د. نور الدين أبو لحية

Transcription

1

2 رسائل السالم )5( رواية د. نور الدين أبو لحية الطبعة الثانية دار األنوار للنشر والتوزيع

3

4 فهرس المحتويات 8 01 المقدمة البداية 88 أوال حصن االستقامة اجتناب اإلثم باطن اإلثم: الحسد: الغضب: ظاهر اإلثم: التدخين: الخمر: المخدرات: االنحراف الجنسي: اجتناب العدوان العدوان على النفس: العدوان على األسرة: العدوان على المجتمع: الحوادث: العدوى: الطرق: العدوان على البيئة:

5 2 ايناث نصح ةياقولا 84 ةيمحلا 35 ميرحت :ثئابخلا 32 ميرحت :ريزنخلا 38 ميرحت :ةتيملا 011 ميرحت :مدلا 018 ميرحت :حراوجلا 015 عيرشت :مايصلا 013 ميرحت :فارسلإا 008 ميظنت :ةايحلا 002 :ساطعلا 080 :بؤاثتلا 085 دنع ءاكتلاا :لكلأا 083 :اقفاو لكلأاو برشلا 082 ةراهطلا 088 ةراهط :ناسنلإا 051 ةراهطلا :ةصاخلا 058 :مفلا 055 :فنلأا 053 :ناديلا 051 ءاضعلأا :ىرخلأا 050

6 3 ةراهطلا ةماعلا 058 لاصخ ةرطفلا 055 :دادحتسلاا 052 فتن :طبلإا 054 صق :براشلا 054 ءافعإ :ةيحللا 058 ميلقت :رفاظلأا 053 :ناتخلا 030 ةراهط طيحملا 028 ةراهط هايملا 025 بابسأ :ثولتلا 022 ضارمأ :ثولتلا 048 ةراهط ءاوهلا 045 نيزاوم للاتخا :ءاوهلا 042 ةبيرغ تانئاك :ءاوهلاب 081 ضارمأ :ثولتلا 085 ةراهط ءاويلإا 085 ريهطت :تاحاسلا 082 ريهطت نكاملأا :ةماعلا 084 ريهطت :بايثلا 083 ةراهط ءاذغلا 031

7 4 ميرحت :ةللاجلا 030 ءانتقا :بلاكلا 030 ميرحت ةدمسلأا :ةسجنلا 035 ميرحت تايئايميكلا :ةراضلا 035 :ةفاظنلا 035 اثلاث نصح ةوقلا 034 ةيذغتلا 811 ةيافك :ةيذغلأا 813 :دهزلاو ةيافكلا 818 ناكرأ ءاذغلا :يحصلا 805 :ةقاطلا 805 ءانب :هتنايصو مسجلا 803 ةبيط :ءاذغلا 881 ةملاس :ءاذغلا 888 ةملاس :ةيذغتلا 858 تيقاوم :ءاذغلا 858 ةئيه :ةيذغتلا 858 بيترت :ةيذغلأا 851 ةضايرلا 854 :ةلاصلاو ةضايرلا 858 :ةنونسم تاضاير 832

8 5 :ةقباسملا 834 :ةيسورفلا 833 :ةعراصملا 821 :يمرلا 828 :ةحابسلا 825 لمح :لاقثلأا 825 ةحارلا 825 مونلا 822 ريبادتلا ةيئاقولا 828 ةدابع مونلا 840 :ةراهطلا 840 :ءاعدلا 840 :ةئيهلا 845 مونلا ملاحلا 848 تيقاوم مونلا 885 ليجعت :مونلا 882 ريكبتلا :ظاقيتسلااب 888 :ةلوليقلا 830 ليدعت ةعاسلا :ةيجولويبلا 835 ةنيكسلا 833 لامجلا 511

9 اللهو الصدق االعتدال السالم األدب فوائد الضحك: فوائد البكاء: موقف االعتدال: العدوان على الخلق: العدوان على الصحة: العدوان على النفس: العدوان على المال: العدوان على الحيوانات: اللهو بالدين: اللهو باألخالق: رابعا حصن التواصل النظر السمع األلوان الموجبة: األلوان السالبة: الكالم: 6

10 7 جلاعلا :مهولاب 545 جلاعلا :ةقيقحلاب 548 :توصلا 543 مشلا 585 قوذلا 588 ةملاع :ةحصلا 531 ةملاع :داسفلا 533 داسف :قوذلا 533 نيزاوم :قاوذلأا 513 سمللا 500 فئاظو :دلجلا 505 :سفنلاو دلجلا 503 :لامجلاو دلجلا 503 راصبتسلاا 558 ةقيقح :راصبتسلاا 552 ةفيظو :راصبتسلاا 531 كيرحتلا :قراخلا 535 كاردلإا يسحلا :قراخلا 532 بجح :راصبتسلاا 520 ةمتاخلا 541

11 المقدمة تتناول هذه الرسالة جانبا مهما من جوانب السالم وردت به النصوص المقدسة وهو السالم مع الجسد والطين الذي خلقه الله لإلنسان ليؤدي وظيفته التي كلف بها على هذه األرض.. فاإلنسان كما ورد في النصوص المقدسة تراب وطين وحمأ مسنون كما أنه روح سامية نفخت فيه من الجناب المقدس.. وكما أن اإلنسان مطالب بأن يسالم روحه ويسالم كل الكون فهو مطالب كذلك بأن يسالم جسده وطينه وحمأه المسنون فال يصارعه وال يذله وال يتعامل معه بما يخالف طبيعته. وقد حاولت في هذه الرسالة أن أجمع أكبر قدر من النصوص المقدسة التي ترتبط بهذه الناحية وأمزج بينها وبين ما يقوله العلم الحديث وقد خرجت بحمد الله بمنظومة شاملة تكفي لتحقيق العافية التي طولبنا بأن نحرص عليها وأن نستعمل كل ما يمكننا من أدوات لتحصيلها والحفاظ عليها. وقد رأيت أن هذه المنظومة تتكون من أربعة أركان خصصت ركن منها كل بحصن من ا حل صون: الحصن األول: وهو حصن االستقامة فالملتزم بأحكام الشريعة ال يحفظ روحه فقط بل يحفظ جسده أيضا فالخمر والمخدرات والفواحش وغيرها من المحرمات الظاهرة ال تؤذي الروح فقط بل تؤذي الجسد أيضا.. وهكذا المحرمات الباطنة من الحسد والكبر وغيره من األمراض كلها تنهك الروح والجسد. الحصن الثاني: وهو حصن الوقاية وقد تناولت فيه التشريعات المرتبطة بالوقاية كالصوم وتحريم اإلسراف والطهارة وغيرها فكلها لها دور مهم وفاعل في الحفاظ على 8

12 الصحة كما أن لها دورا فاعال في الحفاظ على الروح. الحصن وهو حصن الثالث: القوة وقد تناولت فيه كل حاجات الجسد التي تساهم في قوته والحفاظ عليه كالتغذية والرياضة والراحة.. وقد حاولت أن أبين فيه مدى حاجة الجسم إليها جميعا ومدى العبودية التي يتحقق بها اإلنسان حين يلبي هذه الحاجات وفق ما تقتضيه آداب الشريعة وقوانين الصحة. الحصن الرابع: وهو حصن التواصل وتناولت فيه المنافذ التي جعلها الله للجسد للتواصل مع العالم من السمع والبصر والشم والذوق واللمس واالستبصار.. وكيفية االستفادة منها في تحقيق العافية وفي التواصل السلمي مع العالم. وقد قاد هذه الرحلة كما قاد الكثير من رسائل السالم معلم السالم الذي رحل بالمؤلف إلى الحصون التي أنشأها أهل مدائن السالم للتدريب على العافية. وقد لقي المؤلف في رحلته هذه الكثير من العلماء والخبراء.. ورأى الكثير من األشياء العجيبة التي جعلته يحتقر ما رآه بين قومه مما كان يفخر به. وهي تنتقد الكثير من الظواهر السلبية التي تتالعب بالجسد والصحة في سبيل أغراض خسيسة.. وتنتقد سكوت الفقهاء على ذلك مع كونهم مطالبين باإلنكار على المنكر جملة وتفصيال.. وهي تدعو الجميع من الخبراء والفقهاء إلى بذل كل الجهود لمقاومة تجار المدنية الحديثة الذين يتالعبون بجسد اإلنسان إلرضاء الشيطان الذي أخبر أنه سيبذل كل جهوده لتغيير خلق الله كما قال تعالى: إ ن ي دع و ن ش يط انا م ر يدا )004( ل ع ن ه الل ه و ق ا ل أل ت خ ذ ن ع ب اد ك م ن ه م ن د ون إ ال إ ن اثا و إ ن ي دع و ن إ ال ن ص يبا م فر وضا )008( و أل ض ل ن ه م الش يط ا ن ذ و أل م ن ي ن ه م و ل م ر ن ه م ف ل ي ب ت ك ن آذ ا ن األ نع ا م و ل م ر ن ه م ف ل ي غ ي ر ن خ ل ق الل ه و م ن ي ت خ و ل ي ا م ن د ون الل ه ف ق د خ س ر خ سر انا م ب ينا )النساء: ( 9

13 البداية بعد عودتي من مستشفى السالم وامتالء قلبي بتلك المعاني السامية التي استفدتها من معلمي ومن أطباء ذلك المستشفى الممتلئ بكل المعاني المقدسة كما حكيت لكم قصة ذلك في )ابتسامة األنين( صرت ال أفرق بين البالء والعافية.. بل صار البالء في ذهني ال يختلف عن أي نعمة من النعم التي ينعم الله بها على عباده.. وقد جعلني ذلك أقصر كثيرا في مداراة بدني بما يطلبه مني من حاجاته.. بل صرت أنظر إليه كما أنظر إلى الخرقة البالية التي أود التخلص منها أللبس بدلها لباسي الحقيقي الذي ينتظرني في دار الخلود.. الشاعر: ولم أكتف بذلك بل رحت أشيع ذلك بين الناس وأنا أصيح فيهم كل حين بقول يا خادم الجسم كم تشقى ب خدمته أقبل على النفس واستكمل فضائلها أتطلب الربح فيما فيه خسران فأنت بالنفس ال بالجسم إنسان لكني.. وفي غمرة حماستي للمعاني التي تلقيتها في مستشفى السالم جاءني معلمي وهو يقول: تعال معي إلى حصون العافية.. لتعيد لنفسك توازنها.. فال يصح للروح أن تجور على الطين.. كما ال يصح للطين أن ينحرف بالروح. قلت: لم أفهم.. قال: لقد تعلمت في مستشفى السالم كيف تداوي روحك التي جرحتها آالم جسدك.. وستتعلم في حصون العافية كيف تحفظ جسدك لتستطيع روحك أن تؤدي رسالتها على هذه األرض. قلت: لم أفهم. 01

14 قال: سر معي.. وستفهم.. فلن يفهم إال من سار. سرت مع معلمي مسافات طويلة.. لست أدري هل كانت في قريتي التي نشأت فيها أم في قرية أخرى.. بل لست أدري هل كنت حينها على األرض أم كنت خارجها.. فقد كنت أرى أشياء كثيرة لم أرها في حياتي قط وال أحسب أن مثلها موجود على األرض. فجأة الحت لنا حصون بديعة.. فسألت المعلم عنها فقال: هذه حصونك.. فادخلها.. قلت: ما تعني قال: كما جعل الله لروحك حصونا تحفظها من الغفلة والتشتت والضالل فقد جعل لطينك حصونا تحفظها من ا لالم واألمراض واألسقام. قلت: تقصد حصون العافية قال: أجل.. فللعافية أسبابها كما للبالء أسبابه. قلت: ولكني تعلمت في رحلتي السابقة أن أسكن للبالء.. ال أن أواجهه. قال: وستتعلم في رحلتك هذه كيف تتقي البالء وتتحصن منه. قلت: أتريد أن تنسخ ما كنت قد علمتني إياه. قال: ال.. فرق بين أن ينزل بك البالء وبين أن تنزل بنفسك البالء.. فالله كما يجازيك على صبرك على البالء يحاسبك على تعريض نفسك له. قلت: لم أفهم.. ما الذي تقصد قال: إن الله خلق لك جسدك وهو أمانة أعارك إياها لتؤدي وظيفتك فال يحق لك التقصير فيها.. فإن قصرت حوسبت.. ألم تسمع قوله : )ال تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن 00

15 جسمه فيما أباله( )1( قلت: بلى.. فما فيه من العلم قال: لقد أخبر أن الله يسأل عباده عن أجسامهم وفيما أبلوها.. فمن فرط في جسده بأن قصر في حقه حوسب على ذلك بحسب تفريطه. الشهوات.. قلت: لكن الله أمرنا بأن نضحي بأجسامنا في سبيله. قال: فرق بين أن تضحي بجسمك في سبيل الله وبين أن تضحي به في سبيل شهوة من قلت: لقد حسبت أن هذا مجال الطب وال عالقة له بالدين. قال: الدين الذي ال يعلمك كيف تحفظ روحك وجسدك وكل شيء ليس دين الله بل هو دينك ودين البشر.. بالعافية. قلت: فهل سأتعلم في هذه الحصون هذا العلم قال: أجل.. فهذه حصون العافية.. وهي تعلمك من سنن الله ما يجعلك محفوفا *** دخلت مع المعلم إلى باب حصون العافية.. وقد فوجئت بالحراسة المشددة فيه وهوما لم ألحظه عند مدخل مستشفى السالم.. أما المعلم فلم يتنبه له الحرس الواقفون أمام الباب فلذلك لم يتعرض ألي تفتيش. أما أنا فأوقفوني طويال يفتشون قلت لهم: يا قوم.. والله إني ال أحمل سالحا.. وال أعرفه.. فلماذا تفتشوني كل هذا التفتيش )0( رواه الترمذي. 02

16 األطباء. قال أحد الحرس: افتح فمك. قلت له: ما هذا.. أتظن أني يمكن أن أخبئ سالحا في فمي لم ينتبه لما أقول.. بل راح ينظر إلى فمي مستعمال اإلنارة والمكبرات التي يستعملها قال لي: انصرف.. ال بد أن تغسل فمك أو ال وتأتي. اضطررت أن أنفذ ما يقولون مع أني لم أكن ألغفل عن تنظيفه ثم عاودت الدخول: فراح ينظر في أنفي.. وهكذا ظللت أكثر يومي مع هؤالء الحرس المتشددين أما معلم السالم فلم يتدخل بل تركهم يعملون ما شاءوا ويدققون في تفتيشهم ما يحلو لهم. بعد انتهاء التفتيش دخلت مع المعلم إلى هذا القسم لم أتجاسر أن أسأله عن تلك الشدة التي القاني بها الحرس فقد خشيت أن يسمعني أحدهم فلهم من األجهزة المتطورة ما أقنعني بأنني تحت حراسة مشددة. قال لي المعلم: البد أن تصبر على حرس هذا الحصن. قلت: لماذا وضعوا فيه هؤالء الحرس األشداء قال: ال.. ليسوا أشداء.. بل هم أنصح لك من أبيك وأمك. قلت: ولكنهم قساة. قال: هي قسوة مملوءة برحمة وشدة مكتنفة بلطف. قلت: أتقصد ما قال الشاعر: قسا ليزدجروا ومن يك راحما فليقسوأحيانا على من يرحم قال: هو ذاك.. قلت: فال خير في رحمة تضرني.. ومرحبا بقسوة تنفعني. التفت إليهم مبتسما وأنا أقول: جزاكم الله خيرا.. لقد أسأت فهمكم. 03

17 وجيه ووضيع. لم يلتفتوا إلي بل ظلوا منشغلين بمعاينة وتفتيش كل داخل ال يفرقون في ذلك بين قلت للمعلم: لم كان هذ القسم تاليا للقسم السابق قال: أجبني: عندما عاينت القسم السابق بماذا حدثتك نفسك قلت: سأصدقك.. لم أمر بقسم من األقسام إال تمنيت المكث فيه.. بل تمنيت أن أدفن في ثراه.. فمع أن العلة ال تزال تنخر في جسمي إال أن الراحة التي كنت أشم عطرها في تلك األقسام جعلتني أنسى كل علة وأشعر بكل قوة وأستغني عن كل دواء. كل شيء قال: فهذا القسم يدعوك إلى الفرار.. قلت: إلى الفرار من تلك األحوال الربانية التي عشتها.. بل لم أعش مثلها. قال: ال.. الفرار من بالء الله إلى عافية الله. قلت: ولكن ما أجمل البالء الذي يجر إلى مثل تلك العافية والسعادة التي عشتها. قال: نعم.. إن رحمة الله تدرك المبتلى وهي تدرك كذلك المعافى ألم تسع رحمته قلت: بلى.. قال: فهي تشمل الجميع إذن. قلت: فما دامت تشمل الجميع لماذا نفر من البالء قال: ألن األصل هو العافية.. والبالء عارض. قلت: كيف هذا.. وأنا أرى في واقعي البالء أصال والعافية عارضا. قال: ذلك ألنكم تنشغلون برؤية البالء عن رؤية العافية.. فينسخ أحدكم القناطير المقنطرة من العافية بالدرهم الواحد من البالء. *** 04

18 بينما نحن كذلك إذ مر علينا رجل ينادي في الجموع:)سلوا الله العافية.. سلوا الله العافية( سؤال العافية. اليقين( )1( قلت للمعلم: من هذا قال: هذا الممرض مكلف بهذه المهمة.. فهو يحذر من التعرض للبالء.. ويدعوإلى قلت: ولم يشغل نفسه بهذا.. فال أظن الناس محتاجين لمن يذكرهم بهذا. قال: هو يحيي سنة من سنة المصطفى بذلك. ضحكت وقلت: أقوله هذا سنة.. هو ال يأمرهم بإعفاء اللحية وال بتقصير القميص. قال: أجل.. ألم يكن رسول الله يحض أمته على طلب العافية قلت: بلى فقد كان يقول:)سلوا الله العافية فما أعطى أحد أفضل من العافية إال قال: وقد عاد رجال من المسلمين قد صار مثل الفرخ فقال له رسول الله :)هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه( قال:)نعم كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في ا لخرة فعجله لي في الدنيا فقال رسول الله :)سبحان الله ال تطيقه وال تستطيعه فهال قلت: ر ب ن ا آت ن ا ف ي الد ني ا ح س ن ة و ف ي ا لخ ر ة ح س ن ة و ق ن ا ع ذ اب الن ار فشفاه )2(. )البقرة: 810 ( قال: فدعا الل ه وقال على مرة أمام رسول الله :)اللهم إنى أسألك الصبر( فقال :) لقد سألت الله البالء فسله العافية( )3( النسائي. )0( مسلم. )8( رواه الترمذى. )5( 05

19 قلت: ألهذا إذن كان يستعيذ فى دعائه من بالء الدنيا وبالء ا لخرة وكان من دعائه )1( :) اللهم إنى أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة( قال: نعم.. ولكن هذا بشرط تحقق الشكر كما قال بعضهم: )الخير الذى ال شر فيه العافية مع الشكر فكم من منعم عليه غير شاكر( وقال آخر: )ألن أعافى فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر( قلت: لم ورد في النصوص الحث على طلب العافية.. ولم لم يترك األمر لله ليختار لعبده ما يشاء قال: إن سؤالنا العافية من الله أدب مع الله وتعظيم لله. قلت: كيف هذا.. أليست العبودية هي أن نسكن لمجريات األقدار.. فال نتدخل فيها قال: أليس من رحمة الله بنا أن يبتلينا لنرجع إليه قلت: بلى. قال: فكيف نرجع إليه قلت: نتوب. قال: وهل تحدثنا نفوسنا ونحن نرجع إلى الله بطلب عافية الله قلت: ال أكتمك بأن ذلك طبع. قال: فهل هو طبع طيب أم طبع خبيث قلت: هو طبع وكفى.. وقد يكون طيبا وقد يكون خبيثا. قال: ال.. هو طبع طيب.. فالله تعالى لم يخلقنا إال طيبين.. أجبني: هل من أسماء الله الحسنى التي أمرنا بإحصائها اسم المبتلي )0( رواه النسائي. 06

20 الرحيم. قلت: ال.. فأنا أحفظها جميعا بحمد الله. قال: فعدها. قلت: هو الله.. الرحمن الرحيم.. قال: حسبك.. فطلب العافية طلب من الرحمن الرحيم.. وتحقق بعبودية الرحمن قلت: أطلب العافية عبودية قال: أرأيت لوكنت في بحر عميق وغرقت فيه.. وكان بجانبك منقذ ماهر في السباحة.. أال تمد يداك إليه لينقذك قلت: مجنون أنا إن لم أفعل قال: أرأيت لوقلت: ال أمد يدي إليه بل أترك البحر يلتهمني. قلت: في ذلك الحين إما أن أكون مجنونا وإما أن أكون متكبرا. قال: المجنون ال يفعل هذا.. بل يفعله المتكبر.. فلذلك كان طلبك العافية من الله.. وتذلك بين يديه عبودية لله ال تختلف عن أي عبودية. قلت: لكني قرأت في سير الصالحين من يمتلئون بالحب إلى درجة سؤال الله البالء. قال: كمال ديننا نستلهمه من الله ومن رسول الله وممن أوصى بهم رسول الله.. أما الصالحون ففيهم العارفون وفيهم السالكون وهم يمرون بمراحل في سلوكهم وبمواجيد قد توحي لهم بما يقولون.. أال تعرف سمنون قلت: إي والله.. سمنون المحب.. ومن ال يعرفه لقد كان ورده في كل يوم وليلة خمسمائة ركعة وهوالقائل: كان لي قلب أعيش به رب فار ق علي فق ضا مني في تقل ه ضاب ر في ت ل ه 07

21 وأغم ما بي رم وهوالقائل: وكان فؤ خالي ق ك فلما عا قل ي هو ك أجابه رميب ب ين منن ن كنب كا با وإنكان شيا في ل س ب ها فان شاب و لني ون شاب تصك وهوالقائل: تكب لفؤ عليس ي ا وهو.. يا غياث لمس يم به وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح فلست أراه عن فنائك يبرح وإن كنت في الدنيا بغيرك افرح إذا غبت عن عيني لعيني يملح فلست ارى قلبي لغيرك يصلح وشردت نومي فما لي رقاد قال: لم أقصد أن تروي أشعاره. قلت: لم يكن شاعرا بل كان محبا.. ولم تكن أشعاره سوى زفرات من قلبه الذي امتأل عشقا. قال: فقد دعاه حاله ومواجيده ألن يقول: ولي قلت: الله!.. لي في و ك فكيفما شئت أي حب هذا!.. لقد دعته ثقته بحبه لله ألن يقول هذا. قال: ولكن الله تعالى ابتاله بعلة تدعوه إلى السنة. قلت: كيف هذا قال: لقد ابتلي بعلة الحصر. قلت: إنها علة خطيرة فماذا فعل فاختبرنى قال: كان بعد ذلك يدور على أبواب المكاتب ويقول للصبيان:)ادعوا لعمكم 08

22 الكذاب( *** قلت: يا معلم.. ال يزال ذهني مضطربا فكيف نجمع بين ما مر من نصوص تكاد ترغب في البالء وبين ما سقت من نصوص.. أال تالحظ أن هناك تناقضا صارخا قال: معاذ الله.. كتاب الله ال ي أت يه الب اط ل م ن ب ين ي د يه و ال م ن خ لف ه ت نز يل م ن ح ك يم )فصلت: 58 (.. التعارض في أذهانكم المشوشة التي تمتلئ بالصراع. يد ح م قلت: فكيف ننفي عنها الصراع ونملؤها بالسالم قال: ألم تسمع قوله :)أيها الناس ال تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظالل السيوف اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم األحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم( )1( قلت: بلى. قال: فقد نهى عن تمني لقاء العدو وأمر في نفس الوقت بالصبر حين لقائهم حتى ال يولي أحد دبره قائال: لقد نهينا عن لقاء العدو. قلت: فهذا الحديث فرق البالء قبل نزوله وبعد نزوله. قال: أجل.. فأمر بالصبر على البالء إن نزل ونهى عن طلبه إذا لم ينزل. قلت: فهمت هذا.. فالموقف من البالء إذن هو نفس الموقف من لقاء العدو. قال: وهل العدو إال بالء من البالء قلت: هذا مثال جيد نفى التعارض بإنزال كل حالة محلها الخاص بها. قال: سأزيدك ما يزيدك طمأنينة.. ألم ينه عن تمني الموت. )0( البخاري ومسلم. 09

23 ( قلت: بلى فقد قال :)ال يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان ال بد متمنيا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي( )1( قال: فلهذا يحمل ما ورد من نصوص تدل على محبة الموت أو الرغبة فيه على هذا المعنى المحكم ومن ذلك قوله في دعائه:) اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون( )2( قلت: لقد ذكرتني بحكمة البن عطاء الله يقول فيها:)إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في األسباب من الشهوة الخفية وإرادتك األسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية( قال: صدق الحكيم فما أدخلك الله فيه تولى إعانتك عليه وما دخلت فيه بنفسك ي ي م دخ ل ص دق و أ خر جن وكلك إليها.. ألم يأمرنا الله تعالى بأن نقول: و ق ل ر ب أ دخ لن ن ل د نك س لط انا ن صيرا )االسراء: 81 ي م م خر ج ص دق و اجع ل ل يقول: قلت: بلى. قال: فالمدخل الصدق أن تدخل فيه بالله والمخرج الصدق أن تخرج فيه بالله. *** قلت: يا معلم.. ال يزال ذهني مضطربا فكيف يطلب منا أن نفر من البالء والله تعالى )األحزاب: 02 ( ر ار إ ن ف ر رت م م ن الم وت ق ل ل ن ي نف ع ك م الف أو الق تل و إ ذا ال ت م ت ع ون إ ال ق ل يال وقد ذم الله قوما تعللوا بأسباب واهية ليفروا من البالء فقال تعالى: و إ ذ ق ال ت ط ائ ف ة نه م الن ب ي ي ق ول ون إ ن ب ي وت ن ا ع ور ة و م ا ن ف ر يق م م نه م ي ا أ هل ي ثر ب ال م ق ام ل ك م ف ارج ع وا و ي ست أذ )0( البخاري. )8( مالك. 21

24 ر ارا )األحزاب: 05 ( ه ي ب ع ور ة إ ن ي ر يد ون إ ال ف وذم الفارين من الزحف وهم إنما يفرون اتقاء لجراح تصيبهم أو قتل يفتك بهم فقال ن ق ت ال أو م ت ح ي زا إ ل ى ف ئ ة ف ق د ب اء ب غ ض ب م تعالى: و م ن ي و ل ه م ي وم ئ ذ د ب ر ه إ ال م ت ح ر فا ل ج ه ن م و ب ئس الم ص ير )ألنفال: 02 ( ا لل ه و م أو ا ه قال: إن الله تعالى مع مطالبته لنا بحفظ أجسادنا وقوانا إال أنه طلب منا كذلك أن نبيعها له فقال تعالى: ي ا أ ي ه ا ال ذ ين آم ن وا ه ل أ د ل ك م ع ل ى ت ج ار ة ت نج يك م م ن ع ذ اب أ ل يم ت ؤم ن ون ب الل ه ك م خ ير ل ك م إ ن ك نت م ت عل م و ن ك م و أ نف س ك م ذ ل ي س ب يل الل ه ب أ مو ال و ر س ول ه و ت ج ا ه د ون ف )الصف: 01 00( قلت: ما معنى بيع أجسادنا لله قال: بأن نبذلها لله في حال الحاجة إلى ذلك فنضحي بهذه األجساد من أجل غاية سامية أو خدمة نبيلة. قلت: اضرب لي مثال على ذلك يقرب لي هذا المعنى. قال: مثل ذلك مثل شخص يعتني بسيارته صيانة وتنظيفا ال حرصا عليها وبخال بها وإنما لتكون في خدمته أو خدمة نبله ومروءته متى احتاج إلى ذلك. قلت: ألهذا طلب الله تعالى منا أن نعتني بقوانا لنبذلها في سبيله بأي صورة من صور د وا ل ه م م ا است ط عت م م ن ق و ة و م ن ر ب اط الخ يل ت ره ب ون ب ه ع د والل ه البذل فقال تعالى: و أ ع و ع د و ك م )ألنفال: 21 ( قال: وبذلك يكون الفرار من البالء وأسباب البالء نوعا من أنواع الجهاد في سبيل الله ألن مطيتنا لطاعة الله هي هذه األجساد فإن أهلكناها من غير حاجة تدعو إلى ذلك كان ذلك تلف لرأس مالنا. قلت: ولهذا إذن فضل المؤمن القوي على المؤمن الضعيف فقال :)المؤمن 20

25 القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير( )1( قال: أجل.. بل هذا ما نطق به القرآن الكريم فالله تعالى يقول على لساني إحدى ابنتي ين )القصص: 82 ( الشيخ الصالح: ي ا أ ب ت است أج ره إ ن خ ير م ن است أج رت الق و ي األ م وعندما قال سليمان للمأل حوله مختبرا قواهم: ي ا أ ي ه ا الم أل أ ي ك م ين )النمل: 58 ( وقال ال ذ ي ع ق بل أ ن ي أت ون ي م سل م ي أت ين ي ب ع رش ه ا يك ب ه ق بل أ ن ت اب أ ن ا آت ن الك لم م ند ه ع ي بل و ن ي أ أ شك ر أ م أ كف ر و من ش ك ر ن ف ضل ر ب ي ل ند ه ق ال ه ذ ا م ي رت د إ ل يك ط رف ك ف ل م ا ر آه م ست ق ر ا ع ي ك ر يم )النمل: 51 ( حمد سليمان الله تعالى ألن ف إ ن م ا ي شك ر ل ن فس ه و م ن ك ف ر ف إ ن ر ب ي غ ن القوة التي تكون للمؤمن والصالح فضل عظيم من فضل الله وفضل الله يحافظ عليه وال يعبث به. والمروءة! قلت: فكل هذه النصوص تدعونا لحفظ قوانا. قال: ال بأن تحبسوها في قفص ذهبي وتحرصوا عليها حرص البخالء. قلت: فماذا نفعل بها قال: تبذلوها للحق وللمروءة والنبل.. وهل الجهاد في سبيل الله إال قمة الفتوة ي س ب يل الل ه قلت: ألهذا إذن استثار الله تعالى الهمم بقوله: و م ا ل ك م ال ت ق ات ل ون ف ن ه ذ ه الق ر ي ة ا لظ ال م ن الر ج ال و الن س اء و الو لد ان ال ذ ين ي ق ول ون ر ب ن ا أ خر جن ا م و الم ست ضع ف ين م ي ا و اجع ل ل ن ا أ هل ه ا و اجع ل ل ن ا م ن ل د نك و ل م ن ل د نك ن صيرا )النساء: 43 ( قال: وبقوله: أ ال ت ق ات ل ون ق وما ن ك ث وا أ يم ان ه م و ه م وا ب إ خر اج الر س ول و ه م ب د أ وك م أول ين )التوبة: 05 ( ن م ر ة أ ت خش ون ه م ف الل ه أ ح ق أ ن ت خش وه إ ن ك نت م م ؤم )0( أحمد. 22

26 *** رأيت في مدخل هذا القسم أربع قاعات جميلة بشكل قالع متينة سألت المعلم عنها فقال: هذه حصون هذا القسم.. أال تستدعي الوقاية التحصن محصنة. قلت: بلى.. ولكن أي أعداء يتربصون بهذا القسم حتى يحتاجون إلى هذه الحصون قال: األعداء يتربصون باإلنسان.. وهذه الحصون تعلم كيفية مواجهة هؤالء األعداء. قلت: فهمت هذا.. ولكن لم كانت بشكل حصون قال: لتذكر الداخل بضرورة التحصن.. وما كان لها أن تعلم التحصن وهي غير قلت: فالحراسة فيها مشددة إذن قال: أكثر مما تتصور. قلت: فما الحصن األول منها قال: حصن االستقامة. قلت: فمما يحمي هذا الحصن قال: هذا حصن االحتماء من األمراض التي يفرزها السلوك المنحرف. قلت: وما عالقة االنحراف السلوكي بانحراف الصحة قال: ألن االنحراف هو السبب األكبر في كل بالء يحدث وأنة ترتفع.. ألم تسمع قوله ير م ب ي ن )الذريات: 31 ( ر وا إ ل ى الل ه إ ن ي ل ك م م نه ن ذ تعالى: ف ف قلت: فما الحصن الثاني قال: حصن الوقاية. قلت: فمما يحمي هذا الحصن قال: هذا حصن الوقاية واالبتعاد عن أسباب العلل والحفاظ على أمانة الجسد التي 23

27 أو دعها الله اإلنسان وعلى أمانة الوسط الذي يعيشه وإلى هذا الركن يشير قوله :)فر من المجذوم فرارك من األسد( )1( قلت: فما الحصن الثالث قال: حصن القوة. قلت: فما حصن القوة قال: هو الحصن الذي يتم فيه تدريب قوى الجسم ليخافها البالء أو لتقاوم البالء. قلت: فما الحصن الرابع قال: هذا حصن التواصل. قلت: فما حصن التواصل قال: لقد عرف أهل مدائن السالم أهمية التواصل مع العالم الذي وجد فيه اإلنسان فلذلك اهتمت بحفظ هذا التواصل وتقويته.. فأنشأت له قسما خاصا. قلت: أتقسيم هذه الحصون اجتهاد اجتهده أهل مدائن السالم قال: هو اجتهاد باركته النصوص. قلت: كيف تباركه النصوص قال: كل اجتهاد أشارت إليه النصوص امتأل بركة وخيرا. قلت: فما النصوص التي أشارت إلى هذا قال: لقد أشار إلى هذه الحصون األربعة عند ذكره ألدب من آداب النوم باعتبار النوم محال للغفلة التي يتحينها األعداء. قلت: آداب النوم كثيرة.. فما هو األدب الذي جمع هذه الحصون )0( ابن جرير. 24

28 قال: قوله :)إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه بصنفة إزاره ثالث مرات فإنه ال يدري ما خلفه عليه بعده وإذا اضطجع فليقل:)باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما يحفظ به عبادك الصالحين( فإذا استيقظ فليقل:)الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره( )1( قلت: أهذا الحديث يشمل الحصون األربعة قال: أجل.. أما لحصن األول فيدل عليه قوله في دعاء النوم: )وإن أرسلتها فاحفظها بما يحفظ به عبادك الصالحين( ففي ذكره للصالحين دليل على أن الله يحفظ عباده باستقامتهم وسلوكهم سبيله. ويشير إليه أيضا قوله في دعاء االستيقاظ:)الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره( وهودليل على شعور قائله بنعمة الله عليه بل التفاته إلى هذه النعم وانشغاله بذكر الله وهوما يقيه كل األمراض السلوكية الناتجة عن الغفلة وعن عدم رؤية نعم الله. قلت: والثاني قال: يدل عليه قوله :)إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه بصنفة إزاره ثالث مرات فإنه ال يدري ما خلفه عليه بعده( فهواحتماء حسي ظاهر واحتياط شرعي له تأثيره في الحفظ والحماية. قلت: والثالث قال: هو النوم نفسه.. أليس النوم سببا من أسباب القوة وركنا من أركانها. قلت: كيف هذا )0( الترمذي. 25

29 قال: ألم ينزل الله النوم على أهل بدر ليستعدوا للمعركة بأجساد قوية ن الس م اء م اء قلت: بلى فقد قال تعالى: إ ذ ي غ ش يك م الن ع اس أ م ن ة م نه و ي ن ز ل ع ل يك م م ي رب ط ع ل ى ق ل وب ك م و ي ث ب ت ب ه األ قد ام )ألنفال: 00 ( ل ي ط ه ر ك م ب ه و ي ذه ب ع نك م ر جز الش يط ان و ل خفيا. منه. قال: فقد جعل الله تعالى النوم سببا من أسباب ربط القلوب. قلت: والرابع قال: قوله : )وأذن لي بذكره( فذكر الله اتصال بالله واستخدام ألدوات االتصال. قلت: فهمت هذا.. ولكني أرى أعداء كثيرين يتربصون باإلنسان قال: ويمكنك أن تتحصن منهم بهذه الحصون األربع. قلت: كيف هذا قال: ألن العدوإما أن يكون داخليا أو خارجيا فإن كان خارجيا فإما أن يكون ظاهرا أو أما العدوالداخلي فهواألمراض النفسية الناتجة عن السلوك المنحرف وأما العدوالخارجي الظاهر فهومسببات األمراض من الجراثيم والفيروسات والحوادث وغيرها. أما العدوالخارجي الخفي فمنه ما نعرفه كالشياطين ومنه ما نجهله وأمرنا باالستعاذة قلت: فهل ندخل هذه الحصون األربعة.. أم نكتفي بما عرفنا عنها قال: ال مناص لنا من الدخول.. فكل من دخل هذا القسم تلزمه إدارة مدائن السالم بالتحصن بهذه الحصون. الضرائب. قلت: لم أعلم أن حفظ الصحة إجباري. قال: مدائن السالم تحرص على حفظ صحة رعيتها أكثر من حرصكم على جمع 26

30 قلت: مدنيتنا تستفيد من الضرائب في حفظ العمران. قال: ومدائن السالم تستفيد من صحة الرعية في حفظ اإلنسان. 27

31 أوال حصن االستقامة قصدنا الحصن األول وقد كتب على بابه بحروف من نور قوله تعالى: ف ف ر وا إ ل ى الل ه إ ن ي ل ك م م نه ن ذ ير م ب ين )الذريات: 31 ( قلت للمعلم: ما عالقة هذه ا لية بهذا الحصن قال: الله تعالى يأمر عباده باللجوء إليه واالعتماد عليه في أمورهم. قلت: وقد قرن ذلك بالتحذير واإلنذار ليدل على خطورة عدم الفرار إلى الله وعدم اللجوء إليه.. ولكن ما عالقة ذلك بهذا القسم قال: أليست الصحة والعافية نعمة قلت: بلى وقد عرفنا ذلك.. وهي نعمة ال تقدر بثمن. قال: بل قرنها بنعمة اليقين واإليمان فقال :)سلوا الله العفووالعافية فإن أحد لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية( )1( قلت: وأخبر عن كون الصحة نعمة عظيمة ال يلتفت إلى قيمتها كثير من الناس فقال: )نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ( )2( عنها. قال: فقد عرفت إذن قلت: وما عرفت لم أعرف إال أن الصحة نعمة.. وتلك معلومة قديمة سبق أن تحدثنا قال: ألم يجعل الله تعالى للنعم حصونا تحميها ومعاقل تحفظها قلت: أجل.. )0( أحمد والترمذي. )8( البخاري. 28

32 وحلول البالء. قال: ومن هدم تلك المعاقل أو كسر تلك األبواب كان ذلك إيذانا بارتفاع العافية قلت: ولهذا إذن يقرن الله تعالى بين تبديل نعمة الله وبين حلول البوار كما قال تعالى: أ ل م ت ر إ ل ى ال ذ ين ب د ل وا ن عم ت الل ه ك فرا و أ ح ل وا ق وم ه م د ار الب و ار )ابراهيم: 88 ( قال: وقد ضرب الله تعالى مثال على هذا فقال: يه ا ر زق ه ا ر غ دا م طم ئ ن ة ي أت م ن ك ل م ك ان ف ك ف ر ت ب أ نع م الل ه و ض ر ب الل ه م ث ال ق ري ة ك ان ت آم ن ة ب اس الج وع و الخ وف ب م ا ف أ ذ اق ه ا الل ه ل ك ان وا ي صن ع ون و ل ق د ج اء ه م ر س ول م نه م ف ك ذ ب وه ف أ خ ذ ه م الع ذ اب و ه م ظ ال م ون )النحل: ( قلت: فقد كان هذا اللباس الجديد من البالء بسبب الموقف الذي وقفوه من نعم الله قال: أجل.. ولهذا قالوا:)ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله( قلت: لقد ذكر بعضهم أنه رأى رجال جاوز مائة سنة وهوممتع بقوته وعقله فوثب يوما وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال:)هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر( )1( قال: وعكس هذا ما وري أن بعضهم رأى شيخا يسأل الناس فقال:)هذا الشيخ لم يحفظ الله في صغره فلم يحفظه الله في كبره( )2( *** بينما نحن كذلك إذ سمعنا صوتا في مدخل الباب يردد بصوت عذب هذا األثر اإللهي:)وعزتي وجاللي ال يكون عبد من عبيدي على ما أحب ثم ينتقل عنه إلى ما أكره إال )0( البداية والنهاية: 83/08. )8( جامع العلوم والحكم:

33 إنتقلت له مما يحب عبيدي الى ما يكره وال يكون عبد من عبيدي على ما أكره فينتقل عنه الى ما أحب اال إنتقلت له مما يكره الى ما يحب( ثم تتلوه أنشودة بلحن عذب تقول: فون لمروب ت يك لن إ كنب في ر م فارع ا لنق ف ب ل ا ي و ا ب اع رب ل ا لو فمل ل ا ش ي وإياك ولمل م ما إ ب ل م ار من ق ل ص و اف بقل ن بين لور ش و علي و ت ف لن مساكن ب ه من لمل وهولم ق تص ض وماكان ش ا علي علي قصور وأخ ف تكو من جنان ومن قلت للمعلم: من أين تصدر هذه األصوات الجميلة قال: من إذاعة هذا القسم. قلت: ألهذا القسم إذاعة.. ما أغنى مدائن السالم قال: هي ليست كإذاعاتكم.. أنتم متخلفون كثيرا بالنسبة للحضارة التي وصلوا إليها هنا. قلت: فكيف وصلوا إليها قال: ببركات الله.. قلت: ماذا تقول ن قال: لقد سمعوا قوله تعالى: و ل وأ ن أ هل الق ر ى آم ن وا و ات ق وا ل ف ت حن ا ع ل يه م ب ر ك ات م الس م اء و األ رض )األعراف: 32 ( فآمنوا واتقوا فلما رأى الله صدقهم أنزل عليهم بركات من السماء واألرض. قلت: ولكن قومي ومن غير أن يسمعوا إلى هذه ا لية وصلوا إلى أشياء كثيرة. 31

34 قال: ليست العبرة بالكثرة وإنما العبرة بالبركة فقد يعطيك الله الكثير فيكون سببا لهالكك ويعطيك القليل المبارك فيفتح عليك به مفاتيح جنانه. النعم. قلت: هذا صحيح.. فنحن نجمع في حياتنا صنوفا من النعم ولكن ال نكاد نحس بها. قال: ويوشك لو استمر بكم األمر على ما أنتم عليه من الغفلة أن تسلبوا ما أعطيتم من قلت: كيف قال: أال تعرف حضارة سبأ قلت: أجل.. فهي حضارة راقية فقد كانت لها من الجنات ما تنبهر له األبصار كما قال تعالى يصفها: س ب أ ف ي م سك ن ه م آي ة ج ن ت ان ع ن ي م ين و ش ل ق د ك ان ل و اشك ر وا ل ه ب لد ة ط ي ب ة و ر ب غ ف ور )سبأ: 03 ( م ال ك ل وا م ن ر زق ر ب كم قال: ولكنهم بإعراضهم عن الله وانحراهم عن سبيله أدركتهم سنة الله فيمن حاد عن الله قالتعالى يبين الحال التي انتقلوا إليها وسببها: ف أ عر ض وا ف أ رس لن ا ع ل يه م س يل الع ر م و ب د لن اه م ب ج ن ت يه م ج ن ت ين ذ و ات ي أ ك ل خ مط و أ ثل و ش يء م ن س در ق ل يل )سبأ: 02 ( فهذا الذي صار إليه أمر تينك الجنتين إليه بعد كفرهم وشركهم بالل ه وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل فبعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة والظالل العميقة واألنهار الجارية تبدلت إلى شجر األراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل. قلت: ولكن مع ذلك فحضارة السبأيين بدائية بالنسبة لحضارتنا. قال: القرآن الكريم يعمم هذا النموذج على كثير من القرى التي انحرفت عن سبيل الله ن لك م س اك ن ه م ل م ت سك ن م يش ت ه ا ف ت قال تعالى يبين سنته في ذلك: و ك م أ هل كن ا م ن ق ري ة ب ط ر ت م ع ين )القصص: 38 ( و ب عد هم إ ال ق ل يال و ك ن ا ن حن الو ار ث ي ذ ل ه م إ ن ف ن ي م س اك ق بل ه م م ن الق ر ون ي مش ون ف قال تعالى: أ ف ل م ي هد ل ه م ك م أ هل كن ا ي الن ه ى )طه: 088 ( و قال أل ول ك ل يات 30

35 ه م و ز ي ن ل ه م الش يط ان أ عم ال ه م ف ص د ه م ع ن ن تعالى: و ع ادا و ث م ود و ق د ت ب ي ن ل ك م م ن م س اك ن ق بل ه م الس ب يل و ك ان وا م ست بص ر ين )العنكبوت: 58 ( و قال تعالى: أو ل م ي هد ل ه م ك م أ هل كن ا م م ن الق ر ون ي مش ون ف ي م س اك ن ه م إ ن ف ي ذ ل ك ل يات أ ف ال ي سم ع ون )السجدة: 82 ( معاصيهم. *** قلت للمعلم: تلك عقوبات قدرية قدرها الله على من لم يحترموا نعمه. قال: والله بحكمته يشرع للعاصين من التشريعات ما يعاقبهم به جزاء وفاقا على قلت: لقد حرم الله تعالى بعض الطيبات على اليهود بسبب بغيهم فقالتعالى: و ع ل ى ال ذ ين ه اد وا ح ر من ا ك ل ن الب ق ر و الغ ن م ح ر من ا ع ل يه م ش ح وم ه م ا إ ال م ا ح م ل ت ذ ي ظ ف ر و م ظ ه ور ه م ا أو الح و اي ا أو م ا اخت ل ط ب ع ظم ذ ل ك ج ز ين اه م ب ب غي ه م و إ ن ا ل ص اد ق ون )األنعام: 052 ( أي إنما حرمنا عليهم ذلك ألنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم وطغيانهم ومخالفتهم رسولهم واختالفهم عليه. وقد صرح القرآن الكريم بالغرض من تحريم هذه الطيبات وغيرها فقال تعالى: م ف ب ظ لم م ن ال ذ ين ه اد وا ح ر من ا ع ل يه م ط ي ب ات أ حل ت ل ه م و ب ص د هم ع ن س ب يل الل ه ك ث يرا و أ خذ ه يما لك اف ر ين م نه م ع ذ ابا أ ل الر با و ق د ن ه وا ع نه و أ كل ه م أ مو ال الن اس ب الب اط ل و أ عت دن ا ل )النساء: ( ومثل ذلك ما أمر به بنوإسرائيل من قتل أنفسهم مع أن الشريعة في األصل تحرم قتل النفس مطلقا قال تعالى: و إ ذ ق ال م وس ى ل ق وم ه ي ا ق وم إ ن ك م ظ ل مت م أ نف س ك م ب ات خ اذ ك م الع جل ك م ف ت اب ع ل يك م إ ن ه هو ند ب ار ئ ك م خ ير ل ك م ع ف ت وب وا إ ل ى ب ار ئ ك م ف اقت ل وا أ نف س ك م ذ ل الر ح يم )البقرة: 35 ( الت و ا ب قال: وليس ذلك خاصا ببني إسرائيل فالعقوبات التشريعية مستمرة في هذه األمة 32

36 ولوأنها لم تتخذ الطابع الجماعي باعتبار عموم الرسالة وخلودها فلذلك وضع الشرع الحدود والزواجر عقوبة وردعا للمنحرفين. قلت: أجل.. فمن ظاهر من زوجته مثال أمر عقابا له بهذا التكفير الشديد قال تعالى: و ال ذ ين ي ظ اه ر ون م ن ن س ائ ه م ث م ي ع ود ون ل م ا ق ال وا ف ت حر ير ر ق ب ة م ن ق بل أ ن ي ت م اس ا ذ ل كم ت وع ظ و ن ب ه و الل ه ب م ا ت عم ل ون خ ب ير ف م ن ل م ي ج د ف ص ي ام ش ه ر ين م ت ت اب ع ين م ن ق بل أ ن ي ت م اس ا ف م ن لم ي ست ط ع ف إ طع ام س ت ين م سك ينا ذ ل ك ل ت ؤم ن وا ب الل ه و ر س ول ه و ت لك ح د ود الل ه و ل لك اف ر ين ع ذ اب أ ل ي م )المجادلة: 5 5(( وسبب ذلك أن هؤالء المظاهرين يقولون منكرا من القول وزورا قال تعالى: ال ذ ين ي و ل دن ه م و إ ن ه م ل ي ق ول ون م نك را ه م م ا ه ن أ م ه ات ه م إ ن أ م ه ات ه م إ ال الال ئ س ائ ن ن نك م م ي ظ اه ر ون م م ن الق ول و ز ورا و إ ن الل ه ل ع ف وغ ف ور )المجادلة: 8 ( تتخلف. قال: وهكذا كانت العقوبات قدرية وتشريعية قانونا إلهيا وسنة من سنن الكون ال تكاد قلت: ولهذا ورد في ا لثار بيان أثير المعصية في العافية ومن ذلك قوله عبد الله بن عباس: )إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق( وقدذكروا تأثير المعاصي في الراحة النفسية فهذا رجل يشكو لبعض الصالحين وحشة يجدها في نفسه فقال له: إذا كنت قد أو حشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس *** رأيت بابين داخل هذا القسم والمرضى يدخلون منهما بعد أن يتعرضوا لتفتيش شديد 33

37 سألت المعلم عنهما فقال: هذان البابان يحويان العالج مما ينبغي الفرار منه من الذنوب المؤثر على العافية. قلت: أوراء تلك األبواب أطباء يعالجون الذنوب قال: أجل. قلت: هل يسقى المريض فيها ما يجعله بريئا من الذنوب كيوم ولدته أمه قال: ال.. بل يعطى من الحقائق والعلم ممزوجا بالتربية والتمرين ما يقلع منه أصول المعاصي وفروعها.. ألستم تجعلون في مستشفياتكم محال لتمرين المرضى وتأهيلهم للحياة الصحية قلت: بلى.. فبعض األمراض تستدعي ذلك قال: فكذلك رأت إدارة هذا القسم أن أكثر األمراض ناشئة عن االنحرافات الخلقية فلذلك جعلت هذا القسم الخاص بالوقاية منها. قلت: وبذلك يتقون كل العلل التي تنبع من هذه االنحرافات. قال: أجل.. فالوقاية خير من العالج. قلت: ولكن الذنوب كثيرة جدا ال تكاد تحصى فلم وضع لها قسمان فقط قال: هذان القسمان يحويان أصول الذنوب. قلت: فما هما قال: اجتناب اإلثم واجتناب العدوان فكالهما مما وردت النصوص بوجوب ث م يرا م نه م ي س ار ع ون ف ي األ اجتنابه قال تعالى منكرا على من اتصف باإلثم والعدوان: و ت ر ى ك ث و الع دو ان و أ كل ه م الس حت ل ب ئس م ا ك ان وا ي عم ل ون )المائدة: 28 ( ع ل يه م ب األ ثم و الع دو ان )المجادلة: 8 ( )البقرة: 83 ( وقال تعالى: و قال تعالى: ت ظ اه ر ون و ي ت ن اج ون ب األ ثم و الع دو ان 34

38 قلت: فما الفرق بينهما قال: مع أن كال المصطلحين قد يطلق على الذنوب جميعا إال أن اقترانهما في هذا الموضع يدل على أن لكل منهما معنى خاصا يشير إلى نوع من أنواع االنحراف. وقد اختارت إدارة هذه الحصون مما قيل في التفريق بينهما أن اإلثم يعني الذنوب التي تضر صاحبها فقط على عكس العدوان الذي يتعدى طوره صاحبه الى ا لخرين. اجتناب اإلثم اقتربنا من الباب األول فرأينا الفتة كتب عليها قوله تعالى: و ال ت قر ب وا الف و اح ش م ا ظ ه ر م نه ا و م ا ب ط ن )األنعام: 030 ( ورأيت على المدخل جهازا لم أر مثله في حياتي ال يسمح للدخول إلى القسم إال بعد المرور عليه. قال لي المعلم: ادخل في هذا الجهاز فإنه لن يسمح لك بالدخول إال بعد المرور عليه. قلت: وما هذا الجهاز قال: هذا جهاز يبين أنواع اإلثم التي تمتلئ بها نفسك. قلت: يا ويلتي.. هذا جهاز الفضائح إذن. قال: ال.. هذا جهاز ناصح ال فاضح.. فإنه ال يسلم المعلومات لغيرك. قلت: فما الحاجة إليه إذن.. فال أحد يجهل فضائحه قال: ال.. هناك من ال يفرق بين الطاعة والمعصية.. أال تعلم ثمرات الغفلة قلت: بلى.. وقد قال تعالى: ال ذ ين ض ل س عي ه م ف ي الح ي اة الد ني ا و ه م ي حس ب ون أ ن ه م ي حس ن ون ص نعا )الكهف: 015 ( قال: وقالتعالى: ال ت حس ب ن ال ذ ين ي فر ح ون ب م ا أ ت وا و ي ح ب ون أ ن ي حم د وا ب م ا ل م ي فع ل وا ي م )آل عمران: 088 ( ن الع ذ اب و ل ه م ع ذ اب أ ل ف ال ت حس ب ن ه م ب م ف از ة م قلت: فهمت هذا.. ولكن ما فائدة أن يعطيك جريدة فضائحك 35

39 قال: لتعالجها.. أال تعلم أن التشخيص هو نصف العالج قلت: أهذا جهاز أشعة إذن قال: أجل.. وما يعطيك من نتائج هي التي تذهب بها إلى األطباء ليعرفوا مبلغ العلة فيك فيعالجوك بحسب ما تحتاجه من أدوية. قلت: الله! لقد بلغت مدائن السالم مبلغا عظيما في التطور. قال: أنت لم تر شيئا.. قلت: هل سندخل جميعا لهذا الجهاز قال: ال.. ادخل أنت فقط.. أما أنا فال عالقة لي بهذا.. أنسيت أني معلم السالم قلت: ولكن هؤالء الحرس األشداء لن يتركوك إال بعد أن تمر. ضحك وقال: ال بأس إن طلبوا مني الدخول فسأدخل. دخل معلم السالم من الباب فلم أر أحدا من الحراس انتبه له وال اهتم به مع أن الذبابة تمر فال يسمح لها بالدخول حتى تمر على ذلك الجهاز.. الجهاز أو ال. معلمك هذا أردت أن أدخل كما دخل معلم السالم فواجهني أحد الحرس بشدة وقال: مر على قلت: ولكن معلم السالم مر عليكم دون أن يمر على الجهاز. ضحكوا فيما بينهم وقالوا: ال تمر علينا الذبابة إال بعد أن تمر عليه فكيف يمر علينا لم أجد بدا من الدخول ولكني لم أجد في نفس الوقت بدا من سؤال المعلم عن سر عدم أمره بالمرور على الجهاز فقال لي: إذا صرت مثلي فلن يأمرك أحد ولن يحاسبك أحد ألم تعلم أن سبعين ألفا من هذه األمة يدخلون الجنة من غير أن يعرفوا حسابا وال ميزانا قلت: فأنت منهم إذن. 36

40 قال: دعك من هذا ودعك مني.. هل جئت بالوثيقة معك قلت: أجل.. قال: فاحتفظ بها لنفسك.. وال ترها أحدا من خلق الله إال لمن وكل الله إليهم عالجك. قلت: لم قال: ألم تسمع قوله :)كل أمتي معافى إال المجاهرين وإن من اإلجهار أن يعمل الرجل بالليل عمال ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه فيصبح يكشف ستر الله عز وجل عنه( )1( *** بينما نحن كذلك مر علينا رجل وهويصيح بصوت فيه قوة وحزم وهويردد قوله :)يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إال فشا فيهم الطاعون واألوجاع التي لم تكن مضت في أسالفهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إال أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إال منعوا القطر من السماء ولوال البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إال سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتخيروا فيما أنزل الله إال جعل الله بأسهم بينهم( )2( قلت للمعلم: ما يقول هذا قال: هذا يذكر المرضى بالعقوبات القدرية التي ينزلها الله تعالى على ا لثمين. قلت: أهي عقوبات كعقوبات عاد وثمود البخاري ومسلم. )0( ابن ماجه والحاكم. )8( 37

41 قال: ال.. ال يشترط أن تأتي عن طريق الخوارق فالله يعاقب بسننه التي نظم بها الكون. قلت: اشرح لي هذا. أمسك بيدي شخص وقور أظنه يعمل طبيبا في مدائن السالم وقال لي برقة: أنا معاصر لك وأعلم كثيرا مما يدور في خلدك.. إن دالئل هذا في الواقع منتشرة تدل عليها البحوث العلمية وتزيد في توثيقها اإلحصاءت الدقيقة وتزيد في تأكيدها التجربة والمعايشة. قلت: فاضرب لي مثاال على ذلك. قال: سأضرب لك مثاال بسيطا قد يعتبره نفر من قومي وقومك بأنه من القشور التي ال يصح الحديث عنها. قلت: كثير من األشياء يعتبرها قومي كذلك.. ولو أني طبعت على حب أكل القشور كما أحب أكل اللباب. األخرى. قال: لقد نهى عن النفخ في الشراب والطعام. قلت: أجل.. لقد وردت أحاديث كثيرة في هذا تدل على أهمية المسألة. قال: أتدري ما عاقبة التفريط في تطبيق هذا النهي الشرعي مع بساطته مقارنة باألحكام قلت: ال.. وال أظن األمر له عواقب خطيرة. قال: لقد تسبب التفريط في هذا إلى في حدوث أو بئة خطيرة فقد أجرى بعض الباحثين األمعاء في السودان فوجدوا أن السبب الرئيسي لدرن األمعاء في السودان دراسة على درن )1( هو جرثومة الدرن اإلنسانية بعكس ما هو معروف عالميا من أن السبب هو الجرثومة الدرنية البقرية. )0( يعتبر الدرن من األمراض الشائعة في بعض الدول اإلسالمية وهو ينتقل عن طريق الهواء. 38

42 ( قلت: فما سر هذا قال: أرجع هؤالء الباحثون علة ذلك إلى العادة المتبعة في خض اللبن وصنع الزبدة منه حيث يتم ملء القربة إلى نصفها باللبن ثم تنفخ المرأة والتي قد تكون مصابة بدرن الصدر بفمها في القربة لتمأل النصف ا لخر بالهواء ثم يبدأ خض اللبن وتفصل الزبدة ويشرب اللبن بدون غلي أو تسخين وبالتالي ينتقل المرض من صدر المرأة إلى أمعاء ا لخرين وتنتشر هذه العادة في كثير من بالد المسلمين مع أنه منهي عنها شرعا. قلت: سبحان الله.. إننا نحتقر مثل هذا.. فيعاقبنا الله بما كنا في غنى عنه. *** رأيت بابين داخل هذا الحصن فسألت المعلم عنهما فقال: ألم تقرأ قوله تعالى: و ال نه ا و م ا ب ط ن )األنعام: 030 ت قر ب وا الف و اح ش م ا ظ ه ر م قلت: بلى.. فما عالقة هذه ا لية بالبابين قال: ا لثام تنقسم إلى قسمين: آثام ظاهرة وآثام باطنة وكال القسمين له أثره الخطير على الصحة وقد رأت إدارة هذه الحصون تخصيص قاعتين لعالج ذلك. باطن اإلثم: دخلنا القاعة األولى.. وقد كانت أشبه بحصن منيع فشعرت بانقباض نفسي نتيجة لذكريات مرت على خاطري لست أدري ما الذي جلبها إلى خاطري تلك اللحظة وقد كانت من القوة بحيث شغلتني عن النظر في جدر تلك الحصن وأبوابه مع أنها كانت في منتهى الروعة والجمال. ثم ازدادت الخواطر شدة حتى ذهلت عن معلم السالم وأصبحت أهذي بالحديث عن أولئك األعداء الذين لم يكتفوا بتكدير حياتي بل راحوا بأشخاصهم المخيفة في زوايا صدري يكدرون تلك اللحظات السعيدة التي أعيشها في مدائن السالم. 39

43 قلت للمعلم: أنجدني من هؤالء األعداء الذين يمألون صدري بالوساوس وخواطر السوء. الله لغيرك. قال: فمن تركهم يسكنون صدرك قلت: ظلمهم وحقدهم وطغيانهم. قال: فلماذا جعلت صدرك فندقا لهم قلت: هم نزلوه غصبا عني. قال: صدرك هو حصنك وال يقتحمه إال من فتحت له.. فأبواب حصونك لم يجعلها قلت: أترى أن المفاتيح ضاعت مني فأخذوها وولجوا حصون صدري أو تراهم حطموا الحصون ودخلوا أو تراهم.. قال: ليس الشأن أن تعرف كيف دخلوا ولكن الشأن أن تعرف كيف تخرجهم. قلت: فكيف أخرجهم.. فإني لن أشعر بالسعادة ما داموا ينزلون فنادق صدري. قال: بالسلوك.. ألسنا في حصن االستقامة قلت: فما حصن االستقامة قال: هو الحصن الذي يطهر أرض النفس من األعشاب السامة واألشواك الجارحة والظلمة القاتمة ألن امتداد هذه الظلمات يسري من النفس إلى الروح ومن الروح إلى الجسد فينهك قواه ويقطع أو صاله ويهدم بنيانه. قلت: أحصون العافية تبحث في هذا قال: من الحماقة أن تهتمالحصونبدفع ا لفات عن األجسام الظاهرة ثم تترك البواطن مأوى للخفافيش والعقارب والحيات. قلت: لقد ذكرتني بقول الغزالي:)ما أشد حماقة من دخلت األفاعي والعقارب تحت 41

44 ثيابه وهمت بقتله وهويطلب مذبة يدفع بها الذباب عن غيره ممن ال يغنيه وال ينجيه مما يالقيه من تلك الحيات والعقارب إذا همت به( )1( قال: ولهذا اعتبر القرآن الكريم ما يحدث في القلب من ظنون سيئة وأفكار رديئة مرضا يم ب م ا ك ان وا بل مرضا خطيرا فقال تعالى: ف ي ق ل وب ه م م ر ض ف ز اد ه م الل ه م ر ضا و ل ه م ع ذ اب أ ل ي كذ ب ون )البقرة: 01 ( وهذا المرض أخطر بكثير من مرض األجساد ألن مرض القلب مرض للروح ومرض الروح يمتد ليشمل كل وسائل اإلدراك قال تعالى: خ ت م الل ه ع ل ى ق ل وب ه م و ع ل ى ش او ة و ل ه م ع ذ اب ع ظ يم )البقرة: 4 ( و قال تعالى: أو ل ئ ك ال ذ ي ن س مع ه م و ع ل ى أ بص ار هم غ ط ب ع الل ه ع ل ى ق ل وب ه م و س مع ه م و أ بص ار ه م و أ ول ئ ك ه م الغ اف ل ون )النحل: 018 ( فإذا شغل وسائل اإلدراك ومألها ظلمة لم يجد معه أي عالج فلهذا ال تنفعهم رقى ي ق ل وب ه م م ر ض القرآن الكريم التي ينتفع بها جميع الناس قال تعالى: و أ م ا ال ذ ين ف ر جسا إ ل ى ر جس ه م و م ات وا و ه م ك اف ر ون )التوبة: 083 ( قلت: ألهذا تبتلى القلوب المريضة بالهم والغم والكآبة ف ز ا د ته م قال: أجل.. ولكنهم يسترونه بالزهو الكاذب والفرح الذي ال يعدو أن يكون كبرا وبطرا قالتعالى: إ ن ت مس سك م ح س ن ة ت س ؤه م و إ ن ت ص بك م س ي ئ ة ي فر ح وا ب ه ا و إ ن ت صب ر وا و ت ت ق وا ال ي ض ر ك م ك يد ه م ش يئا إ ن الل ه ب م ا ي عم ل ون م ح يط )آل عمران: 081 ( قلت: والهم والغم هما منبعا العلل ومصدرا األمراض جسديها ونفسيها. رأيت داخل القاعة رجال بزي عصري يتكلم بلغة عربية مختلطة بعجمة سألت المعلم عنه فقال: هذا رجل من قومك جاء أستاذا زائرا لهذه الحصون ليبين للمرضى العالقة بين )0( اإلحياء:.53/0 40

45 األمراض الحسية واألمراض السلوكية. قلت: لم قال: ال تكتمل العافية إال بتحصين الجسم من جميع ثغراته.. أرأيت لوأن حصنا منيعا التف األعدء به من كل ناحية وكانت أبوابه موصدة جميعا لكن بابا من أبوابه فتح لدخول األعداء ولم يلق أي مقاومة هل سيبقى الحصن منيعا قلت: ال.. سيستعمر هذا الحصن ال محالة وسيسبى أهله أو يقتلون. قال: فكذلك حصن الجسم.. ال يكفي أن تحصنه من جهة وتترك الرياح واألعاصير تعبث به من جهات أخرى. اقتربنا من الرجل فسمعناه سائال يقول له: األمراض العصبية والنفسية تنتشر في عصرنا انتشارا شديدا متفاقما فما أسباب ذلك قال: إن من األسباب الرئيسية لهذه األمراض الشعور باإلثم والخطيئة والحقد والقلق والكبت والتردد والشك والغيرة واألثرة والسأم.. ومما يؤسف له أن كثيرا ممن يشتغلون بالعالج النفسي قد ينجحون في تقصي أسباب االضطراب النفسي الذي يسبب المرض ولكنهم يفشلون في معالجة هذه االضطرابات ألنهم ال يلجأون في عالجها إلى بث اإليمان بالله في نفوس هؤالء المرضى. ونحب فوق ذلك أن نتساءل عن هذه االضطرابات االنفعالية والعوامل التي تسبب تلك األمراض إنها هي ذاتها االضطرابات التي جاءت األديان لكي تعمل على تحريرنا منها. فقد علم الله بقدرته وحكمته حاجاتنا النفسية ودبر لها العالج الكامل وقد وصف األخصائيون النفسيون القفل الذي يغلق باب الصحة وآتانا الله المفتاح الذي يفتح هذا الباب وال يمكن أن يقودنا التخبط األعمى إلى فتح هذا القفل المعقد بل إنه ال يستطيع أن يمدنا بالمفتاح الذي يفتح باب الروح اإلنسانية فالله وحده هو الذي يستطيع أن يهدينا طريق 42

46 الصواب. فماذا يخبرنا الله المستعان على فهم األمور عن هذه المفاتيح إن ذلك يتلخص في أننا نركب اإلثم والذنوب ونحتاج إلى عفوالله ومغفرته حتى نعود إلى رحابه ونعفو عن غيرنا إن المذنبين الذين ينالهم هذا الصفح تتجلى في نفوسهم روح الله فيذهب عنهم الخوف القلق وال يكون هنالك سبيل إلى إصابتهم بالكبت والغيرة واألثرة. فعتدما تحل محبته في القلب تفارقها الشرور وا لثام وال ينتابها السأم وتفيض با لمال الحية التي تنبعث منها الحياة. سأله سائل آخر: اذكر لنا من واقع تجربتك ما يبرهن على هذا قال: لقد وجدت في أثناء ممارستي للطب أن تسلحي بالنواحي الروحية إلى جانب إلمامي بالمادة العلمية يمكناني من معالجة جميع األمراض عالجا يتسم بالبركة الحقيقة أما إذا أبعد اإلنسان ربه عن هذا المحيط فإن محاوالته ال تكون إال نصف العالج بل قد ال تبلغ هذا القدر. فمعظم القرح المعدية ال ترجع إلى ما يأكله الناس كما يقال وإنما إلى ما تأكل قلوبهم والبد لعالج المريض بها من عالج قلبه وأحقاده أو ال وليكن لنا أسوة باألنبياء الذين كانوا يصلون من أجل أعدائهم ويدعون لهم بالخير فإذا تطهرت قلوبنا وصرنا مخلصين فإننا نشق طريقنا نحوالشفاء وبخاصة إذا كان العالج الروحي مصحوبا بتناول المواد ضد الحامضية وغيرها من العقاقير التي تساعد على الشفاء من هذه القرح. وهنالك كثير من الحاالت النفسية التي يلعب الخوف والقلق دورا هاما فيها فإذا عولج الخوف والقلق على أساس تدعيم إيمان اإلنسان بالله فإن الصحة والشفاء يعودانإلى اإلنسان بصورة كأنها السحر في كثير من الحاالت. التفت إلي المعلم وقال: هذا الكالم لم يقله الربانيون من هذه األمة وإنما قاله طبيب 43

47 درس الطب كما يدرس المعادالت الرياضية ولكن خبرته أرشدته إلى حقيقة األدواء التي تعاني منها الحضارة الحالية الحضارة التي تهتم بإحالل السالم على األرض وتغفل عن النفوس مع أن السالم ال ينطلق إال من النفوس. *** رأيت داخل الحصن أبوابا كثيرة جدا كل باب يدخل منه مرضى كثيرون سأت المعلم عنه فقال: هذه األبواب تؤدي إلى القاعات المكلفة بعالج العلل السلوكية المؤدية إلى العلل الجسدية. قلت: فمن يرسل المرضى إلى هذه األبواب قال: جميع أقسام هذه الحصون. قلت: كيف ذلك قال: ربما يأتي المريض لعالج علة من العلل فيجري الطبيب فحوصاته فيرى باطنه مملوءا بالكدورات فال يرى له من عالج غير غسل تلك الكدورات ليستقيم له عالجه وكثير من المرضى المرسلين إلى هذا الحصن يعودون إلى بيوتهم من غير أن يعودوا لالستشفاء. قلت: لم قال: ألن العلل التي كانت تكدر صفو حياتهم لم تكن علل أجساد بل كانت علل قلوب تفرز سمومها على أجسادهم. قلت: فهل سندخل من هذه األبواب جميعا قال: إذن لن نخرج من هنا أبدا.. قلت: ولكن أنترك الشياطين تعشش في قلوبنا قال: لنا رحالت أخرى خاصة بعالج هذه العلل.. أما ا لن فسنكتفي بزيارة قاعتين من هذه القاعات لنتبين من خاللهما أثر األمراض النفسية في الحالة الصحية. 44

48 الحسد: دخلنا القاعة األولى وقد كتب على بابها قوله :) دب فيكم داء األمم من قبلكم: الحسد والبغضاء والبغضة هي الحالقة ال أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين والذي نفس محمد بيده ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا وال تؤمنوا حتى تحابوا( )1( قلت للمعلم: أهذه القاعة مخصصة لعالج الحسد. قال: أجل.. ألم تر النبي يعتبر الحسد داء من األدواء الخطيرة قلت: وقد اعتبره حالقا للدين. قال: هو حالق للدين وللدنيا فال راحة لحاسد في دنياه وال استقرار له في دينه. قلت: وقد ورد في الحديث الشريف قوله :)إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب( )2( قال: وهويأكل الصحة والعافية كما تأكل النار الحطب. رأيت مرضى كثيرين في هذه القاعة ورأيت أطباء كثيرين مجتمعين.. كل طبيب يحاول أن يقنع مرضاه بخطورة الحسد. قلت للمعلم: لماذا اجتمع كل هؤالء األطباء لبيان خطورة الحسد قال: هذا هو الركن األول من عالج الحسد كما أنه الركن األول لعالج كل علة.. أال ترى أنك ال تسارع للطبيب إلى إذا خشيت على صحتك من داء له خطر أو بعض الخطر. قلت: أجل.. فلو جرحت أصبعي مثال.. وسال الدم منها ال أسارع للطبيب.. قال: فدور هؤالء األطباء هو توعية المرضى بخطورة هذا الداء ليشعلوا في قلوبهم النيران التي تحثهم على طلب العالج. الترمذي. ابن ماجه كتاب الزهد - باب الحسد رقم )5801(. )0( )8( 45

49 اقتربنا من بعض األطباء فسمعناه يقول:.. ولعظم ضرر الحسد على اإلنسان وعلى المجتمع فقد نفر القرآن الكريم منه وأمر باالستعاذة من شر الحاسد كما أمر باالستعاذة من نفث الشيطان فالحسد مفسد للطاعات باعث على الخطايا.. وهو نار تضطرم في صدر الحسود فما تراه إال كاسف الوجه قلق الخواطر غضبان على القدر قد عادى حكمة الله قال )النساء: 35 (.. ن ف ضل ه تعالى: أ م ي حس د ون الن اس ع ل ى م ا آت اه م الل ه م اقتربنا من طبيب آخر )1( فسمعناه يقول:.. الحسد يضر بالنفس ألنه يشغلها عن التصرف المفيد لها وللبدن وذلك يسبب طول الحزن والتفكر ثم إنه يضر بالجسد لما يعرض للمحسود من طول السهر وسوء االغتذاء وينشأ عن ذلك رداءة من اللون وسوء السحنة وفساد المزاج. اقتربنا من طبيب آخر )2( فسمعناه يقول:.. والحسد يؤدي إلى ظهور انفعاالت نفسية عصبية كما تضطرب عنده الغدد الصماء فيعتل جسمه ويذوب. فالحاسد دوما في ضيق وقلق وهذا يصحبه األرق ومع استمرار األرق يحس باإلعياء والتعب ويفقد شهيته للطعام ويتناقص وزنه ثم تظهر عنده أعراض عصبية مزعجة كالصداع والطنين في األذنين تمنع عنه الراحة والهدوء وقد تظهر آالم خناقية في صدره وكلما احتدمت نزوات حسده زاد األلم وتكررت نوباته مما يعرضه لإلصابة بالذبحة الصدرية. والحسد يهيء لإلصابة بقرحة المعدة التي ثبت أنها تنشأ من االنفعاالت أكثر مما تنشأ عن خطأ في التغذية وقد يؤدي الرتفاع الضغط الدموي والذي يتناسب ارتفاعه مع زيادة االنفعاالت ويعظم خطره. ونحن نعلم أن أطباء القلب يوصون المرضى بالهدوء والراحة وترك الهواجس ونبذ انشغال الفكر بالغير والبعد ما أمكن عن االنفعاالت النفسية. هو أبو بكر الرازي في كتابة: الطب الروحاني. هو د. حامد الغوابي «الحسد بين الطب واإلسالم» لواء اإلسالم القاهرة ع 2 المجلد 00 لعام )0( )8( 46

50 وقد يسبب الحسد مرض السوداء [ المانخوليا ] عند الحاسد وحبه للوحدة والعزلة غير ما يؤدي إليه من ارتباك العقل وعدم القدرة على التركيز وكم سبب الحسد عند صاحبه من عقد نفسية وتركت عنده أمراضا ال يمحى أثرها. وأخيرا فإنك لن ترى حاسدا حقودا إال وقد رسم في وجهه تجاعيد الشيخوخة ولفحة الشيب المبكران وإن كان في عنفوان شبابه. اقتربنا من طبيب آخر وقد كانت تلوح عليه سيما الغزالي وهويقول: اعلم أن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين وأنه ال ضرر فيه على المحسود بل ينتفع به فيهما. أما كونه ضرر عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى وعدله الذي أقامه في ملكه وهذه جناية لى التوحيد وأما كونه ضرر عليك في الدنيا فهوأنك تتألم بحسدك أو تتعذب به وال تزال في كمد وغم بكل نعمة تراها على غيرك.. وأما أنه ال ضرر على المحسود في دينه ودنياه فألن النعمة ال تزول بحسدك بل قدر الله تعالى من نعمة فال بد أن يدوم إلى أجل قدره الله فال حيلة في دفعه ولكل أجل كتاب.. وأما أن المحسود ينتفع به في الدين فهوأنه مظلوم من جهتك ال سيما إذا أخرجك الحسد إلى الغيبة والقدح فيه فهذه هدايا تهديها إليه من حسناتك حيث تأتي مفلسا يوم القيامة )1(. الغضب: دخلنا القاعة الثانية وقد كتب على بابها قوله :)ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب( )2( قلت للمعلم: ال شك أن هذه القاعة مخصصة لعالج الغضب. قال: أجل.. وهل هناك داء أدوى من الغضب.. وهل هناك مصارع لدود أشد فتكا من اإلحياء:.033/5 )0( البخاري ومسلم. )8( 47

51 الغضب قلت: لقد نبه النبي إلى أن القوي الحقيقي هو من استطاع التغلب على نزعة الغضب التي تستفزه فقد مر بقوم يصطرعون فقال:)ما هذا ( قالوا: فالن ال يصارع أحدا إال صرعه فقال النبي :)أفال أدلكم على من هو أشد منه رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه( )1( قال: ولهذا جعل الله تعالى كظم الغيظ من صفات المؤمنين في آيات كثيرة فقال تعالى: و ال ذ ين ي جت ن ب ون ك ب ائ ر األ ثم و الف و اح ش و إ ذ ا م ا غ ض ب وا ه م ي غف ر ون )الشورى: 54 ( وقال تعالى: ال ذ ين ي نف ق ون ف ي الس ر اء و الض ر اء ين ع ن الن اس و الل ه و الك اظ م ين الغ يظ و الع اف ين )آل عمران: 055 ( ووصف عباد الرحمن فقال: و ع ب اد الر حم ن ال ذ ين ي مش ون ي ح ب الم حسن ع ل ى األ رض هو نا و إ ذ ا خ اط ب ه م الج اه ل ون ق ال وا س الما )الفرقان: 25 ( قلت: وقد كان النبي يكتفي بوصية من يستفزه الغضب بترك الغضب ويكتفي بذلك فقد روي أن رجال قال للنبي : أو صني فقال: ال تغضب فردد مرارا فقال: ال) تغضب( )2( قال: وقد قال له رجل: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة فقال : ال) تغضب( )3( بل أخبر بما هو فوق ذلك فقال:)من كظم غيظا وهوقادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخالئق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين فيزوجه منها ما شاء( )4( قلت: واعتبر الغضب مفسدا لإليمان فقال:)إن الغضب يفسد اإليمان كما يفسد رواه البزار. البخاري. الطبراني. )0( )8( )5( )5( أحمد. 48

52 الصبر العسل( )1( قال: وهومفسد للخلق فال يمكن لمن يستفزه الغضب أن يحسن خلقه وقد قيل لبعضهم:أجمل لنا حسن الخلق فقال:)ترك الغضب( رأيت داخل هذه القاعة كثيرا من المرضى ومعهم كثير من األطباء فسألت المعلم عنهم فقال: هذا النوع من األمراض يحتاج أطباء كثيرين بتخصصات مختلفة فال يمكن أن تقتلع جذور هذه العلل أو توجه التوجيه الصحيح إال بجهد عظيم. اقتربنا من أحدهم فسمعناه يقول: إن االنفعاالت الشديدة والضغوط التي يتعرض لها اإلنسان كالخوف والغضب يحرض الغدة النخامية على إفراز هرمونها المحرض إلفراز كل من اإلدرينالين والنور أدرينالين من قبل الغدة الكظرية كما تقوم األعصاب الودية على إفراز النور أدرينالين. قلت: فما في ارتفاع هرمون اإلدرينالين والنور أدرينالين في الدم قال: ارتفاعهما يؤدي إلى تسارع دقات القلب وهذا ما يشعر به اإلنسان حين االنفعال والذي يجهد القلب وينذر باختالطات سيئة فهو يعمل على رفع الضغط الدموي بتقبيضه للشرايين واألوردة الصغيرة.. كما أن االرتفاع المفاجيء للضغط قد يسبب لصاحبه نزفا دماغيا صاعقا يؤدي إلى إصابة الغضبان بالفالج وقد يصاب بالجلطة القلبية أو الموت المفاجئ وقد يؤثر على أوعية العين الدموية فيسبب له العمى المفاجيء وكلنا يسمعبتلك الحوادث المؤلمة التي تنتج عن لحظات غضب )2(. اقتربنا من طبيب آخر فسمعناه يقول:.. هذا وإن ارتفاع النور أدرينالين في الدم يحرر الغليكوجين من مخازنه في الكبد ويطلق سكر العنب مما يرفع السكر الدموي إذ من المعلوم الطبراني في الكبير وابن عساكر. )0( د. محمود البرشة: الغضب وأثره السيء على البدن صدى اإليمان ع 8 م )8( 49