للوقت الذي تدب فيه الحياة للجنين. أما النصوص القرآنية فلم تتعرض للوقت الذي تدب فيه الحياة للجنين مطلقا بل اكتفت بعد المراحل دون تفاصيلها الزمانية ومن أهم النصوص القرآنية المتعلقة بهذه الناحية: 1 قوله تعالى: ي اأ ي ه ا الن اس إ ن ك ن ت م ف ي ر ي ب م ن ال ب ع ث ف إ ن ا خ ل ق ن اك م م ن ت ر اب ي ر ف ن ب ي ن ل ك م و ن ق ن م ض غ ة م خ ل ق ة و غ ي ر م خ ل ق ة ل ن ع ل ق ة ث م م ث م م ن ن ط ف ة ث م م ن ش اء إ ل ى أ ج ل م س م ى ث م ن خ ر ج ك م ط ف ال ث م ل ب ل غ وا أ ش د ك م )الحج: 2( األ رح ام م ا ن ط ين )11 (ث م ج ع ل ن اه ن ط ف ة ف ي 1 قوله تعالى: و ل ق د خ ل ق ن ا اإل نس ان م ن س ال ل ة م 39 )1( جامع العلوم والحكم: 21.

ق ر ار م ك ين ) 11 (ث م خ ل ق ن ا الن ط ف ة ع ل ق ة ف خ ل ق ن ا ال ع ل ق ة م ض غ ة ف خ ل ق ن ا ال م ض غ ة ع ظ ام ا ف ك س و ن ا ين )14( )المؤمنون: 11 ال ع ظ ام ل ح م ا ث م أ نش أ ن اه خ ل ق ا آخ ر ف ت ب ار ك الل ه أ ح س ن ال خ ال ق )14 أما السنة فقد وردت فيها األحاديث المفصلة لألزمان المرتبطة بهذه المراحل وقد أسيئ فهم بعضها ونتج عن ذلك بعض األخطاء في األحكام المرتبطة باإلجهاض وسنذكر هنا األحاديث المتعلقة بالموضوع لنستنتج منها ما تدل عليه السنة من بدء حياة الجنين: فمنها الحديث السابق وهو قوله :)إن أحدكم ي جمع خ ل ق ه في بطن أمه أربعين يوم ا نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم ي رسل إليه الم ل ك في ن ف خ فيه الروح وي ؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد( )1( ومنها قوله :)إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال يا رب أذكر أم أنثى فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب أجله فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يقول يا رب رزقه فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فال يزيد على ما أمر وال ينقص إذا استقرت النطفة في الرحم أربعين يوما أو أربعين ليلة( )1( فهذان الحديثان ظاهرا االختالف والتعارض وبناء على هذا حاول العلماء تأويل أحد الحديثين جمعا بينه وبين اآلخر والمنهج العلمي في ذلك يقتضي تغليب ما دل عليه الواقع وصححه الحس ثم تأويل المخالف. لكن ما فعله ما استطعنا التعرف عليه من أقوال الشراح والفقهاء هو خالف ذلك )1( البخاري: 1411/2 البيهقي: 411/9 مسند الشاشي: 141/1 مسند ابن الجعد: 199/1. )1( مسلم:.1819/4 40

بحيث اضطروا إلى تأويل كال الحديثين تأويل الحديث األول لينسجم مع الواقع وهو تأويل متكلف وتأويل الحديث الثاني ليسجم مع الحديث األول ومن ذلك ما ذكره ابن حجر بقوله نقال عن القاضي عياض قال:)وحمل هذا على ظاهره ال يصح الن التصوير بأثر النطفة وأول العلقة في أول األربعين موجود وال معهود وانما يقع التصوير في آخر األربعين الثالثة كما قال تعالى: ث م خ ل ق ن ا الن ط ف ة ع ل ق ة ف خ ل ق ن ا ال ع ل ق ة م ض غ ة ف خ ل ق ن ا ال م ض غ ة ع ظ ام ا ف ك س و ن ا ال ع ظ ام ل ح م ا ث م أ نش أ ن اه خ ل ق ا آخ ر ف ت ب ار ك الل ه أ ح س ن ين )المؤمنون: 14 (قال: فيكون معنى قوله فصورها الخ أي كتب ذلك ثم يفعله ال خ ال ق بعد ذلك بدليل قوله بعد اذكر أو أنثى قال: وخلقه جميع األعضاء والذكورية واالنثوية يقع في وقت متفق وهو مشاهد فيما يوجد من اجنة الحيوان وهو الذي تقتضيه الخلقة واستواء الصورة ثم يكون للملك فيه تصور آخر وهو وقت نفخ الروح فيه حين يكمل له أربعة اشهر كما اتفق عليه العلماء ان نفخ الروح ال يكون اال بعد أربعة اشهر( )1( فالقاضي عياض حاول تأويل الحديث الثاني ليتناسب مع الحديث األول ومثله كما يذكر ابن حجر ما قال ابن الصالح في فتاويه وعلل به إعراض البخاري عن الحديث الثاني فقال:)أعرض البخاري عن حديث حذيفة بن اسيد إما لكونه من رواية أبي الطفيل عنه وإما لكونه لم يره ملتئما مع حديث ابن مسعود وحديث بن مسعود ال شك في صحته وأما مسلم فأخرجهما معا فاحتجنا الى وجه الجمع بينهما بان يحمل إرسال الملك على التعدد فمرة في ابتداء األربعين الثانية وأخرى في انتهاء األربعين الثالثة لنفخ الروح وأما قوله في حديث حذيفة في ابتداء األربعين الثانية فصورها فان ظاهر حديث بن مسعود أن التصوير انما يقع بعد ان تصير مضغة فيحمل األول على ان المراد 41 )1( فتح الباري: 404/11.

انه يصورها لفظا وكتبا ال فعال أي يذكر كيفية تصويرها ويكتبها بدليل أن جعلها ذكرا أو أنثى انما يكون عند المضغة( )1( فقد جنح ابن الصالح كذلك إلى التأويل وتغليب الحديث األول على الحديث الثاني وقد أدرك ابن حجر المنافاة الواقعية لما فهم من الحديث األول وحاول تأويلها ال بما ورد في الحديث األول وإنما بقوله:)وقد نوزع في أن التصوير حقيقة انما يقع في األربعين الثالثة بأنه شوهد في كثير من االجنة التصوير في األربعين الثانية وتمييز الذكر على األنثى فعلى هذا فيحتمل ان يقال أول ما يبتدي به الملك تصوير ذلك لفظا وكتبا ثم يشرع فيه فعال عند استكمال العلقة ففي بعض االجنة يتقدم ذلك وفي بعضها يتأخر ولك( )1( وقد رجع ابن حجر في هذا إلى أقوال األطباء الذين أيد ظاهر كالمهم الحديث الثاني ومع ذلك جنحوا إلى الحديث األول قال ابن حجر:)نقل الفاضل علي بن أعطى الحموي الطبيب اتفاق األطباء على ان خلق الجنين في الرحم يكون في نحو األربعين وفيها تتميز أعضاء الذكر دون األنثى لحرارة مزاجه وقواه واعبد الى قوام المنى الذي تتكون اعضاؤه منه ونضجه فيكون اقبل للشكل والتصوير ثم يكون علقة مثل ذلك والعلقة قطعة دم جامد قالوا وتكون حركة الجنين في ضعف المدة التي أصحهما فيها ثم يكون مضغة مثل ذلك أي لحمة صغيرة وهي االربعون الثالثة فتحرك قال: واتفق العلماء على ان نفخ الروح ال يكون اال بعد أربعة اشهر( وال يمكننا هنا إحصاء ما ذكره العلماء في الحديثين ولكنا نقول بأن ترجيح أحد الحديثين ينبغي أن يعول بالدرجة األولى على ما يقوله الطب فال منافاة بينهما ولذلك 41 )1( فتح الباري: 404/11. )1( فتح الباري: 404/11.

سنذكر هنا رأي العلم لنستنتج منه ما يمكن االعتماد عليه في معرفة وقت نفخ الروح في الجنين. الناحية العلمية: يذكر محمد علي البار أنه في نهاية األسبوع السادس أي 41 يوما تكون النطفة قد بلغت أوج نشاطها لتكوين األعضاء وهي قمة المرحلة الحرجة الممتدة من األسبوع الرابع حتى الثامن ثم بعد ذلك يحدد جنس الجنين ذكر أم أنثى حسب ما يؤمر به فيحول الغدة إلى خصية أو مبيض والدليل على ذلك ما يشاهد في السقط حيث ال يمكن تمييز الغدة التناسلية قبل انتهاء األسبوع السابع وبداية الثامن )1(. انطالقا من هذا فإن األرجح الذي نراه هو أن نفخ الروح يكون في المدة التي حددها حديث مسلم والتي أيدها العلم الحديث أما الحديث األول الذي ذهب إلى القول به أكثر العلماء فما أسهل تأويله من حيث اللغة وليس محل ذلك هنا زيادة على احتمال كون الراوي قد رواه بالمعنى بخالف الحديث الثاني الذي ذكر المدة بدقة أضاف لها العلم الحديث تأكيدا وقوة. والقول بهذا ينفي الحرج الذي يقع فيه من يرى المنافاة الواقعية التي تفهم من ظاهر الحديث األول كما نقلنا عن ابن عابدين قوله: )وهل يباح اإلسقاط بعد الحبل يباح ما لم يتخلق شيء منه.. قالوا وال يكون ذلك إال بعد مائة وعشرين يوما وهذا يقتضى أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإال فال فهو غلط ألن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة( )1( 1 التشريعات الرادعة عن التخلص من الجنين )1( خلق اإلنسان بين الطب والقرآن: 192. )1( حاشية ابن عابدين: 192/1 وانظر: شرح فتح القدير: 481/1 البحر الرائق: 112/1. 43

يمكن حصر التشريعات التي نص عليها الفقهاء للردع عن التخلص من الجنين بتشريعين: أحدهما له عالقة بالعباد بتعويض الضرر الحاصل من الجناية واآلخر تعبدي بالكفارة وسنتعرض في هذا المطلب لتفاصيل كال النوعين من العقوبة منبهين إلى أن لهذا الموضوع عالقة بالفقه الجنائي فلذلك لن نتطرق إال للتفاصيل المتعلقة بالجانب الذي نبحث فيه. 1 العقوبة المالية تختلف العقوبة المقررة إلسقاط الحمل باختالف نتائج فعل الجاني ووقت جنايته ويمكن حصر ذلك إجماال في الحالتين التاليتين: الحالة األولى: موت الجنين بعد سقوطه حيا: اتفق الفقهاء على أنه إن حصلت الجناية على األم بأن ضرب بطنها مثال فألقت جنينا حيا ثم مات من الضربة أن فيه دية كاملة إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله وذلك بأن يكون لستة أشهر فصاعدا وقد نقل اإلجماع على ذلك قال ابن المنذر: )أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن في الجنين يسقط حيا من الضرب دية كاملة ومالك )1( منهم زيد بن ثابت وعروة والزهري والشعبي وقتادة وابن شبرمة وذلك ألنه مات من جنايته بعد والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي( )1( والدته في وقت يعيش لمثله فأشبه قتله بعد وضعه. 44 )1( اختلف قول المالكية إن كان الضرب عمدا فالمشهور من قول مالك أنه ال قود فيه وقال أشهب عمده كالخطإ ألن موته بضرب غيره وقال ابن القاسم: إذا تعمد الجنين بضرب البطن أو الظهر أو موضع يرى أنه يصيب به ففيه القود بقسامة فأما إذا ضرب رأسها أو يدها أو رجلها ففيه الدية بقسامة ووجه قول أشهب ما احتج به من أنه غير قاصد إلى قتله كمن رمى يريد قتل إنسان فأصاب غيره ممن لم يرده فإن فيه الدية ووجه قول ابن القاسم أنه قاصد إلى قتله حين قصد بالضرب موضعا يصل فيه الضرب إليه وال يصدق أنه لم يرده المنتقى: 01/9. )1( المغني:.110/0